تفاجأ العالم بزيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لروسيا، في خضم الأزمة مع أوكرانيا، ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل كانت المفاجأة الأكبر تكمن في بدء روسيا اجتياحها لأوكرانيا بعد وصول عمران خان بسويعات قليلة.
توقع البعض أن يقطع رئيس الوزراء الباكستاني زيارته وأن يعود أدراجه، ولكن ما حصل هو العكس تماما؛ إذ أكمل عمران خان زيارته والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل ونشر الإعلام الباكستاني ونظيره الروسي صورة لعمران خان وهو يجلس قريباً من بوتين على خلاف صوره مع الزعماء الآخرين الذين استقبلهم بوتين في روسيا.
وهي الصورة التي أثارت ضجة؛ إذ ظنها البعض رسالة من روسيا وباكستان إلى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة بأن باكستان أصبحت جزءاً من المحور الصيني الروسي.
ولكن وقبل أن يزور عمران خان روسيا أجرى لقاء مع قناة روسيا اليوم؛ حيث صرح بأن باكستان لن تكون جزء من أي تكتل، وأن باكستان تعلمت من أخطاء الماضي.
ولكن تصريحات عمران خان بعد عودته من روسيا غيرت كل شيء، فبالأمس ألقى رئيس الوزراء الباكستاني خطاباً متلفزاً، وفيه أطلق تصريحات نارية، كان أهمها أن باكستان أخطأت في تعاونها مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، وأنه لم يكن هناك أي باكستاني ضمن منفذي هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، مضيفاً أن باكستان دفعت ثمن هذا التعاون غالياً من دماء أبنائها، إذ لقي 80 ألف باكستاني حتفهم، وأن باكستان خسرت 150 مليار دولار بسبب هذا التعاون.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يقول فيها عمران خان كلاماً كهذا، إذ صرح سابقاً برفض باكستان المطلق والقاطع منح الولايات المتحدة الأمريكية أي قواعد جوية أو عسكرية فوق الأراضي الباكستانية.
بعد هذا أعلن رئيس الوزراء أن باكستان ستستورد الغاز الطبيعي والقمح من روسيا، بل وأعلن عن تخفيض قدره 10 روبيات في سعر البترول -رغم ارتفاع السعر العالمي- و5 روبيات في سعر الوحدة للكهرباء، وأن سعر البترول لن يرتفع حتى موعد الميزانية القادمة (في شهر يونيو/حزيران).
هنا يكاد الأمر يصبح واضحاً للعيان، بأن باكستان انحازت فعلاً للمعسكر الصيني الروسي، خاصة لو تأملنا وضع باكستان الاقتصادي من ناحية، والأوضاع الإقليمية من ناحية أخرى، وخاصة موقف عدوها الأزلي الهند.
تطالب باكستان منذ أشهر صندوق النقد الدولي من أجل إقراضها، واشترط الصندوق على باكستان رفع أسعار الفائدة، وإضافة مزيد من الضرائب على السلع وزيادة الضرائب على الغاز والكهرباء والبترول، وفعلت هذا باكستان، في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، في الميزانية الإضافية المصغرة، حيث تم وضع ضريبة بقيمة 17% على أكثر من 150 منتجاً أساسياً لم يكن خاضعاً للضريبة من قبل، ولكن لم يكن هذا كافياً للصندوق؛ إذ طالبت باكستان بإضافة مزيد من الضرائب على مزيد من السلع، ورفع سعر الكهرباء والغاز، وهو ما كان متوقعاً من باكستان أن تفعله.
ولكن زيارة عمران خان لروسيا يظهر أنها غيرت كثيراً مما كان مخططاً له، إذ أظهرت هذه القرارات أن باكستان تعارض طلبات صندوق النقد الدولي، وأنها ربما وجدت البديل.
ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها باكستان للضغط الاقتصادي؛ فأثناء مسارعة الدول الخليجية للتطبيع مع الكيان الصهيوني تم الضغط على باكستان اقتصادياً، وقُطعت الإمدادات النفطية عنها، بل وطالبت دولتان خليجيتان باكستان بدفع ما عليها من قروض، وفوراً، وهو ما قامت به باكستان عبر حليفها الاستراتيجي الصين، التي قامت بسداد المبلغ بصفته هدية من حكومة الصين الشعبية إلى الشعب الباكستاني.
السؤال الأهم الآن: لماذا انضمت باكستان إلى المعسكر الصيني الروسي؟
لو عدنا بالتاريخ لوجدنا أن العلاقات الروسية الباكستانية لم تكن أبداً بهذه القوة؛ إذ تعتبر باكستان سبباً من أسباب هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، بل وسبباً كذلك في تفكك الاتحاد السوفييتي، ومن حينها ارتفعت وتيرة العلاقات الهندية الروسية مقابل فتور في العلاقات الباكستانية الروسية، بل وأمدت روسيا الهند بأسلحة روسية، على رأسها مقاتلات السوخوي 30 الروسية، ومؤخراً النظام الدفاعي الصاروخي إس- 400.
تمتلك الهند حلفاء استراتيجيين على رأسهم الولايات المتحدة، إضافة إلى الكيان الغاصب، وكذلك دولة الإمارات، في حين لا تمتلك باكستان حليفاً يُعتمد عليه إلا الصين، حيث رأت باكستان نتيجة اعتمادها على الولايات المتحدة في حرب 1971، حين خسرت، وتم تقسيمها إلى بنغلاديش وباكستان، إذ وعدت الولايات المتحدة باكستان بإرسال أسطول بحري لمساعدتها في حربها مع الهند، وهو الأسطول الذي لم تره باكستان مطلقاً، بل وأصبح مضرب مثل لمن يعد ولا يفي بوعده.
لأجل هذا تبحث باكستان عن حلفاء لها في هذه المنطقة، خاصة أن الصراع مع الهند هو أمر لا مفر منه، صراع سيفرض على باكستان عاجلاً أو آجلاً، خصوصاً مع تحول الهند لدولة دينية هندوسية، وانتشار فكر الهندوتفا و(الآخند بهارت)، أو الهند العظمى، في أوساط الحزب الهندي الحاكم "بهاراتيا جاناتا"، أو المنظمات المتطرفة مثل "راشتريا سوايام سافاك سينغ"، وتلعب الانتخابات القادمة والمرحلية في تاريخ الهند والحزب الحاكم الحالي دوراً كبيراً في تأجيج هذا الصراع.
لأجل ما سبق يمكن لنا أن نقول إن باكستان ذهبت إلى روسيا لضمان حيادها على الأقل في الصراع القادم، إضافة إلى أن باكستان ستتمتع حينها بصوتين يملكان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وهو ما سيمنح باكستان أريحية في التعامل مع الهند إن توجهت الأمور نحو الحرب، إضافة إلى قضية كشمير العالقة.
وأمر آخر لا يقل أهمية، وهو النفط الروسي، إذ إن باكستان تعمل منذ فترة على الاستعاضة عن النفط الخليجي، وذلك حتى تتفادى ما حصل معها سابقاً، إذ لجأت باكستان حينها إلى أذربيجان، وشاركت في القتال ضد أرمينيا، وإن لم يكن هذا بطريقة مباشرة، وكانت مشاركتها مرهونة بحصولها على النفط من أذربيجان وهو ما حصل.
وتعمل باكستان منذ 2014 على مشروع خط أنابيب الغاز من روسيا عبر أفغانستان إلى باكستان، وهو ما اعتبرته باكستان السبب الرئيسى في زيارة عمران خان لروسيا.
حتى اللحظة لم تعلن باكستان رسمياً انضمامها للتكتل الصيني الروسي، بل وتصر أنها تبحث عن مصالحها، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، ولكن ومع وضع المعطيات السابقة في الحسبان يتضح جلياً أن باكستان انحازت لمعسكر ترى أنه سيساعدها في تحقيق أهدافها على المدى القريب والبعيد، خاصة بعد أن حمّلت الولايات المتحدة باكستان هزيمتها في أفغانستان، وانحيازها الدائم للهند في كل ما يتعلق بقضايا المنطقة.
ولكن حتى لو انضمت باكستان للمعسكر الصيني الروسي ستظل الرقم الأصعب في معادلة منطقة جنوب آسيا، بل وهي المفتاح الأساسي لآسيا الوسطى، والضامن الوحيد لأمن المنطقة.
ما تبغيه باكستان كان واضحاً على لسان رئيس الوزراء عمران خان، حين قال: نرغب في علاقة ودية مع الولايات المتحدة، ولكن لن نكون عبيداً لها أو نخوض حروبها بالنيابة عنها.
ستخبرنا الأسابيع القادمة عن حقيقة انضمام باكستان للمعسكر الصيني الروسي، أو أن باكستان تتخذ بالفعل من الحياد طريقاً لها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.