يستعد الرئيس التونسي قيس سعيّد للإعلان عن النسخة الجديدة من مرسوم المجتمع المدني في تونس، الأمر الذي يعتبره معارضوه خطوة أخرى في إطار الاستحواذ على السلطات بعد تعليق نشاط البرلمان، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، وإلغاء أي معارضة مستقبلية.
وينص المرسوم الجديد الذي من المنتظر أن يعلنه سعيّد وحصل "عربي بوست" على نسخة منه، على أنه لا يُمكن للجمعيات تلقي المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا من دول أجنبية لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية.
والجديد في مرسوم المجتمع المدني في تونس هو النَّصّ على أنه "يجب على الجمعيات الحصول على ترخيص من لجنة التحاليل المالية لتلقي أي تمويل أجنبي".
كما ينصّ الفصل 33 من مشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس على صيغة لحلّ الجمعيات، بالإضافة لصيغة إصدار حكم قضائي لحلّ الجمعيات، تُسمى الحلّ الآلي.
ويُعرّفها مشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس الذي سيأتي به قيس سعيّد بأنها تشمل الجمعيات التي "لم يعُد لها وجود فعلي وواقعي، لعدم عقدها جلساتها الدورية، أو ممارستها أنشطتها بما يُحقّق أهدافها خلال 3 دورات نيابية مُتتالية".
ويُسند المرسوم المنتظر اعتماده في تونس صلاحيةَ اتخاذ قرار الحلّ الآلي للجمعيات، إلى السلطة التنفيذية، ممثّلة في الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة.
هذا وقد دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، إلى إعداد مرسوم جديد يمنع تمويل الجمعيات من الخارج، واتهم بعض الجمعيات بالعمل لصالح دول أجنبية.
وقال سعيد يومها: "في الظاهر هم جمعيات، ولكنهم امتداد لقوى خارجية (…)، لن أسمح بدخول هذه الأموال إلى تونس للعبث بالدولة التونسية أو استعمالها في الحملات الانتخابية".
مرسوم المجتمع المدني في تونس
تقول النائبة عن حركة النهضة بالبرلمان، المعلقة اختصاصاته في تونس، جميلة الكسيكسي، إن "قيس سعيد مستمرّ في المضيّ نحو تفكيك كل مؤسسات الدولة الدستورية، بداية من تجميد نشاط واختصاصات البرلمان، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ليتقدم اليوم في أجندته لإلغاء كل الأجسام الوسيطة، والتي لها دور كبير في تونس".
وترى الكسيكسي، التي كانت تشغل مساعدة رئيس البرلمان المكلفة بالمجتمع المدني، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "تنقيح مرسوم المجتمع المدني في تونس، خاصة في جزئه المتعلق بالتمويل، لا يتجاوز كونه قراراً بتجفيف منابع المجتمع المدني وتحجيم دوره أو حتى إنهائه، خاصة في ظل غياب أي تمويل عمومي من طرف الدولة للجمعيات والمنظمات المحلية الناشطة في تونس".
وأشارت المتحدثة التي كانت عضواً في حركة النهضة إلى أن "اشتراط موافقة لجنة التحاليل المالية للحصول على تمويل أجنبي يعني تدخل السلطة التنفيذية في برامج الجمعية وأنشطتها، لتصبح سلطة القرار في أي جمعية أو منظمة ممثلة في لجنة التحاليل المالية".
كما اعتبرت الكسيكسي أن "الأخطر من منع تمويل الجمعيات من الخارج، إلا بعد موافقة لجنة التحاليل المالية، هو إتاحة حل الجمعيات من طرف الإدارة دون اللجوء إلى القضاء، عبر التنصيص في مشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس على إمكانية الحلّ الآلي" الذي وصفته الكسيكسي بـ"اللغم الذي سيُفجّره قيس سعيد في وجه كل جمعية، أو منظمة تعارض رؤيته أو خطواته".
ووفق النائبة بالبرلمان، الذي جمّد الرئيس التونسي نشاطه واختصاصاته، ففي حال نفّذ سعيد تهديده بمنع التمويل الأجنبي على الجمعيات وتم تفعيل مرسوم المجتمع المدني في تونس، فلن تكون هناك أي سلطة مضادة للسلطة القائمة، نظراً للدور المؤثر والمُحدّد للمجتمع المدني في تونس.
ووفق تعبير الكسيكسي، التي خلصت إلى أن ما توجه إليه سعيد، للتعاطي الجديد مع الجمعيات والمجتمع المدني، يقوّي القناعة بتوجهه لإنهاء الديمقراطية في تونس، خاصة أن الدستور التونسي ينصّ على أن نظام تونس نظام ديمقراطي تشاركي، والمقصود بالتشاركي هو القوى الحية من مجتمع مدني وإعلام وغيرها من الأجسام الوسيطة التي يريد الرئيس اجتثاثها، سواء الأحزاب أو الجمعيات أو الإعلام.
هذا وقد أحدثت اللجنة التونسية للتحاليل المالية، بالقانون عدد 75 لسنة 2003، المؤرخ في 10 ديسمبر/كانون الأول 2003، المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي أسند لها صلاحيّات ومهام.
بالإضافة إلى ذلك لهذه اللجنة صلاحيات تتجلى في تلقي التصاريح حول العمليات والمعاملات المسترابة أو غير الاعتيادية، وتحليلها، والإعلام بما لها، وذلك مع إمكانية الإذن مؤقتاً للمصرح بتجميد الأموال موضوع التصريح، ووضعها بحساب انتظار، وفق ما ورد في الموقع الرسمي لوزارة العدل التونسية.
بين رفض ودعم.. هل يفوز الرئيس؟
في نفس سياق الرفض القاطع لمشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس الذي يريده قيس سعيد في التعاطي مع الجمعيات والمجتمع المدني، دعت مجموعة من الجمعيات النسوية والمدافعة عن حقوق النساء في تونس إلى تشكيل جبهة للتصدي له.
واعتبرت المجموعة في بيان وصل "عربي بوست" نسخة منه أن "مشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس هو محاولة من السلطة التنفيذية لقمع العمل الجمعوي أو التضييق عليه"، مؤكدة "رفضها القاطع لمشروع مرسوم المجتمع المدني في تونس باعتباره مشروعاً سالباً للحرية".
كما اعتبرت تلك الجمعيات النسوية أن المجتمع المدني كقطاع يوفر نحو 20% من فرص العمل، ويساعد على حماية الأسر من الهشاشة الاجتماعية، بعد أن تخلت عنهم الدولة، وعلى رأسهم النساء ضحايا العنف والتمييز، لتخلص الجمعيات من خلال بيانها إلى أن "تكبيل الأجسام الوسيطة عبر المراسيم يهيئ الأرضية لسيطرة سعيّد على كل الاختصاصات".
هذا ويبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس بصفة قانونية قرابة 25 ألف جمعية ومنظمة تخضع لمرسوم الجمعيات.
في مقابل النائب عن حركة النهضة والجمعيات النسوية، يعتبر بدر الدين القمودي، النائب القيادي في حزب حركة الشعب في حديث مع "عربي بوست"، أن "الرقابة المشدّدة على التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات والمنظمات مطلب عاجل في ظل تداخل الجمعياتي والسياسي في تونس، وما شهدته البلاد من تحوّل جمعيات إلى أحزاب وترشّحها في الانتخابات التشريعية وحصولها على مقاعد في البرلمان".
إلا أن الرقابة المشددة على تمويل الجمعيات من الخارج، في تقدير النائب عن حركة الشعب المساندة لقرارات الرئيس التونسي، لا تعني التحكم في برامجها وإخضاعها للرقابة القبلية، حيث أكد أن حركة الشعب وإن كانت تساند بشدة تنقيح مرسوم المجتمع المدني في تونس، إلا أنها ستكون في صفّ المعارضين لأي محاولة لضرب المجتمع المدني في تونس.
يُذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيد أعلن، في 25 يوليو/تموز 2021، تجميد نشاط البرلمان وتعليق اختصاصاته، وأحال الصلاحيات التشريعية للبرلمان، وغيرها من صلاحيات تزكية الحكومة لشخصه، كما قرر في 6 فبراير/شباط 2022 حلّ المجلس الأعلى للقضاء.