خلال الحرب العالميّة الثانية، واجهت الدولة الاسكندنافية فنلندا الغزو السوفييتي ومن ثم تحالفت مع ألمانيا لاجتياح الاتحاد السوفييتي، قبل أن تقاتل مع قوات الحلفاء ضد ألمانيا، ومن بين كل تلك الفوضى التي عاشتها الدولة، تبرز قصة جندي فنلندي نجا من الموت بفضل مخدر "الميثامفيتامين"، المعروف باسم "الكريستال ميث".
أيمو كويفونن جندي فنلندي نجا من الموت بسبب الميثامفيتامين
تناول كويفونن البالغ من العمر 27 عاماً جرعة زائدة شبه قاتلة من مخدر "الميثامفيتامين" أثناء محاولة فراره من كمين سوفييتي، فقد ساعدت حالة النشاط والطاقة الفائقة الناتجة عن تناول هذا المخدر المنشط أيمو كويفونن على قطع مسافات مئات الأميال، لكنها كادت أن تقتله خلال هذه الرحلة.
بدأت القصة في 18 مارس/آذار 1944، إذ غطت الثلوج الكثيفة أراضي إقليم لابي في فنلندا عندما كان الجنود الفنلنديون يقاتلون من أجل بلادهم على مدار أكثر من 4 سنوات متواصلة من الحرب تقريباً.
فجأة وجدت إحدى الدوريات الفنلندية التابعة لمنظمة "دورية التزلج الوطنية" نفسها محاطة بالجنود السوفييت.
بدأ إطلاق النار خلف خطوط العدو وتدافع الرجال في محاولة للوصول إلى ملاذ آمن، وتحوّل الكمين إلى سباق من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث لاذ الجنود الفنلنديون بالفرار على الزلاجات.
ووفقاً لما ذكره موقع "All That's Interesting" الأمريكي فقد قاد أيمو كويفونن المتزلّجين الفنلنديين عبر الثلوج العميقة.
وقد اعتمد رفاق كويفونن عليه في قطع الثلوج بزلاجته لتنعيم مسار التزلج حتى يستطيع باقي الجنود الانزلاق عليه بسلاسة.
سرعان ما استنزف هذا المجهود الشاق قوى كويفونن حتى تذكّر عبوة الأقراص الموجودة في جيبه، أدخل كويفونن يده في جيبه وسحب عبوة المنشطات.
قد تتساءل ما الذي أوصل مخدر الميثامفيتامين لجيب الجندي الفنلندني؟ قد يبدو الأمر غريباً ولكن القادة العسكريين في فنلندا كانوا يُقدّمون للجنود جرعات من أحد أنواع المنشطات يُسمّى "بيرفيتين" لتحسين أدائهم ومنحهم مستويات متزايدة من الطاقة والنشاط والقدرة على التحمّل.
قاوم كويفونن في البداية تناول مثل هذا العقار، لكن رفاقه كانوا في ظروف بائسة للغاية تدفعهم إلى فعل أي شيء.
كان كويفونن، بالصدفة، يحمل إمدادات أقراص الـ "بيرفيتين" المُخصّصة لفريقه بالكامل، وعجز كويفونن عن إخراج قرص واحد ليضعه في فمه في وقت كان يواصل فيه الفرار من السوفييت والتقدّم عبر الثلوج.
كذلك، لم تسمح له القفازات السميكة المُخصّصة لحمايته من ظروف مناخ المنطقة القطبية الشمالية بتناول جرعة واحدة من الـ "بيرفيتين".
وبدلاً من التوقف لتناول الجرعة الموصى بها، أسقط كويفونن في فمه 30 قرص بيرفيتين، وهو عقار مشتق من مخدر "الميثامفيتامين".
بدأ كويفونن فور تناول الجرعة المخدرة الزائدة في التزلج بسرعة أكبر، ولكنه تجاوز الجنود الذين كانوا يرافقونه، وانتهى به الأمر وحيداً مدة أسبوعين في الدائرة القطبية الشمالية، وفقاً لما ذكرته صحيفة Daily Mail البريطانية.
بعد ذلك، أصبحت رؤية كويفونن ضبابية وفقد وعيه، وعندما استرد كويفونن وعيه في اليوم التالي، اكتشف أنَّه قطع مسافة 100 كيلومتر بمفرده تماماً.
رحلة البقاء على قيد الحياة لمسافة 400 كيلومتر
كان أيمو كويفنن قد قطع مسافة 100 كيلومتر عبر المنحدرات الثلجية تحت تأثير مخدر "الميثامفيتامين" المنشط للجهاز العصبي، وظلَّ تحت تأثيره حتى عندما استعاد وعيه.
كانت فرقته قد تخلّفت عن اللحاق به وتركته بمفرده، لكن هذا لم يبشر بالخير بالنسبة لكويفونن، الذي لم يكن لديه ذخيرة أو طعام.
كل ما كان لديه هو الزلاجات والطاقة الهائلة الناتجة عن الجرعة المخدرة الزائدة، لذا، واصل كويفونن التزلج وسرعان ما علم أنَّ السوفييت لم يتخلوا عن مطاردته، حيث واجه القوات السوفييتية عدة مرات خلال الأميال الطويلة التي قطعها.
نجا من انفجار وحريق ودرجة حرارة دون الصفر!
بعد يوم من الحصار الصعب، تمكن إيمو من الهروب من السوفييت قبل التعثر في كابينة مهجورة، دخل إلى الداخل وقرر تدفئة نفسه بإشعال النار.
ولكن في حالته المشوشة، أشعل إيمو النيران في منتصف الأرضية الخشبية، ثم سقط في نوم متقطع حيث احترقت الكابينة من حوله، واستيقظ في كل مرة اقترب فيها اللهب كثيراً فقط ليبتعد قليلاً ويعود للنوم.
بطريقة ما تمكن من الخروج من الكابينة المحترقة قبل أن تنهار فوقه، وقبل أن يتعثر في ملجأ ثان كان معسكراً مهجوراً للجيش النازي، ولكن دون علم إيمو، قام الجنود المغادرون بتفخيخها.
داس في البداية على لغم أرضي تسبب في إصابة معظم قدمه اليمنى، لكنه نجا.
ومع ذلك، أسفر انفجار اللغم الأرضي عن إصابة أيمو كويفونن بالهذيان، حيث استلقى على الأرض يتقلّب في نوبات من الوعي واللاوعي، وكانت درجات الحرارة المتجمدة كفيلة بإنهاء حياته ما لم ينهض سريعاً.
عاد الجندي إلى زلاجته واستمر في السير مدفوعاً باليقظة الذهنية المُعزّزة المُستمدّة من مخدر الميثامفيتامين.
تسبّبت الجرعة المفرطة من المخدرات في فقدان الجندي رغبته في تناول الطعام، وانخفض وزنه إلى 43 كيلوغراماً فقط.
عادت شهية كويفونين ببطء مع مرور الأيام، لكن الشتاء في إقليم لابي لم يدع أمام الجندي سوى خيارات قليلة لتهدئة آلام جوعه، كان يقضم براعم الصنوبر واستطاع في أحد الأيام اصطياد طائر قيق سيبيري وأكله نيئاً.
وفقاً لما ذكره موقع Medium الأمريكي فقد عثرت مجموعة من المواطنين الفنلنديين عليه بعد بضعة أيام داخل الموقع الألماني المهجور وهو نصف عار، ونقلوه إلى المستشفى.
وعلى الرغم من التجربة المؤلمة، نجا إيمو واستمر في تكوين أسرة وعاش حتى سن 71 عاماً، وتوفي في عام 1989.
استخدام منشطات "الأمفيتامينات" في الحرب العالمية الثانية
لم يكن أيمو كويفونن الجندي الوحيد في الحرب العالمية الثانية الذي استخدم العقاقير المنشطة.
إذ اعتمد النظام النازي أيضاً على أشكال متنوعة من المخدرات المنشطة مثل "الميثامفيتامين" لإعطاء جنوده الأفضلية في ساحات القتال.
وزَّع القادة النازيون أقراص "بيرفيتين" على ملايين الجنود في الأيام التي سبقت غزو النازيين لفرنسا.
طوّرت شركة الأدوية الألمانية "Temmler" عقار "بيرفيتين" في عام 1938، زاعمة أنَّ هذه الأقراص تعالج الاكتئاب، والتي هي بالأساس أحد أشكال مخدر "الكريستال-ميث"، واستطاع الألمان، لفترة وجيزة، شراء أقراص الطاقة هذه بدون وصفة طبية.
وقد أعطى هذا المخدر القوات النازية أفضلية في القدرة الجسدية على التحمّل، إذ بات الجنود فجأة قادرين على السير طوال الليل دون الحاجة إلى النوم.
كما أصدر النازيون مرسوماً في ربيع عام 1940 يقضي بإرسال 35 مليون جرعة من الميثامفيتامين إلى الخطوط الأمامية.
فيما استخدمت قوات الحلفاء أيضاً جرعات منشطات الأمفيتامينات وسيلة لتجنّب الشعور بالإرهاق أثناء القتال.
على الرغم من إنتاج ملايين الجرعات وسرعة توزيعها أثناء الحرب، كان أيمو كويفونن هو الجندي الوحيد المُسجّل أنَّه نجا من تناول جرعة زائدة من مخدر "الميثامفيتامين"، ولم ينج كويفونن من هذه الجرعة الزائدة المميتة فحسب، بل من الحرب بأكملها وعاش حتى السبعينيات من عمره.