اشتعلت الأوساط العراقية احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ منها الدقيق والزيت والأرز خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى ردود أفعال صاخبة والوقوف أمام الدوائر الحكومية رفضاً لعدم إيجاد الحكومة لمعالجات تخفف من معاناة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
اشتكى المواطنون من ارتفاع أسعار قنينة زيت الطهي التي وصلت إلى 6 آلاف دينار أي ما يقارب (4 دولارات)، بعد أن كان سعرها دولاراً واحداً، بالإضافة لارتفاع سعر كيس الطحين إلى 60 ألف دينار عراقي ما يقارب (45 دولاراً)، بعد أن كان سعرهُ 13 دولاراً فقط، علاوةً على ارتفاع أسعار الخضروات والبيض والأرز لثلاثة أضعاف السعر القديم.
تأثيرات الأزمة الأوكرانية-الروسية
تواصل مراسل "عربي بوست" مع الخبير الاقتصادي قصي النوري، وتحدث عن مدى ارتباط الحرب الأوروبية على الأسواق العراقية، وقال: "إن السوق العراقية تشهد ارتفاعاً مستمراً بأبرز المواد الغذائية الأساسية، وليس فقط الأوكرانية، وهناك جشع واضح وعدم انضباط والتزام من قبل بعض التجار الذين يستغلون انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، ويبررون احتكار المواد ورفع أسعارها بتأثيرات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا".
وتابع النوري "الصراع الأوروبي يؤثر فعلاً على الأسعار، لأن العراق يستورد المواد الغذائية من أوروبا وبقية الدول الآسيوية، ولأن الحروب والأزمات التي خاضها العراق دمرت المصانع والمنشآت، ما أدى ذلك زيادة معاناة المواطنين، وتعميق جراحهم طيلة 18 عاماً السابقة، خصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق بعام 2003، وسيطرة الأحزاب الفاشلة والفاسدة على مؤسسات الدولة".
نعيش أسوأ أزمة اقتصادية..
محمد الحسيني، وهو معلم ابتدائية من محافظة البصرة، تحدث لفريق "عربي بوست" قائلاً: "تعبنا من ارتفاع الأسعار واستمرار الأزمات، ولم نعد نحتمل مشاكل البلاد، وفوضى السياسيين وسرقة الأحزاب لمقدرات الشعب، فنحن نمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، ومازلنا نعاني من الفقر والجوع، وأنا راتبي 450 ألفاً أي ما يعادل 300$، وأعيش في بيت إيجار ولدي عائلة من 5 أفراد، ولا أستطيع تحمل غلاء الأسعار".
كما أضاف الحسيني: "نعيش في العراق أسوأ أيام حياتنا، لا وجود للكهرباء، ولا البنزين، وهناك دائماً أزمة جفاف المياه، بالإضافة لانهيار الوضع الأمني واستمرار الأزمات السياسية، وهذه المرة اقتحمت مشاكل غلاء الأسعار بيوتنا، وأصبحنا لا نملك الحلول، وهذا ما يجبرنا أن نفكر بالهجرة وترك البلاد، فمستقبل أولادنا صار مظلماً جداً".
في ذات السياق، تحدثت السيدة رقية أم عمر، وهي ربّة بيت وأرملة من الموصل لـ"عربي بوست"، وقالت: "أصبحتُ أرملة بعد حرب التحرير في الموصل عام 2017 ضد تنظيم الدولة (داعش) ومنذ ذاك الحين، لم تصرف الحكومة أي راتب لأولادي اليتامى، ولا يوجد لدي معين، لذلك اضطررت للعمل كخيّاطة لأحصل على بعض النقود من أجل شراء الطعام لأطفالي الصغار".
وأكملت أم عمر حديثها: "ارتفعت الأسعار بشكل مفاجئ، واضطررتُ لبيع ماكينة الخياطة التي أعيش من وارداتها البسيطة، كي أشتري الطعام لأطفالي، وكي أشتري (الكاز) الوقود لتدفئتهم، من برد الشتاء، لذلك أُناشد المسؤولين رعاية الفقراء ومساعدتهم، فنحن عانينا من قسوة الحرب، والآن ندفع ضريبة أخرى، وما عدنا نستطيع مقاومة هذه الحياة الصعبة".
مطالبات من حقوقيين بإيجاد الحلول
وزارة التخطيط العراقية أعلنت في تصريحات رسمية أن هناك أكثر من 10 ملايين مواطن عراقي تحت خط الفقر أي ما يعادل 25% من إجمالي سكان العراقي، وهذا ينذر بكارثة بشرية كبيرة، إذا لم تتكاتف المؤسسات الرسمية الحكومية كي تعالج مشاكل الفقراء.
بهذا الصدد تحدث الحقوقي علي الشمري لـ"عربي بوست" وقال: "على الحكومة العراقية تحمل مسؤولية أزمة غلاء الأسعار وأن تخفف المشاكل، لأنها بكل تأكيد لا تستطيع حل كل شيء فهي أزمة عالمية، ولكن الحكومة تستطيع التقليل من معاناة المواطنين عن طريق ضبط كبار التجار المحتكرين، الذين يعلمون لصالح بعض الأحزاب السياسية الحاكمة، والتي تهدد حياة الملايين من الفقراء".
وتابع الشمري: "كما أن هناك جملة من الإجراءات التي من الممكن معالجة هذه الأزمة، وهي تكمن في ضرورة تفعيل البطاقة التموينية، وصرف مخصصات مالية ومعونات على شكل سلات غذائية شهرية للمواطنين، وعدم السماح باستغلال التجار لقوت المواطنين، ومع ضرورة دعم المنتج المحلي وتقديم المساعدات للمزارعين والمصانع العراقية".
فشل الحكومات المتعاقبة وسطوة المسلحين
باحثون سياسيون تحدثوا عن ضعف قدرة الدولة بإيجاد معالجات لأزمة غلاء الأسعار، فقال الباحث فيصل عبدالقادر، في تصريح خاص لـ"عربي بوست": "تفاقم أزمة الأسعار يرجع إلى تدمير المصانع المحلية من قبل الأحزاب السياسية، وانهيار الزراعة والثروة الحيوانية، بسبب الاستيراد المكثف لأغلب البضائع والمواد الغذائية من إيران".
وأشار إلى سبب آخر يبرز تحديداً في " ابتزازات تمارسها عناصر مسلحة، وتقوم بتهديد أصحاب المشاريع الناشئة من العراقيين، وإرغامها على دفع إتاوات للميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الحاكمة التي يعملون لتنفيذ مصالحها وأجندتها"، بحسب تعبيره.
إجراءات معقدة من وزارة التجارة
أثير داود، وهو مدير عام الشركة العامة لتصنيع الحبوب، تحدث بدوره قائلاً: "إن الشركة ملتزمة بتوزيع مادة الطحين "الدقيق" لجميع مستحقيها من المشمولين بنظام البطاقة التموينية وفق الجداول الزمنية المحددة في خطط وزارة التجارة".
وأوضح داوود أن "وزارة التجارة تجهز العوائل بمادة الطحين بأسعار رمزية ولا علاقة لها بالطحين التجاري الذي يخضع للمضاربات التجارية ويتأثر بأسعار السوق العالمية".
وأكد أن "الشركة باشرت في مراكز القطع بإطلاق قوائم تجهيز الوكلاء بالحصة الثانية، والعمل جار في جميع المطاحن العاملة لإنتاج وتجهيز العوائل بالطحين وفقاً للخطة التسويقية وبالمدد الزمنية المحددة لكل وجبة، ولكن الأزمة العالمية كبيرة، وأعداد المحتاجين تتجاوز قدرة الوزارة".
أزمات العراقيين يبدو أنها لن تنتهي، بسبب تغلغل الفساد في وزارات الدولة، واختفاء موارد البلاد، وتدمير الصناعة والزراعة لضمان استمرار عمليات التجارة والاستيراد من الخارج، وهذا ينذرُ بحدوث تظاهرات احتجاجية في أغلب أنحاء العراق، بعد توعد منظمات إنسانية كثيرة وعدد كبير من الناشطين المدنيين، للنزول إلى الشوارع بهدف الاحتجاج أمام وزارات ومؤسسات الدولة، وإقامة الاعتصامات لحين إيجاد حلول تنقذ الفقراء وأصحاب الذوي المحدود من أزمة غلاء الأسعار.