بعد أيام معدودة من بدء غزو روسيا لدولة أوكرانيا تحركت أوروبا بشكل سريع للغاية في فرض العقوبات على رئيس روسيا فلاديمير بوتين وأي شخص مقرب منه، وبالرغم من أن هناك العشرات من رجال الأعمال الروس مقربون من الرئيس لديهم مشاريع اقتصادية في جميع أنحاء أوروبا والذين يمكن أن تطالهم هذه العقوبات، إلا أن مالك فريق تشيلسي الإنجليزي رومان أبراموفيتش كان من أبرز الشخصيات التي تصدرت أخباره أغلفة الصحف والمواقع الإلكترونية.
وهذا يعود بنسبة كبيرة إلى تحرك السياسيين في بريطانيا بسرعة مدفوعة بالآلة الإعلامية الضخمة في إنجلترا لاستهداف رجل الأعمال الروسي بشكل مباشر، والذي شعر بخطورة هذا التحرك على مستقبل استثماراته في النادي، ما جعله ينقل عمليات الإشراف على شؤون العمليات اليومية للنادي إلى مجلس الأمناء الخيري.
وكانت هذه طريقة غير مباشرة من رجل الأعمال الروسي في فكّ الارتباط بينه وبين النادي الذي اشتراه قبل عقدين من الزمان وحوله إلى نادٍ عملاق حصد الكثير من الألقاب المحلية والأوروبية والعالمية وصلت إلى 20 لقباً بقيادة 12 مدرباً والعشرات من اللاعبين.
ولكن يبدو أن هذا التحرك وحده غير كافٍ لرجل الأعمال أبراموفيتش، خاصة وأن أوروبا كلها وعلى رأسها بريطانيا تقود "هجمة مسعورة" لتقليم أظافر الرئيس الروسي في القارة الأوروبية بعد هجومه على أوكرانيا، من خلال محاصرة رجال الأعمال المقربين منه وتجميد أصولهم المالية واستثماراتهم، في لعبة سياسية اقتصادية شخصية لا يُعرف نهايتها على الأقل في المستقبل القريب.
لماذا قرر رومان أبراموفيتش بيع النادي بهذه السرعة؟
بداية تجدر الإشارة إلى أن قرار مالك تشيلسي بيع النادي يعود بصورة أساسية ورئيسية إلى علاقته الشخصية والوطيدة مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين الذي أصبح مستهدفاً من أوروبا كلها ومعه أصدقاؤه المقربون، وعلى رأسهم رجال الأعمال الذين لديهم استثمارات ضخمة في القارة الأوروبية.
حيث افتتحت حكومة المملكة المتحدة سباق فرض العقوبات من خلال مجموعة متداخلة من العقوبات ضد البنوك الروسية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، ثم التحول إلى الأشخاص بعد دعوة زعيم حزب العمال السير كير ستارمر رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى تجميد أصول رجل الأعمال رومان أبراموفيتش.
ونتيجة لهذا التحرك بدأ رومان أبراموفيتش يشعر بالقلق بشأن التأثير المحتمل للعقوبات الوشيكة ضده، فإذا تم فرض عقوبات شخصية عليه مع إدراج تشيلسي كأصل لا يزال تحت ملكيته فقد تتأثر أي عملية بيع محتملة قادمة بشكل كبير.
وهذا هو سر التحرك السريع من رجل الأعمال في بيع النادي، حيث بيعه في الوقت الراهن سيجلب له فائدة كبيرة وربح وفير، ولكن هل يمكن أن تسير عملية البيع بنفس سرعة تحركه للتخلي على ملكية النادي؟
بعكس الأعوام السابقة، أصبحت عملية موافقة رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز على المشترين المحتملين للأندية في الفترة الأخيرة موضع نقاش حاد وتركيز كبير، وهذا ما رأيناه عند سعي صندوق الاستثمارات السعودي لشراء نادي نيوكاسل الإنجليزي الذي امتد لحوالي 18 شهراً قبل أن يُكلل بالنجاح في شهر أكتوبر من العام الماضي.
نتيجة لذلك تتضمن الخطوة الأولى قبل أن يتمكن أي مشترٍ محتمل من شراء أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الاجتماع مع مجلس إدارة الدوري الإنجليزي وعرض مصدر الأموال لعملية الاستحواذ المقترحة وخطة عمل أولية مع خطة دعم لكيفية تغطية الالتزامات اليومية.
وهو بمثابة اختبار أولي للمالكين المحتملين، ثم يأتي بعدها الاختبار الحاسم للمالكين والمديرين التنفيذيين الذين سيديرون شؤون النادي في حالة نجاح عملية الشراء.
وهذه الخطوة الهدف منها توفير الحماية للاتحاد الإنجليزي والدوري الممتاز ضد أي كيان أو فرد لديه قضايا قانونية أو جنائية أو تأديبية سابقة أو معلقة من شأنها أن تمنعهم من امتلاك نادٍ في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ومن ثم نجد أن عملية البيع قد تستغرق فترة ليس بالقصيرة على الرغم من أن الموعد النهائي لتقديم عروض الشراء سينتهي في يوم 15 من هذا الشهر، وبالتالي من المتوقع أن تستمر عملية تحديد المشتري وفحصه وإغلاق عملية الاستحواذ قرابة الشهر في حالة عدم ظهور تعقيدات مفاجئة أو أخبار مثيرة للقلق بشأن المالك المحتمل من الصحافة الإنجليزية التي لديها باع طويل وخبرة كبيرة في مثل هذه الأمور.
وهذا ما أكده ريتشارد ماسترز، الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز، الذي ذكر في تصريح له أن عملية بيع الأندية تستغرق عادة شهراً، وإن أسرع عملية استحواذ في الدوري على الإطلاق لم تستغرق سوى 10 أيام.
ويضيف أن أي عملية الاستحواذ تتوقف على مدى تعقيد الصفقة وعدد المالكين المحتملين، مع شريطة أن تكون المعلومات سهلة الفهم وتوفر جميع الإجابات الصحيحة، في هذه الحالة يمكن إغلاق صفقة الاستحواذ بسرعة وسهولة.
وأخيراً، بالرجوع إلى الوراء نجد أن عملية استحواذ صندوق الاستثمارات الإماراتي على نادي مانشستر سيتي في عام 2008 والظروف التي يمر بها نادي تشيلسي ومالكه حالياً، فإن هناك أوجه تشابه واسعة بين رغبة شيناواترا في بيع مانشستر سيتي ورومان أبراموفيتش الآن.
حيث يلعب السياق السياسي دوراً حاسماً في كليهما، ومع ذلك كان موقف شيناواترا أكثر وضوحاً من موقف أبراموفيتش الذي يتعرض حالياً لخطر عقوبات محتملة.
حيث تسارعت عملية بيع نادي مانشستر سيتي نسبة لقرب انتهاء فترة اللجوء السياسي للملياردير التايلاندي الذي أراد إنهاء صفقة البيع بسرعة لتفادي خطر تجميد أصوله المالية، بعكس الملياردير الروسي الذي ربما سيكون لديه وقت كافٍ في المفاوضات مع المالك الجديد للحصول على أكبر ربح ممكن من عملية بيع النادي الذي نهض به من تحت أنقاض الرماد وجعله بطلاً أوروبياً ومحلياً يسعى الكثير من رجال الأعمال لشرائه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.