لفهم دوافع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ يوم 24 مايو/أيار 2022، يجب تحليل الخطاب الطويل والساخن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبلها بأيام وتحديداً يوم الإثنين 21 فبراير/شباط.
ففي هذا الخطاب، نسج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رواية تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من هدفه المعلن المتمثل في الاعتراف باستقلال منطقتين أوكرانيتين تحت سيطرة الانفصاليين المدعومين من موسكو.
كان خطاب بوتين مليئاً بالقومية الروسية المتشددة، وبجنون العظمة الغاضب تجاه الغرب، وادِّعاءات لا أساس لها عن عدوانٍ أوكراني، وشعور بالفخر الإمبراطوري الضائع، والأهم من ذلك كله، استدعاءات التاريخ، والكثير منه مُشوَّه أو مُلفَّق، حسب وصف تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
تقول الصحيفة الأمريكية إنه في حين أن تعليقاته ربما بدت مشوشة للآذان الغربية، ربما كان بوتين في الواقع قد أوضح ما يرقى إلى سلسلة محسوبة من التبريرات المُوجَّهة للجمهور الروسي، الذي سيحتاج إلى دعمه للحفاظ عليه. ما يلي هو شرح موجز لعدة فقرات رئيسية تنقل حجج بوتين العلنية والضمنية للهجوم الروسي.
هاجم لينين والشيوعية لظلمها المزعوم لروسيا
قال بوتين: "منذ زمن بعيد، أطلق الناس الذين يعيشون في جنوب غرب ما كان تاريخياً أرضاً روسية على أنفسهم اسم الروس والمسيحيين الأرثوذكس".
وأضاف: "لذا، سأبدأ بحقيقة أن أوكرانيا الحديثة أُنشِئَت بالكامل من قِبَلِ روسيا، أو على وجه الدقة من قِبَلِ روسيا البلشفية الشيوعية. بدأت هذه العملية عملياً بعد ثورة 1917، وقد فعلها لينين ورفاقه بطريقة كانت قاسية للغاية على روسيا- من خلال فصل وقطع ما يُعد تاريخياً أرضاً روسية".
يكرِّر بوتين هنا حجته الطويلة القائلة بأن حدود أوكرانيا مُصطنعةٌ وقد أقامها المُخطِّطون السوفييت الذين ضموا ظلماً أرضاً روسية شرعية داخل جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية.
في الواقع، عكست الحدود السوفييتية الداخلية الانقسامات الثقافية والسياسية التي تعود إلى قرون، بالإضافة إلى ما وجده القائمون على الإحصاء في موسكو أنهم يمثلون أغلبية عرقية أوكرانية في جميع أنحاء تلك المنطقة، بما في ذلك ما يُعرَف الآن بشرق أوكرانيا.
تتضمَّن تعليقات بوتين، التي تستند إلى تبريره لضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، تفويضاً لتأكيد السيادة الروسية على جزء أو كل شرق أوكرانيا، حتى لو كان في الوقت الحالي يعترف فقط باستقلال الانفصاليين المدعومين من موسكو الذين يتحكَّمون في أجزاءٍ منها.
دوافع الغزو الروسي لأوكرانيا
أضاف بوتين: "اليوم قلب النصب التذكارية للينين في أوكرانيا. يسمون ذلك "نزع الشيوعية". هل تريد إلغاء الشيوعية؟ هذا يناسبنا تماماً. لكن لماذا التوقُّف في منتصف الطريق؟ نحن على استعدادٍ لإظهار ما يمكن أن يعنيه نزع الشيوعية بالنسبة لأوكرانيا".
يطرح بوتين بوضوح أنه كان على الأوكرانيين شكر فلاديمير لينين، الزعيم السوفييتي المؤسِّس الذي يلومه بوتين على حدود أوكرانيا، بدلاً من قلب تماثيل الحقبة السوفييتية خلال احتجاجات عام 2014 ضد حكومة كييف الموالية لموسكو.
العلاقة التاريخية المركبة بين روسيا وأوكرانيا
بينما تتطلع نسبة كبيرة من الأوكرانيين (على الأرجح أغلبيتهم) ليكونوا جزءاً من أوروبا أو بالتحديد الاتحاد الأوروبي، ورغم نظرتهم السلبية لتاريخ ارتباطهم مع روسيا، فإن الواقع أن البلدين تربطهما روابط ثقافية واقتصادية وسياسية عميقة.
إذ تعتبر أوكرانيا من نواحٍ كثيرة مركزية لهوية روسيا ورؤيتها لنفسها في العالم، فنشأة الهوية والأمة الروسية الأولى كانت في أوكرانيا وعاصمتها كييف واسم روسيا جاء في الأغلب من اسم دولة "روس كييف" التي تمثل أول دولة سلافية شمالية والتي يعتبرها الروس السلف الأول لدولتهم التي نشأت حول موسكو بعد ذلك.
ومن المعروف أن الأوكرانيين والروس والبيلاروس يشتركون في أنهم ينتمون للعرق السلافي، الذي يتضمن أغلب شعوب أوروبا الشرقية (البولنديين، والتشيك والسلوفاك، والصرب، والكروات، والسلوفينيين، والبلغار).
ولكن الأوكرانيين والروس والبيلاروس تحديداً يشكلون فرعاً محدداً من العرق السلافي يطلق عليه "السلافيون الشماليون"، وتحول هذا العرق إلى شكل الدولة لأول مرة في أوكرانيا وليس روسيا، قبل أن ينتقل المركز الحضاري للسلاف الشماليين لموسكو بسبب الغزوات المغولية.
ويشار إلى كييف، عاصمة أوكرانيا، أحياناً على أنها "أم المدن الروسية"، على قدم المساواة من حيث التأثير الثقافي مع موسكو وسانت بطرسبرغ.
وفي كييف في القرنين الثامن والتاسع تم جلب المسيحية من بيزنطة إلى الشعوب السلافية الشمالية.
وكانت المسيحية بمثابة المرساة لدولة روس كييف، الدولة السلافية المبكرة التي استمد منها الروس والأوكرانيون والبيلاروسيون نسبهم.
وبينها تعرضت أوكرانيا لتأثيرات تترية وبولندية كبيرة (جراء خضوعها لحكم البولنديين والتتار لقرون)، فإن روسيا القيصرية طردت الدولتين، ثم قضت عليهما، وسيطرت على أوكرانيا وحاولت سواء في العصر القيصري أو السوفييتي فرض التأثير الروسي على البلاد.
ومعظم أراضي أوكرانيا الحالية كانت خاضعة لقرون لحكم الكومنولث البولندي الليتواني خاصة الغرب والشمال، بينما كان الجنوب والشرق خاضعين لخانات التتر المسلمين وآخرها خانية تتار القرم التابعة للدولة العثمانية، وكانت المناطق الجنوبية تحديداً قليلة السكان حيث كانت بمثابة مراعٍ لقبائل التتار أو عرضهم لغاراتهم الباحثة عن العبيد، وبعد استيلاء روسيا عليها بدأت عملية توطين للفرسان القوزاق الأوكرانيين والأقنان الأوكرانيين وبصورة أقل الأقنان الروس (عبيد الأرض) بينما ملكت الأراضي للنبلاء الروس.
ولكن روسيا وطَّنت أيضاً أعداداً كبيرة من الروس في العديد من المناطق الشرقية والجنوبية الأوكرانية لا سيما في المدن، وازدادت كثافة الوجود الروسي جراء تأثر الأوكرانيين أكثر من الروس من المجاعات التي حدثت في العهد السوفييتي.
النتيجة أن ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقاً لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من السكان، وزعمت موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا.
ولكن اللغة الروسية أكثر انتشاراً في أوكرانيا من الروس، إذ يعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية، كلغة أولى، كما كانت اللغة الروسية هي اللغة المهيمنة فعلياً خلال العهد السوفييتي رغم أن الأوكرانية اللغة الرسمية.
وتصل نسبة المتكلمين باللغة الروسية 2001 إلى نحو 74.9% و68.8% في إقليمين من أقاليم شرق البلاد المتاخمة لروسيا، وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل الشمال، فيما تسود الأوكرانية في وسط وغربي البلاد.
وبعد الانهيار السوفييتي، اعتبر العديد من السياسيين الروس أن الطلاق مع أوكرانيا خطأ في التاريخ وتهديد لمكانة روسيا كقوة عظمى. فقد اعتبر الكثيرون أن خسارة السيطرة الدائمة على أوكرانيا، والسماح لها بالسقوط في الفلك الغربي، بمثابة ضربة كبيرة لمكانة روسيا الدولية.
في المقابل كان هناك انقسام في أوكرانيا بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، حيث كانت المناطق الشرقية والجنوبية ذات الغالبية الناطقة بالروسية تنتخب أحزاباً موالية لموسكو وتريد الحفاظ على اللغة الروسية، بينما المناطق الغربية الناطقة بالأوكرانية، والتي خضعت لموسكو خلال القرن العشرين فقط (كانت خاضعة لبولندا والإمبراطورية النمساوية المجرية لقرون)، بمثابة معاقل المناطق المعادية لروسيا، والمؤيدة للأحزاب الموالية للغرب، أما المناطق الوسطى، وهي مناطق فيها تأثير قوي للغة الروسية، ولكن بها وجود قوي للغة الأوكرانية، فكانت بمثابة منطقة وسط في هذا الاستقطاب، ولكن بدءاً منذ عام 2004، بدأت تميل للأحزاب الموالية للغرب.
وفي عام 2014، رفض الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش الذي انتخبته المناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية إقرار اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى مظاهرات الميدان الأوروبي وعزله وهربه، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في المناطق الناطقة بالروسية، تحولت إلى أزمة استغلتها روسيا لضم القرم، وتشجيع انفصال إقليم دونباس.
أيديولوجية روسيا الجديدة
تشهد روسيا صعوداً لمفهوم العالم الروسي، التي روجت لها مؤسسات الفكر والرأي الروسية، وهي مفهوم ثقافي وديني وأحياناً سياسي "يعيد ربط الشتات الروسي بوطنه"، وطن يمثل "أكثر بكثير من أراضي الاتحاد الروسي والـ143 مليون شخص الذين يعيشون داخل حدوده".
وفقاً لنشطاء دونباس السياسيين وصناع السياسة الروس، وجد هذا التفكير طريقه إلى الكرملين، في ربيع عام 2014، كما ظهر عندما أشار فلاديمير بوتين إلى مناطق دونباس باعتبارها جزءاً من روسيا تاريخياً.
إذ قال بوتين آنذاك: "سوف أذكّركم: هذه نوفوروسيا (أي روسيا الجديدة)"، وأشار تحديداً إلى خاركوف (ثاني أكبر مدن أوكرانيا وهي خاضعة لسيطرة كييف)، ومناطق أخرى غير الدونباس مثل أوديسا، واعتبر أن هذه المناطق لم تكن جزءاً من أوكرانيا خلال الحقبة القيصرية، بل منحت الحكومة السوفييتية هذه المناطق لأوكرانيا في عشرينيات القرن الماضي.
وروسيا الجديدة (نوفوروسيا) مسمى كان يطلق في عهد القياصرة على مناطق في شرق وجنوب أوكرانيا يراها القوميون الروس في روسيا وأوكرانيا مناطق روسية منحها الاتحاد السوفييتي لأوكرانيا، وهي أغلبها مناطق عاشت فيها القبائل التركية القديمة مثل البلغار والخزر ثم خضعت للمغول؛ حيث تواجد بها التتار المسلمون وخضعت لدرجات متفاوتة لسيطرتهم.
تشكل شبه الجزيرة القرم بالإضافة إلى أهميتها الاستراتيجية، فإن وضعها التاريخي يبدو إشكالياً، فلقد سيطرت الإمبراطورية الروسية على القرم وضمتها إبان حكم الإمبراطورة كاثرين في عام 1783، وظلت جزءاً من جمهورية روسيا السوفييتية إلى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف بإهدائها إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية آنذاك "من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".
تجدر الإشارة إلى أنه من الواضح أن الطموح الروسي في 2014، يبدو أنه كان يتخطى المناطق الانفصالية الحالية التي هي جزء من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين، ليشمل معظم المناطق ذات الأعداد الكبيرة من الناطقين بالروسية في أوكرانيا، بما فيها خاركيف وأوديسا.
لكن الحركة الانفصالية لم تحقق نتيجة قوية كما توقع صقور موسكو، حيث كان بعض السكان قلقين بالفعل بشأن الحكومة الجديدة في كييف التي عزلت يانكوفيتش، لكن دعم الأغلبية للانضمام إلى روسيا ببساطة لم يكن موجوداً.
هاجم انفصال الجمهوريات السوفييتية عن موسكو
وقال بوتين في الخطاب الذي ألقاه في 21 فبراير/شباط 2022: "فيروس الطموحات القومية لا يزال معنا، واللغم الذي وُضِعَ في مرحلته الأولى لتدمير مناعة الدولة ضد مرض القومية كان يدق الخطر. كما سبق أن قلت، هذا اللغم كان حق الانفصال عن الاتحاد السوفيستي".
في الوقت نفسه، يقدم بوتين نفسه على أنه نصير للقومية الروسية، من خلال مطالبات أراضي الدم والأرض، وكمحاربٍ لـ"مرض القومية"، في هجوم منه على كفاح أوكرانيا الطويل من أجل الاستقلال الوطني.
هذا التناقض متجذر في هوسه بتفكك الاتحاد السوفيستي، والذي خصَّص له جزءاً طويلاً من خطابه.
وأضاف أيضاً: "الآن بدأ الراديكاليون والقوميون، بمن فيهم أولئك الموجودون في أوكرانيا في المقام الأول، ينسبون الفضل إلى أنفسهم بحصولهم على الاستقلال. كما نرى، هذا خطأ بيِّن. جاء تفكيك بلدنا الموحَّد بسبب الأخطاء التاريخية والاستراتيجية التي ارتكبها قادة البلاشفة والحزب الشيوعي السوفييتي، وهي أخطاءٌ ارتُكِبَت في أوقاتٍ مختلفة من بناء الدولة والسياسات الاقتصادية والعرقية".
يجادل بوتين بأن أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات السوفييتية السابقة جرى التلاعب بها لإعلان الاستقلال عن موسكو من قِبَلِ انتهازيين من أجل مصالحهم الخاصة.
في الواقع، صوَّتَت الغالبية العظمى من الأوكرانيين- بما في ذلك المناطق الشرقية التي يطرح بوتين أنها انتُزِعَت من روسيا ضد إرادة سكَّانها- على إنشاء دولةٍ مستقلة.
تصور هذه التعليقات الدولة الأوكرانية على أنها خليقةٌ غير شرعية، أو سرقةٌ من روسيا وأن الأوكرانيين يجب أن يظلوا تحت حكم موسكو.
وصف حكومة أوكرانيا بالنازية وطالب بتوحيد الشعبين
وقال بوتين: "بدأت السلطات الأوكرانية ببناء دولتها على إنكار كل ما يوحدنا، في محاولة لتشويه العقلية والذاكرة التاريخية لملايين الناس، من أجيال بأكملها تعيش في أوكرانيا. ليس من المستغرب أن يشهد المجتمع الأوكراني صعود القومية اليمينية المتطرفة، والتي تطورت بسرعة إلى نازيةٍ جديدة ورهابٍ عدواني ضد روسيا".
هذه هي بداية حجة بوتين الصريحة للهجوم من أجل الاستيلاء على أجزاء من شرق أوكرانيا وقضيته الضمنية للهجوم ضد أوكرانيا بأكملها.
يقول إن الدولة الأوكرانية الحديثة نفسها هي نوعٌ من الهجوم على روسيا لأنها تقسم الشعبين الأوكراني والروسي، اللذين يجب أن يتحدا، ولأنها تزرع التطرف المناهض لروسيا لتبرير هذا الانقسام.
ويضيف: "بشكل أساسي، فإن ما يسمى بالخيار الحضاري المؤيِّد للغرب الذي اتخذته السلطات الأوكرانية الأوليغارشية لم يكن يهدف، ولا يهدف، إلى خلق ظروف أفضل لصالح رفاهية الناس، بل إلى الحفاظ على مليارات الدولارات التي سرقها الأوليغارشيون من الأوكرانيين، ويحتفظون بها في حساباتهم الغربية".
هنا يوسِّع بوتين مراجعته التاريخية إلى لائحة اتهام لأوكرانيا الحديثة. ويقول إن حكومتها ليست حكومةً حقيقية ولكنها عشيرة من اللصوص- وبالتالي لا تتمتَّع بأي من حقوق دولة ذات سيادة- فضلاً عن كونها تهديداً جوهرياً للأمن الروسي.
من خلال صياغة قضيته في عدم شرعية الدولة الأوكرانية نفسها، يقترح بوتين أنه لا يوجد تغييرٌ في السياسة أو تنازلٌ دبلوماسي يمكن أن يخفِّف من هذا التهديد. إنه، بمعنى ما، إعلان بأنه لا جدوى من التفاوض، وأن موسكو ليس لديها خيارٌ سوى إجبار قادة كييف بالقوة، أو إبعادهم تماماً.
غاضب من محاولة اجتثاث اللغة الروسية من أوكرانيا
قال بوتين: "إن سياسة اجتثاث اللغة والثقافة الروسية مستمرة. أنتج البرلمان الأوكراني تدفقاً ثابتاً لمشاريع القوانين التمييزية، ودخل القانون المتعلق بما يسمى بالسكان الأصليين حيز التنفيذ. يحصل الأشخاص الذين يُعرَّفون بأنهم روس ويريدون الحفاظ على هويتهم ولغتهم وثقافتهم على إشارةٍ بأنهم غير مرغوب فيهم في أوكرانيا"، (وهو قانون يشير إلى حقوق الأقليات العرقية في البلاد، والمسلمين التتار وبعض الجماعات التركية اليهودية وحقوقها دون الإشارة للأقلية الروسية)،
ومنذ عام 2004، تحركت أوكرانيا ببطء في كثيرٍ من الأحيان، للارتقاء بمكانة اللغة الأوكرانية وتعزيزها.
واعتبر المسؤولون الروس ووسائل الإعلام الحكومية الروسية ذلك أنه جزء من حملة شائنة لتهميش أو حتى إبادة السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا.
وقال بوتين: "إنهم يفضلون عدم الاعتراف بذلك، فلا توجد إبادة جماعية ضد 14 مليون شخص".
تعمل مثل هذه الادِّعاءات، التي تعتبرها وسائل الإعلام الغربية وهمية إلى حدٍّ كبير، على تبرير التدخُّلات العسكرية الروسية باعتبارها تحمي السكان الذين يحقُّ لموسكو الدفاع عنها ومن واجبها ذلك في الوقت نفسه.
وتؤكِّد هذه الادِّعاءات ضمنياً على حقِّ روسيا في السيطرة على ما سماه بوتين "العالم الروسي"- وهي منطقةٌ تضمُّ أعداداً كبيرة من المتحدثين بالروسية أو من أصل روسي.
في عام 2014، أثارت اتهامات مماثلة، مدعومة بقصص (وصفها تقرير New York Times بالمروعة والكاذبة) عن الفظائع ضد الروس في أوكرانيا، مشاعر معادية لأوكرانيا على نطاق واسع في روسيا.
لكن استطلاعاً حديثاً وجد أن المواقف الروسية تجاه أوكرانيا تراجعت منذ ذلك الحين إلى 45% مؤيدة و43% سلبية. تشير استطلاعات الرأي الأخرى إلى أن معظم الروس لا يريدون حرباً علنية، وهذا قد يكون السبب وراء سعي بوتين لتجديد الغضب العام.
يحاول إقناع شعبه بأنها حربٌ دفاعية
قال بوتين: "لا يمكن لسلطات كييف أن تتحدى الخيار المعلن بوضوح للناس، ولهذا السبب اختاروا اتخاذ إجراءات عدوانية، وتفعيل الخلايا المتطرفة، بما في ذلك المنظمات الإسلامية الراديكالية، وإرسال المتمردين لشن هجمات إرهابية على مرافق البنية التحتية الحيوية، ولاختطاف المواطنين الروس. لدينا دليلٌ واقعي على أن مثل هذه الإجراءات العدوانية تُتَّخذ بدعمٍ من أجهزة الأمن الغربية".
وأضاف: "في الواقع، هذا ليس سوى استعدادٍ للأعمال العدائية ضد بلدنا، روسيا".
هذه الاتهامات بشأن المؤامرات الأوكرانية والغربية لمهاجمة روسيا مُوجَّهةٌ على الأرجح للجمهور الروسي، لتصوير المزيد من الهجوم على أوكرانيا على أنه ضروريٌّ للدفاع عن العائلات الروسية- بدلاً من السعي وراء طموحاتٍ إقليمية قد يكون الترويج لها أصعب.
لكن هذه الادِّعاءات قد لا تكون استراتيجيةً بالكامل. بعد سنوات عديدة في المنصب، شدَّدَ بوتين دائرته المقربة على كادرٍ صغير من الرجال المؤيدين والمتشددين في جهاز الأمن، الذين يُعتقد أنهم يخبرونه بما يريد أن يسمعه فقط.
من المُحتَمَل أن بوتين يؤمن بصدق بجزء من التهديدات الخارجية التي يدَّعيها، خاصة تلك المتعلقة بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
عقوباتٌ لا مفر منها
قال بوتين: "مرة أخرى هددونا بفرض عقوبات. سوف يستمرون في فرض هذه العقوبات كلما أصبحت بلادنا أقوى وأقوى. سيجدون دائماً ذريعةً لفرض المزيد من العقوبات بغض النظر عن الوضع في أوكرانيا. الهدف الوحيد لديهم هو احتواء التطور في روسيا".
يخبر بوتين الروس أنه لا جدوى من تقييد السياسة الخارجية الروسية لتجنُّب العقوبات التي ستحدث مهما كانت- وأنه إذا عانى الروس من مزيدٍ من العزلة الاقتصادية، فإن بوتين وسياساته لن يُلقَى عليهم لوم.
تقول صحيفة New York Times "قد يكون هذا أحد الأسطر القليلة في الخطاب الموجه إلى العواصم الغربية وكذلك إلى جمهوره في الداخل"، ويعرف القادة الأوروبيون أن العقوبات الاقتصادية الشديدة ستلحق الضرر باقتصاداتهم كما تضر اقتصاد روسيا. ربما يأمل بوتين في إقناعهم بأن مثل هذه التضحية لن تكون مجدية.