أزمة ثقة!.. لماذا أثار تعيين مستشار لشؤون المناخ في فلسطين كل هذا الجدل؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/07 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/07 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
مستشار المناخ في الحكومة الفلسطينية جميل المطور / الشبكات الاجتماعية

قوبل قرار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بتعيين جميل المطور مستشاراً له لشؤون تغيّر المناخ والبيئة، يوم الإثنين الموافق 21 شباط/فبراير 2022، بموجة من السخرية والانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي . وقد  صرّح مطور تعقيباً بقوله: "لم يستحدث هذا المنصب براتب جديد.. أنا بنفس راتبي ونفس راتبي التقاعدي، ودولة رئيس الوزراء مطلع على عملنا، وعندما قام بتعييني، كان من باب التقدير والاحترام والمساعدة والخبرة، لكوني مطلعاً على هذا الملف في السنوات السابقة، والناس تحمل الأمور أكثر مما تحتمل، والبعض ينتقد من باب الجهل أو الشخصنة أو أجندة معينة، وأنا أحترم كل الآراء".

المناخ في فلسطين
جميل المطور

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرّض فيها الحكومة الفلسطينية وقراراتها للانتقاد، ويعكس الجدل الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي والذي أصبح بمثابة ظاهرة، وجود أزمات مركّبة ومتداخلة على مستوى الوعي والثقافة وأيضاً على صعيد ثقة الجمهور بحكومته.

تعتبر قضية تغيّر المناخ من القضايا العالمية الحاسمة في التاريخ الحديث، وتولي الأمم المتحدة ودول العالم اهتماماً كبيراً لها، وتُعقد قمم على مستوى رؤساء العالم لبحث آليات التصدي العالمي لتغيّر المناخ، وهناك اتفاقيات أممية قد أُبرمت بالخصوص، وتُرصد برامج ومشاريع بمليارات الدولارات من أجل هذا الغرض.

وعلى الصعيد الفلسطيني أيضاً، فإن قضايا البيئة تحتل أولوية أساسية في الاستراتيجية الوطنية، بما تتضمنه من زيادة المعارف العلمية، وتطوير قدرات البحث ذات الصلة، وزيادة الوعي البيئي، وتعزيز الثقافة البيئية لدى المجتمع، وتعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة في المحافل الدولية لحماية الحقوق البيئية الفلسطينية وفضح الانتهاكات الإسرائيلية في هذا المجال.

ويتضاعف خطر كارثة المناخ في فلسطين بفعل الاحتلال العسكري الاسرائيلي، الذي يدمّر قدرة الفلسطينيين على التكيّف مع تغيّر المناخ، حيث يعاني الفلسطينيون من انعدام الأمن الغذائي، وتدهور الأراضي والتربة، وندرة المياه بسبب الاحتلال، وتقيّد السياسات الإسرائيلية قدرة فلسطين على تطوير موارد مائية مستدامة وموثوقة.

المناخ في فلسطين

 وقد أدت السيطرة الإسرائيلية على تصاريح البناء في المنطقة (ج) من الضفة الغربية إلى إعاقة قدرة المنطقة على تطوير البنية التحتية المناسبة للنفايات، حيث إن الطريقة التي تعالج بها سلطات الاحتلال  النفايات حولّت الضفة الغربية إلى أرض ابتليت بالنفايات، هذا فضلاً عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي ألحق ضرراً كبيراً ببنيته التحتية، مما جعله أكثر عرضة للفيضانات. وفي نفس السياق، فإن الصناعات الإسرائيلية وبالأخص منها العسكرية تؤدي إلى زيادة مطّردة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يجعل فلسطين أكثر تأثراً بالتغير المناخي.

تتطلّب حماية المشروع الوطني النضال والقتال في كافة الساحات والميادين، بما فيها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وعليه فإن الانخراط المهني والمتخصّص في القضايا ذات الصلة، وتوطين البرامج الدولية الخاصة بتغيّر المناخ والبيئة يعد أمراً حيوياً وغاية في الأهمية. ونظراً للخصوصية الفلسطينية المرتبطة بوجود الاحتلال الإسرائيلي، فإن  حماية بيئتنا هي إحدى أهم وسائل نضالنا ضد هذا الاحتلال الغاشم على الأرض والبيئة الفلسطينية.

ولا تقتصر أزمة الوعي على الجمهور الفلسطيني، وإنما ينسحب جزء منها على الحكومة الفلسطينية في هذا المجال، خاصةً أن هناك انخراطاً إسرائيلياً كبيراً في الميادين الدولية المتخصصة، مقارنةً بذلك الفلسطيني، انعكس سلباً على آلية التعامل مع الأبعاد المنهجية والسياسية لأزمة المناخ؛ حيث إن معالجة المجتمعات الدولية والجهات المانحة لأزمة المناخ في فلسطين باعتبارها كارثة اجتماعية اقتصادية وليست كارثة سياسية تبقى فشلاً كبيراً تتحمّل وزره الحكومة الفلسطينية باعتبار أنها تقود العمل الفلسطيني في هذا القطاع.

ونأمل أن يكون استحداث هذا المنصب استكمالاً للجهود الوطنية المبذولة في سبيل تسخير كافة الإمكانات والفرص المتاحة لنا في المنظمات الدولية المتخصصة، من أجل حماية بيئتنا وتراثنا الطبيعي والمحافظة عليهما.

تجدر الإشارة إلى أن جميل مطور هو مناضل فلسطيني اعتقل لدى السلطات الإسرائيلية عدة مرّات، ويمتلك خبرة واسعة في مجال شؤون تغير المناخ والبيئة، ويحمل درجة الماجستير في الصحة العامة والمجتمعية من جامعة بيرزيت، والمنصب الذي تم تعيينه به، يوجد مثيل له في عديد من دول العالم، فضلاً عن حقيقة عدم وجود تبعات مالية لقرار التعيين.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لم يُثنِ مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من ممارسة التنمّر الإلكتروني ضدّ شخص المناضل جميل مطور، ونستذكر هنا ما كتبه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عام 2018 في مقالته الموسومة ب"منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي"، والتي أشار فيها إلى الكمّ الهائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، التي نلمسها في منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت مكاناً للذم والقدح، تعجّ بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء.

حقاً، نحن نعاني من أزمة ثقافة، يجب الوقوف عندها مطوّلاً، وعند أسبابها التي لا يمكن استثناء الاحتلال الإسرائيلي أو أصحاب الأجندات المشبوهة منها، ويجب عدم الاستخفاف بها، فهي باتت مصدراً للإحباط والسلبية، وذات تأثير مباشر في العلاقات المجتمعية، ولا يمكن السير في تجسيد مشروعنا الوطني الفلسطيني دون خلق بيئة مجتمعية ايجابية.

إن ردة الفعل التي لمسناها على هذا القرار وسابقاته، تعكس حجم الفجوة بين الجمهور والحكومة الفلسطينية، واتساع رقعة عدم رضى الجمهور عن أداء الحكومة وتآكل ثقته في قيادة الحكومة ومؤسساته، ومما لا شكّ فيه هو أن أي اتّساع للفجوة بين السلطة والمجتمع، سيكون دوماً على حساب القدرة على إنضاج التجربة الديمقراطية الفلسطينية وتطويرها ومراقبتها، وعلى حساب الجبهة النضالية الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي من شأنه وجوباً أن ينعكس سلباً على طريقة إدارة الصراع مع الاحتلال.

إن هذه الحالة الراهنة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأزمتَي الوعي والثقافة، ما يستدعي إجراء إصلاحات واجتراح آليات وسياسات واضحة وصارمة تستهدف الارتقاء بمستويات الوعي الحكومي والشعبي على حد سواء، لتجاوز الأزمات الأخرى، والمضي قدماً نحو تجسيد المشروع الوطني الفلسطيني.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فادي أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد