"ربيع عربي جديد قد يحدث بسبب التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا على الشرق الأوسط"، تحذيرات أطلقتها بعض الدوائر الغربية، في وقت تعد الدول العربية من أكثر الدول تأثراً، وهو أمر يظهر في مصر تحديداً، أكبر دولة عربية.
وكان لافتاً في هذا السياق أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قام بزيارة مفاجئة للسعودية، بدا أنها محاولة لتجاوز الجفاء بين البلدين، في ظل تباعُد مواقفهما مؤخراً في العديد من القضايا، بعد أن كانت القاهرة قد شعرت بأنها لم تعد بحاجة للدعم الاقتصادي السعودي بعد تحسن ماليتها العامة إثر التعويم.
ولكن نُذر أزمة اقتصادية وغذائية تهدد الشرق الأوسط برمته، وصلت إلى حد تحذير مسؤولين دوليين من احتمال حدوث اضطرابات مشابهة للربيع العربي، والعداء للربيع العربي، هي أكثر ما يوحد أنظمة الخليج مع النظام ذي الخلفية العسكرية في القاهرة.
هل تؤدي التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا لتجدد الربيع العربي؟
قالت كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، إنّ ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية، حسبما ورد في تقرير لموقع بلومبيرغ الشرق.
وذكرت راينهارت في مقابلة مع رويترز: "ستكون هناك تداعيات مهمة على الشرق الأوسط وإفريقيا وشمال إفريقيا وجنوبي الصحراء الكبرى على وجه التحديد"، التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.
وأضافت: "من المعروف أن انعدام الأمن الغذائي وأحداث الشغب كانا جزءاً من قصة الربيع العربي"، مشيرة إلى أن الانقلابات الناجحة والفاشلة زادت في العامين الماضيين.
وقالت عبير عطيفة، المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي في الشرق الأوسط ومقره القاهرة، إن العديد من السلع التي تأثرت بالفعل بالغزو الروسي كانت "ذات أهمية خاصة" للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحذرت من أن الحصول على الحبوب من مُصدرين آخرين لم يكن سهلاً.
وبدأت احتجاجات "الربيع العربي" في 2010 في تونس، ثم امتدت إلى 5 بلدان أخرى هي ليبيا ومصر واليمن وسوريا والبحرين.
ومن الممكن أن تؤدي الزيادات المفاجئة في أسعار الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في 2007-2008، ثم مجدداً في 2011، عندما ارتبطت أحداث شغب في أكثر من 40 دولة بارتفاع أسعار الغذاء العالمية.
البنك الدولي ذكر الشهر الماضي بعد أيام من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أن أسعار السلع الزراعية زادت بالفعل 35% على أساس سنوي، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بسبب الحرب؛ نظراً إلى أن روسيا وأوكرانيا تُعَدّان من كبار مصدّري القمح والذرة والشعير وزيت دوّار الشمس.
لماذا تبدو مصر الأكثر تأثراً بالأزمة؟
وصدمت شعبة المخابز المصريين بإعلانها زيادة أسعار الخبز السياحي (غير المدعم من قبل الحكومة) في الأيام الأولى لشهر مارس/آذار 2022، وأرجعت ذلك إلى التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا.
وتعتبر مصر واحدة من أكثر الدول العربية تأثراً من التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا، بالنظر إلى ارتفاع أسعار القمح والنفط إلى مستويات لم تشهدها منذ سنوات، علماً أنهما يمثلان معاً جزءاً كبيراً من الإنفاق العام على الواردات المصرية.
كما تعد القاهرة أكبر مستورد للقمح في العالم، وتستورد نحو 80% من احتياجاتها من هذا المحصول الاستراتيجي من روسيا وأوكرانيا، إضافة لمنتجات أخرى مهمة مثل الزيوت والعلف.
ما وضع مخزون مصر الاستراتيجي من القمح؟
وتواجه مصر بسبب الحرب في أوكرانيا تكاليف أعلى بسبب احتياجها الشديد لاستيراد القمح، إضافة إلى فقدها عائدات سياحية من الزائرين الروس والأوكرانيين لمنتجعات البحر الأحمر. وعلى الرغم من ذلك، نفت الحكومة المصرية أي تأثير للأزمة على الاحتياطي الاستراتيجي من القمح حتى الآن.
ولكن هناك تقارير عن تعطل شحنات قمح قادمة لمصر من البحر المتوسط، وألغت هيئة السلع التموينية، المشتري الوطني للقمح، بعض مناقصات القمح بسبب عدم كفاية عروض التوريد.
فيما أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، أن مصر لديها مخزون استراتيجي من القمح المستورد يكفي الاستهلاك لمدة 4 أشهر، وأضاف أن "الزيادات في أسعار السلع لا مفر منها، ولكن الحكومة تحاول السيطرة عليها وتحمُّل جزء منها".
من جانبه، قال وزير المالية المصري محمد معيط، إن الاحتياطي في الموازنة 170 مليار جنيه لمواجهة الأزمة الروسية الأوكرانية.
نيران الغلاء بدأت تشتعل
بالفعل تشهد مصر خلال الأيام الأخيرة موجة من ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية، بسببت التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا.
قال وزير المالية المصري محمد معيط، في مقابلة مع "بلومبرغ الشرق"، إن ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية سيؤدي إلى زيادة تكلفة واردات البلاد من هذه السلعة، بقيمة تتراوح ما بين 12 إلى 15 مليار جنيه في ميزانية العام المالي الحالي 2021-2022″، (الدولار يعادل 15.6 جنيه).
وارتفع سعر طن القمح في السوق المصري نحو ألف جنيه، ليتراوح بين 6 آلاف إلى 6500 جنيه، بينما ارتفع طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه مقابل 7500 جنيه و8 آلاف جنيه قبيل الأزمة.
وبصفة عامة، قفز تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية، على أساس سنوي إلى 8.8% خلال فبراير/شباط المنصرم، فيما كان هذا الارتفاع بلغ 7.3% لشهر يناير/كانون الثاني السابق، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الحكومي.
يُعدُّ معدل التضخم المسجل في المدن المصرية خلال شهر فبراير/شباط هو الأعلى منذ نحو 3 سنوات، عندما بلغ 9.4% في يونيو/حزيران 2019.
حملة تستهدف التجار قد تزيد الأزمة
ومما يزيد من تأثير الأزمة تزامنها مع اقتراب شهر رمضان، الذي يشهد زيادة تقليدية في استهلاك المواد الغذائية، الأمر الذي يفاقم زيادة الأسعار.
ورغم التضييق الأمني الكبير الذي تعيشه البلاد منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2014، فإنها شهدت مؤخراً مظاهر نادرة ومحدودة للتعبير عن التذمر من ارتفاع الأسعار.
في المقابل، بدأت الحكومة حملات ضد تجار السلع الغذائية، شملت مصادرات وإجبارهم على بيع السلع بأقل من سعر التكلفة، يقول معنيون بالملف لـ"عربي بوست" إنها لن تؤدي إلا لتفاقم الأزمة عبر انسحاب هؤلاء التجار من السوق أو قيامهم ببيع سلع أقل جودة.
الموازنة المصرية العامة بين خيارين كلاهما مر
ولكن المشكلة الأكبر قد تكون في الموازنة العامة ووضع الجنيه المصري.
فمع ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، فإن هذا يضغط على الموازنة العامة والميزان التجاري.
والحكومة المصرية بين خيارين أحلاهما مر، إذ يمكنها تقليل الدعم عبر زيادة أسعار الوقود التي يفترض أنها باتت محررة، ولكنها وضعت على أساس أسعار أقل كثيراً من الأسعار الحالية.
ولو رفعت الحكومة أسعار الطاقة سيشتعل التضخم أكثر، وينطبق الأمر على السلع الغذائية المدعمة، ولاسيما الخبز المدعم المثبت سعره منذ عقود عند سعر 5 قروش للرغيف (أقل من ثلث سنت)، وأثارت دعوة للسيسي سابقة لرفع سعره انتقادات حادة.
ولو أبقت الحكومة على الأسعار مدعمة سواء الطاقة أو الغذاء فسيتفافقم العجز في الموازنة والميزان التجاري.
توقف السياحة يمثل خطراً إضافياً، والمستثمرون يتخلصون من السندات المصرية
ويزيد من المشكلة توقف السياحة الأوكرانية والروسية التي تمثل مصدر دخل مهماً للعملات الصعبة، في وقت بدأ فيه مستثمرو الأموال الساخنة الهروب من السندات المصرية وغيرها من الأسواق الناشئة.
ودفعت أزمة أوكرانيا المستثمرين الأجانب للتخلص من السندات المصرية، حيث كشفت بيانات حديثة قيام مستثمرين أجانب بالخروج من الأسواق الناشئة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث قام عدد منهم ببيع سندات خزانة مصرية بنحو 1.19 مليار دولار في ثلاثة أيام فقط، مع استمرار النشاط في السوق الثانوية، الثلاثاء 8 مارس/آذار، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية".
وقال مصرفيون، إن المستثمرين يقلّصون مراكزهم في مصر منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يعكس مخاوف من عجز كبير في الحساب الجاري والميزانية في البلاد، فضلاً عن الانكشاف على مخاطر احتمال قيام مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة. وأضاف المصدر ذاته أن المستثمرين يخشون تقلّص قيمة حيازاتهم إذا اضطرت مصر لخفض قيمة عملتها.
عرش الجنيه مهدد.. فهل تتجه مصر لتعويم جديد؟
قالت مجموعة "غولدمان ساكس"، إنَّ قيمة الجنيه المصري "مبالغ فيها إلى حدٍّ ما"، مع استمرار صانعي السياسات في إظهار استعدادهم للحفاظ على عملة قوية، في حين تظل الأرصدة الخارجية للبلاد والقدرة التنافسية معرَّضة للخطر على المدى الطويل.
ويحتفظ النظام المصرفي المصري بمخزون احتياطي كبير من العملات الأجنبية، الذي من شأنه أن يسمح لصانعي السياسة بتخفيف الضغوط على الجنيه في حال حدوث المزيد من التقلُّبات في التدفُّقات الأجنبية في الأشهر المقبلة، بحسب ما نشر في تقرير لمحللي "غولدمان" بقيادة زاك باندل.
ولكن قد يعني ذلك استنزاف البنك المركزي المصري لاحتياطاته للدفاع عن سعر الجنيه الحالي.
وتقدِّم مصر أحد أعلى العوائد الحقيقية (على السندات الحكومية) عبر الأسواق الناشئة، والأسواق الواعدة. وقال المحللون إنَّ احتمالية إدراج السندات الحكومية المصرية في مؤشر (جيه بي مورغان للسندات الحكومية في الأسواق الناشئة) تظلُّ حافزاً محتملاً للطلب الدولي على الجنيه المصري، ولتعزيز جودة واستقرار تمويل العجز في الحساب الجاري.
وقال المحللون في بنك الاستثمار "جيه بي مورغان"، مؤخراً، إنّ خفضاً كبيراً في سعر صرف الجنيه المصري قد يكون مطلوباً مع تزامن الارتفاع الكبير في أسعار السلع والأغذية، مع الانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس، إلى زيادة الإضرار بالأوضاع المالية العامة المثقلة بالفعل لمصر.
وأشار إلى أن الجنيه المصري حالياً أعلى من قيمته بأكثر من 15%.
وقدم البنك عدة سيناريوهات، أحدها دون خفض لقيمة العملة، وآخر مشابه لعامَي 2014 و2015 عندما سمحت السلطات للعملة بالهبوط بنحو 5%، وسيناريو ثالث تسمح فيه البلاد بتراجع أكبر كجزء من حزمة جديدة من صندوق النقد الدولي.
وقال "جيه بي مورغان": "ينتج عن تحليل السيناريوهات احتمالية مرجحة بخفض نسبته 8.5% عن السعر الحالي"، واضعاً السعر المستهدف للجنيه المصري عند 17.25 للدولار.
مصر قد تضطر للجوء لصندوق النقد الدولي
وقال المحللون في بنك الاستثمار "جي بي مورغان" إن الحكومة المصرية قد تحتاج إلى مزيد من مساعدات صندوق النقد الدولي إذا استمر تفاقم ضغوط الأسواق المالية.
ليست هذه المرة الأولى التي يقول فيها محللون هذا، قالت وكالة فيتش في ديسمبر/كانون الأول (قبل نشوب الحرب)، إن مصر ستكون بحاجة إلى برنامج جديد مع صندوق النقد في حالة حدوث أزمة سيولة.
وكان صندوق النقد الدولي متكتماً بشأن احتمالية بدء برنامج جديد مع مصر، في التصريحات التي أدلت بها سيلين آلار، رئيسة بعثة صندوق النقد إلى مصر، لموقع مصراوي.
ولجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي مرتين في الأعوام الستة الماضية: كانت المرة الأولى في عام 2016 عندما حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تزامن مع تعويم الجنيه، فيما كانت المرة الثانية بعد انتشار جائحة "كوفيد-19″، عندما اقترضت مصر 8 مليارات دولار لتخفيف الصدمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد خلال الموجة الأولى للفيروس.
العودة للسعودية
ويعتقد على نطاق واسع أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المفاجئة للمملكة العربية السعودية مرتبطة بهذا الملف، في ظل الزيادة الكبيرة في العوائد السعودية من النفط بالتزامن مع نُذر الأزمة التي تواجه مصر.
وعلى عكس زياراته المعتادة للمملكة، لم تَدُم زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للسعودية أكثر من ساعات قليلة. فالوتيرة المتسارعة للحدث العالمي فرضت تعديل موعدها.
الزيارة التي التقى خلالها السيسي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بعدما استقبله وليّ عهده محمد بن سلمان، حمَلَت مصالحةً رعاها مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، بين الرئيس المصري والأمير الغاضب من بعض مواقف الأخير، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الأخبار اللبنانية.
وبدا أن الهدف الرئيسي من الزيارة استشراف الموقف السعودي من الصراع الدائر في أوكرانيا، وإمكانية الحصول على مساعدات اقتصادية من الرياض، في ظلّ التعثُّر المتوقَّع للاقتصاد المصري على المدى المتوسط.
وبعد الضغوط التي تعرّضت لها القاهرة من جانب الغرب للتصويت لصالح أوكرانيا في الأمم المتحدة، يبدو أن السيسي حَسَمَ أمره بالإبقاء على موقف معتدل ظاهريّاً يتماهى فيه مع مواقف الرياض وأبوظبي خصوصاً، في محاولة منه للاستفادة بأكبر قدر ممكن من الأزمة.
ويعتقد أن الرئيس المصري حمل في هذه الزيارة طلبات جديدة للحصول على دعم سعودي، في ظلّ هروب المستثمرين من مصر كجزء من موجة الخروج من الأسواق الناشئة، في موازاة العمل على تجاوز العديد من المشكلات بين البلدين، والناتجة من تعارض المواقف في عدّة ملفات إقليمية، منها التهدئة المصرية مع تركيا، والموقف المصري إزاء الأزمة اللبنانية المختلفة عن الموقف الخليجي الحاد.
الملف الأهم بالنسبة للسعودية هو اليمن
وبدا من البيان المشترك للزيارة تركيزه بشكل كبير على دعم موقف السعودية في مواجهة الحوثيين في اليمن، وعادة ترى الرياض أن القاهرة لا تتخذ مواقف حاسمة لجانبها في هذا الملف، وفعلياً رفضت القاهرة أي تورط منها في حرب اليمن، كما يعتقد أنها تحتفظ بقنوات اتصال محدودة مع الحوثيين.
كما بدا أن القاهرة طلبت من السعوديين مجدّداً دعم الموقف المصري في قضيّة "سدّ النهضة" الإثيوبي، وهو ما ظهر في البيان المشترك بالتأكيد على أن أمن مصر المائي جزء من الأمن القومي العربي.
ويرى البعض أن ولي العهد السعودي حرص على إظهار حميمية في التعامل مع السيسي، لكن الواقع أنها كانت زيارة مصالحة، حيث جرت جميع المناقشات الرئيسيّة بين السيسي والأمير محمد بن سلمان.
ولكن يظل أصعب ملف في العلاقات بين البلدين هو الملف اليمني، إذ قد تطلب الرياض من القاهرة مواقف مكلفة في مواجهة الحوثيين، بما في ذلك طلب إرسال دعم عسكري مصري للسعودية في اليمن، وهي مسألة حساسة للجيش والرأي العام في مصر، حيث مازالت تداعيات التدخل المصري في المستنقع اليمني في الستينات ماثلة في الذاكرة المصرية، ويعتقد أنها أحد أسباب هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967 وتدهور الاقتصاد المصري في نهاية السبعينيات.
هل ينقذ الغاز الاقتصاد المصري؟
في مقابل هذه المخاوف من التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا على مصر، يأمل قطاع الغاز المصري أن يعزز الصراع الروسي الأوكراني صادراته إلى أوروبا، مع محاولة القارة تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
ويقول بعض الخبراء إن الارتفاع المتوقع في الطلب يمكن أن يعوض بعض الخسائر التي ستتكبدها مصر بسبب الحرب، بما في ذلك ارتفاع أسعار واردات القمح وخسارة ملايين السائحين من روسيا وأوكرانيا.
وقال صلاح حافظ، النائب السابق لرئيس الهيئة العامة للبترول، الذراع التنفيذية لوزارة البترول المصرية، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "مصر لديها فرصة جيدة لتصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا".
وحققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز في عام 2019، حيث كانت مستورداً صافياً لسنوات عديدة قبل ذلك. منذ ذلك الحين كانت هناك محاولات يائسة لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال (LNG)، خاصة إلى أوروبا، لجلب العملات الأجنبية، التي تشتد الحاجة إليها لتمويل مشاريعها التنموية الطموحة وإطعام سكانها المتزايدين.
كما تسعى القاهرة للتحول لمركز لتسييل الغاز في المنطقة، عبر استيراد الغاز من إسرائيل تحديداً، ثم تسييله وتصديره لأوروبأ، وتعمل القاهرة أيضاً على توقيع اتفاقيات مع اليونان وقبرص لواردات الغاز، من خلال ربط الحقول اليونانية والقبرصية بمنشآت تسييل مصرية.
بلغت صادرات الغاز الطبيعي المسال المصري في عام 2021 إلى 5 ملايين طن، معظمها إلى أسواق في آسيا وأوروبا.
وقال وزير البترول المصري إن مصر تأمل في زيادة صادراتها إلى 7.5 مليون طن بحلول يونيو/حزيران 2022، وبصرف النظر عن أن ذلك قد يحقق عائدات بمليارات الدولارات، فإن هذا سيحقق حلم مصر بأن تصبح مركزاً للطاقة، حسب الموقع البريطاني.
المحلل المصري أحمد فؤاد أشار إلى عدة أسباب، منها الافتقار إلى البنية التحتية اللازمة، وقال إن مصر تصدر الغاز الطبيعي المسال، في حين أن معظم الدول الأوروبية لديها بنية تحتية فقط لاستقبال الغاز الطبيعي عبر الأنابيب (PNG).
وأشار إلى معوقات أخرى، من بينها التزام مصر بتصدير جزء من غازها إلى الصين والدول العربية، بما في ذلك لبنان.
وتفيد التقارير بأن معامل الإسالة في إدكو ودمياط تعمل بكامل طاقتها لزيادة كمية الغاز المعالج.
يشير ما سبق إلى أن مصر قد تستطيع زيادة دخلها من الغاز عبر زيادة طفيفة لو أمكن في الكميات المصدرة لأوروبا، ولكن الأهم الزيادة في الأسعار، ولكن تظل هذه الزيادة في الإيرادات المالية للغاز قادرة على الأرجح على تعويض جزئي فقط للخسائر الناجمة عن زيادة أسعار النفط والسلع الغذائية، وكذلك تداعيات تراجع السياحة الروسية والأوكرانية وبيع مستثمري الأموال الساخنة للأوراق المالية المصرية.