يؤكد الكاتب الأمريكي فيليب هلميش أنّ اليوغا عمرها آلاف السنين، مُشيراً إلى الزيارة التي قام بها إلى كهف فاشيتاش في الهند. وفاشيتاش عاش منذ آلاف السنين، وكان يتبع الإله رام، والكهف، بحسب هلميش، كان وما زال يحظى بالتبجيل، واصفاً إيّاه بـ"المقدّس".
كذلك يُحكى عن أصل اليوغا في الميثولوجيا الهندوسية بأنّ الإله شيفا كان يروي لزوجته أسرار اليوغا، فاسترقت سمكة في النهر السمع وتحوّلت إلى إنسان، فنقلت تعاليم اليوغا إلى سواحل الهند.
وفكرة التحوّل هي في الأساس موجودة داخل كلمة يوغا، وهي تأتي من السنسكريتية Yuj، أي التوحيد أو الاتحاد، اتحاد الذات الفردية بالذات الكونية، أو اتحاد الجانب المادي المنفصل عن الذات بالجانب الإلهي المتّصل فيها. فيقوم الإنسان بممارسة اليوغا بهدف الخروج من العالم المادي بهدف الاتحاد مع الإله.
من جانبه، يؤكّد سادغورو أنّ اليوغا من شأنها تعزيز إدراكنا، فهي "ليست فلسفة ولا هي أيديولوجيا، ليست شيئاً تؤمن به أو لا تؤمن به، إنّها شيء تستخدمه لتنمّي الإدراك لديك، وتصقله، بطريقةٍ تمكّنك من رؤية ما لا يمكنك أن تراه وسماع ما لا يمكنك تسمّعه".
وسادغورو يعرّف عن نفسه بأنّه "يوغي، متصوّف، رؤيوي، ومعلّم روحي مختلف"، وهو يملك شعبية على يوتيوب -لديه أكثر من 150 ألف متابع- حيث يتوجّه إلى الجمهور العربي من خلال فيديوهات مترجمة يحكي فيها عن اليوغا، ويعرّف عن الشيفا (اليوغي الأول) ويقدّم نصائح حياتية.
وفي أحد المقاطع المصوّرة يشرح سادغورو كيف أنّ حواسنا موجّهة لترصد ما هو مادي فقط، واليوغا هي الوسيلة التي ستجعلنا ندرك اللامادي، اللاشيء.
شيفا، يقول سادغورو، "هو الذي أدرك ذلك اللاشيء غير المادي، هو آدي يوغي، أي اليوغي الأول". موضّحاً أنه يُسمّى شيفا في الثقافة الشعبية، وآدي يوغي في الثقافة الروحية.
هل يمكن اعتبار اليوغا طقساً دينياً؟
بالنسبة للهندوس، نعم. فإنّ اليوغا طقسٌ ديني أقرب إلى نشاطٍ روحي، وهناك أشكال مختلفة منها، لكلّ شكلٍ منها معنى مختلف عن الآخر.
بعض المراجع تشير إلى أنّ اليوغا مجموعة من الطقوس الروحية القديمة وأصلها الهند، وهناك أشكال مختلفة من اليوغا مثل: هاتا يوغا، كارما يوغا، جانا يوغا، وراجا يوغا. ويعرّفها جافين فلود، وهو كاتب وأستاذ في الدراسات الهندوسية قائلاً: "هي طريقة فنيّة أو ضوابط محدّدة من التصوّف والزهد والتأمّل".
في البوذية مثلاًج يُستخدم مصطلح "التأمّل" بدلاً من اليوغا، وفي معظم التقاليد الآسيوية الشرقية، وداخل معابد الهند -السياحية وغير السياحية- لا يُشترط على ممارِس اليوغا اتّباع ديانةٍ محدّدة أو أن يتخلّى عن عقيدةٍ ما.
تختلف دروس اليوغا، ويتميّز بعضها بترداد السوترا الهندوسية، أي النصوص الهندية الدينية القديمة. ويمكن لأي جلسة أخرى أن تنتهي بتأدية تحية "ناماستي" أو ببادرة صلاة. كما يمكن أن تشجّع جلسة أخرى على تكرار الكلمة المقدّسة "أوم"، وهي صوت بدائي أدّى إلى نشأة الكون بحسب البوذية والهندوسية.
في المقابل، هناك بعض المراجع التي تؤكّد أنّ اليوغا لم تبدأ كتقليدٍ ديني وأنّها مجرّد أساطير شائعة حولها، وأبرز هذه المراجع كتاب Roots of Yoga، الذي صدر في العام 2017.
فالكتاب الذي استغرق إعداده 5 سنوات، يؤكّد عدم وجود دليل على أنّ اليوغا بدأت كتقليدٍ ديني. ويقول إنها كانت "نوعاً من التكنولوجيا بين الأنظمة الدينية المختلفة، ويمكن أن يمارسها أي شخص بغضّ النظر عن الدين ودرجة زهده.
في الوقت نفسه لا ينفي الكتاب التأثير القوي للنصوص والآلهة البوذية في تشكيل اليوغا، وأنّ "أوّل نصّ رئيسي عن هاثا يوغا يعود لأمريتاسيدي، وهو عمل بوذي تانتري من القرن الحادي عشر".
لكن مهلاً.. كيف تحوّلت اليوغا إلى رياضة؟
بدأت اليوغا بالانتشار مع هجرة معلّمي اليوغا الهندوس إلى أمريكا منذ أواخر القرن التاسع عشر، ولكنها حقّقت ذروتها في الانتشار خلال الستينيات من القرن العشرين مع وصول اليوغي مهاريشي ماهيش من جبال الهيمالايا.
وتزايد الانتشار تدريجياً داخل وخارج الولايات المتحدة حين صدرت كتب ومنشورات بلغات مختلفة، تتحدّث عن اليوغا وفوائد ممارستها، فشهدنا "عصر نهضة" في هذا الإطار، سيّما مع افتتاح مراكز عدّة في مختلف بلدان العالم تعطي دروساً في اليوغا.
وما ساهم في انتشارها الواسع هو أنّها قُدّمت في البداية كنشاطٍ بدني، يساهم في التنحيف ويمنح لياقة عالية للجسم، وهذا صحيح.
اليوغا المنتشرة اليوم في معظم البلدان على أنّها نوعٌ من الرياضة هي الـ"هاثا يوغا"، وهي تُعتبر الجانب العملي لفلسفة الهندوس لليوغا. وهذه التمارين هي وسيلة لبلوغ الهدف الأسمى وأداة لتحقيق التحرّر الكامل.
قيمتها الأساسية تتمركز في أنّها تُسهم في إعطاء الفكر طاقته الكاملة، بهدف التحرّر والاندماج، للوصول إلى التركيز والتخلّص من الضغوط.
الهندوس معترضون: "حركة اليوغا الحديثة أنست هويّتنا"
من جهةٍ أخرى، فإنّ الهندوس المتديّنون الذين يعيشون في ولاية كاليفورنيا الأمريكية غير راضين عن الطريقة التي تسوِّق بها الثقافة الشعبية الأمريكيّة لديانتهم.
ففي تقريرٍ عُرض على موقع "الجزيرة" الإنجليزيّة، في العام 2011، أبدى الهندوس معارضة كبيرة لهذا الفصل بين اليوغا والهندوسية. كما اعترضوا على تحويل اليوغا من طقسٍ ديني إلى مُنتَج يُباع وعلامة تجارية يروّج لها.
يُظهر التقرير كيف يؤدّي "القس" الهندوسي صلاةً قبل البدء باليوغا كطقسٍ ديني داخل المعبد، حيث يجتمع الهنود الذين يبلغ عددهم مليونين في كلّ الولايات المتّحدة.
نستمع إلى مقابلات مع بعض الهندوس، الذين يعتبرون أنّ "حركة اليوغا الحديثة قد أنست هويّتهم الأعمق وطقوسهم الروحية"، ويبدون قلقاً من تعمّد الثقافة الأمريكية الفصل بين اليوغا والهندوسية.