الهجوم العنيف الذي شنَّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على زعماء أوروبا والغرب يطرح تساؤلات بشأن ما كان يتوقعه الرجل منهم، وماذا عن الدعم الذي قيل إنهم أرسلوه إلى كييف؟
كان زيلينسكي قد شن، في ساعة مبكرة من الجمعة 25 فبراير/شباط، هجوماً عنيفاً على ردود الفعل الدولية تجاه الهجوم الروسي على بلاده، مؤكداً أن العقوبات المفروضة على موسكو غير كافية، ومتهماً الغرب بترك أوكرانيا وحدها في مواجهة روسيا.
زيلينسكي كان يتحدث في اليوم الثاني للهجوم الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، والذي تقول موسكو إنه يهدف إلى "منع عسكرة أوكرانيا" وترفض تسميته بالغزو، بينما يقول الغرب إنه غزو شامل يهدف إلى إسقاط حكومة زيلينسكي وزرع حكومة موالية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الأزمة الأوكرانية، المستمرة منذ عام 2013 عندما أطيح بالرئيس الموالي لروسيا يانكوفيتش، هي بالأساس أزمة جيوسياسية، إذ تريد روسيا ضمانات أمريكية بأن أوكرانيا لن تنضم لحلف الناتو، بينما ترى واشنطن وحلفاؤها أن هذا القرار لا يخص روسيا، وبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا فجر الخميس 24 فبراير/شباط.
ماذا قال الرئيس الأوكراني عن الغرب؟
الرئيس الأوكراني بدا غاضباً تماماً وغير راضٍ عن رد الفعل الأوروبي على الهجوم الروسي على بلاده، وقال إن العالم يواصل مشاهدة ما يحدث في أوكرانيا من بعيد، ومؤكداً أن العقوبات الجديدة التي فرضتها كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا "لم تقنع روسيا"، وتساءل قائلاً: "من مستعد للقتال معنا؟ لا أرى أحداً، من مستعد لأن يعطي أوكرانيا ضمانة بالانضمام إلى الناتو؟ الجميع خائفون".
واعتبر زيلينسكي أن الزعماء الـ27 في أوروبا خائفون، قائلاً: "جميعهم خائفون بينما نحن لا نخاف، ولا نخشى الحديث حول الوضع الحيادي مع روسيا، لكن ما هي الضمانات الأمنية التي ستقدَّم لنا؟ من سيضمن ذلك؟".
وأكد الرئيس الأوكراني أنه يتعين الحديث عن "نهاية الاحتلال المتواصل". وأضاف: "لكن مصير بلادنا الآن يعتمد كلياً على جيشنا وقواتنا الأمنية". وعن التصريحات التي صدرت من موسكو بشأن استعدادها للحوار، فقال زيلينسكي: "يريدون التحدث عن الوضع الحيادي لأوكرانيا، أقول لكافة الشركاء، مصير بلادنا يتغير الآن، أتوجه لهم بالسؤال: هل أنتم معنا؟ يجيبون بأنهم معنا لكنهم غير مستعدين لضمنا إلى الناتو".
ونفس في الوقت أكد زيلينسكي أنه على رأس عمله، مشيراً إلى تلقيهم معلومات بأن "العدو" جعله الهدف الأول، وأسرته الهدف الثاني، مضيفاً أنهم "يريدون القضاء على أوكرانيا سياسياً عبر القضاء على رئيس الدولة".
وكان زيلينسكي يتحدث بعد أن حاول الاتصال بالرئيس الروسي بوتين دون جدوى، وطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التوسط لدى الرئيس الروسي كي يجيب عن اتصال نظيره الأوكراني، وهو ما قام به ماكرون بالفعل لكن دون جدوى.
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن روسيا ستضطر عاجلاً أم آجلاً للجلوس مع أوكرانيا من أجل وقف الحرب قائلاً: "بقدر ما كان جلوس روسيا مع أوكرانيا مبكراً فإن خسائرها ستكون أقل".
وفي تغريدة على تويتر، أعلن الرئيس الأوكراني حاجة بلاده لـ"مساعدات دولية فعالة"، وأشار إلى أنه بحث هذا الأمر مع نظيره البولندي أندجي دودا قائلاً: "نحن بحاجة لمساعدات دفاعية، من أجل الضغط على المعتدين وفرض عقوبات عليهم.. تقدمنا بطلب انضمام إلى منظمة بوخارست تسعة. نحن بحاجة لتشكيل تحالف ضد الحرب".
وتأسست منظمة بوخارست تسعة أو (تنسيق بوخارست) في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في العاصمة الرومانية بوخارست بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
وفي تغريدة أخرى، أشار زيلينسكي إلى أنه تحدث هاتفياً مع نظيره البريطاني بوريس جونسون، وأطلعه على آخر التطورات الميدانية، وفي مقدمتها الهجوم الذي تتعرض له العاصمة كييف، وقال: "أوكرانيا اليوم بحاجة لمساعدة حلفائها أكثر من أي وقت آخر. نطلب خطوات فاعلة ضد روسيا"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ماذا عن الدعم الغربي لأوكرانيا إذاً؟
هذه التصريحات من جانب الرئيس الأوكراني تثير الدهشة على أقل تقدير، فالهجوم الروسي على أوكرانيا لم يندلع فجأة أو دون مقدمات، بل إن العالم أجمع يحبس أنفاسه بسبب الأزمة الأوكرانية منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أقل تقدير. والحديث الغربي عن تقديم الدعم لأوكرانيا لم يتوقف لحظة واحدة، ليس فقط خلال الأشهر الحالية بل منذ عام 2014 بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم.
وخلال الفصل الحالي من هذه الأزمة، كان تدفق المعلومات الاستخباراتية الغربية بشأن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا غير مسبوق على الإطلاق، لدرجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حدد موعد الغزو في مناسبتين على الأقل، أولاهما كان 16 فبراير/شباط، وثانيهما كان في حدود 20 فبراير/شباط. وعلى الرغم من عدم دقة اليوم، إلا أن الهجوم الروسي انطلق بالفعل فجر الخميس 24 فبراير/شباط.
والسؤال المنطقي الذي تثيره شكاوى واتهامات زيلينسكي للقادة الغربيين هو ماذا كان يتوقع الأوكراني؟ وهل قدمت أوروبا والولايات المتحدة بالفعل دعماً عسكرياً واقتصادياً لأوكرانيا؟
ولنبدأ من السؤال الثاني والخاص بما قدمه الغرب من دعم لأوكرانيا، فنجد أنه منذ عام 2014 تقدم واشنطن مساعدات "أمنية" سنوية إلى أوكرانيا وتقدم خدمات تدريبية للجيش الأوكراني دون أن تكون هناك أرقام دقيقة عن حجم تلك المساعدات، لكن خلال الأيام القليلة الماضية تحدث بايدن عن تقديم 650 مليون دولار مساعدات عسكرية إلى كييف.
وخلال الأسبوعين الماضيين أعلنت واشنطن عن إرسال معدات عسكرية "دفاعية" إلى أوكرانيا بقيمة 200 مليون دولار، كما أعلنت بريطانيا عن تقديم صواريخ مضادة للمدرعات وذخائر ومعدات عسكرية أيضاً ذات طابع دفاعي إلى أوكرانيا تبلغ قيمتها نحو 100 مليون دولار.
وكانت وزارة الدفاع الأوكرانية قد أكدت أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وصول دفعة جديدة من الأسلحة البريطانية المخصصة للجيش الأوكراني، عبارة عن أنظمة خفيفة مضادة للدبابات. وأظهرت تقارير إعلامية مصورة وصول طائرة عسكرية بريطانية محملة بما قيل إنها أنظمة NLAW المضادة للدبابات، وكان مجموع تلك الشحنات حمولة 3 طائرات نقل عسكرية.
وفي الوقت نفسه أعلنت دول البلطيق- لاتفيا وإستونيا وليتوانيا- عن إرسال صواريخ "جافلن" و"ستينغر" أمريكية الصنع بعدما تلقت إذناً من واشنطن في هذا الصدد
وكانت ألمانيا، ولا تزال، ترفض إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وكل ما أرسلته من مساعدات عسكرية هو 5 آلاف خوذة عسكرية رغم أن كييف كانت قد طلبت 100 ألف خوذة.
ماذا كان الرئيس الأوكراني يتوقع؟
ربما يكون حجم الدعم العسكري المقدم من الغرب بالفعل لا يتناسب مع حجم التأييد والدعم "الصاخب" من خلال التصريحات التي أطلقها القادة الغربيون، وبصفة خاصة بايدن وماكرون رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، لكن المؤكد هو أن أياً من الدول الغربية لم يعلن عن إرسال قوات عسكرية للدفاع عن أوكرانيا.
وكان بايدن قد أكد أنه لن يتم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، والأمر نفسه أعلنه جونسون وماكرون والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، فأوكرانيا ليست عضواً في حلف الناتو، وبالتالي فدول الحلف غير ملزمة بالدفاع عنها، ومن ثَم فإن الإحباط والغضب المسيطرين على الرئيس الأوكراني واتهام زعماء أوروبا "بالخوف" قد لا يكونان مبررين، في إطار التحالفات والتعاقدات.
لكن على الرغم من ذلك، فيبدو أن هناك رأياً عاماً غالباً، فيما يخص الأزمة الأوكرانية، مفاده أن بعض القادة الغربيين كبايدن وماكرون وجونسون قد استغلوا الأزمة وسعوا إلى "تسخينها" لأغراض سياسية خاصة، دون الأخذ في الاعتبار ما قد تصل إليه الأمور في نهاية المطاف، وهذا ما يصفه بعض المحللين بأنه صراع بين بوتين وبايدن على "الزعامة" يدفع ثمنه الأوكرانيون الآن، وهذا ما يسبب كل هذا الغضب للرئيس الأوكراني.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنه كان ينبغي على حلف الناتو أن يتخذ خطوة أكثر حزماً حيال التطورات في أوكرانيا، منتقداً الغرب في طريقة تعامله مع الأزمة، قائلاً: "للأسف الاتحاد الأوروبي والغرب برمته لم يظهروا وقفة حازمة"، وأضاف أنه "كان ينبغي على الناتو أن يتخذ خطوة أكثر حزماً"، مشدداً أن الغرب قدّم كمّاً كبيراً من النصائح حتى اليوم ولا زال يقدم نصائحه، بحسب الأناضول.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، علي باكير، انتقد أيضاً "رد فعل الولايات المتحدة الضعيف"، وقال للأناضول: "رد الفعل الأمريكي والأوروبي حتى قبل العدوان كان ضعيفاً، وهو جزء من الأخطاء التي ارتُكبت، لأن الجانب الروسي كان يفترض أن يواجه بشكل حازم، ولكن عندما رأى أنه ليس هناك رسالة قوية موجهة إليه وأنها مجرد عقوبات، هذا ما شجع بوتين على المضي قدماً في قراره".
"العقوبات لم تكن كافية بل كان يتطلب اتخاذ قرارات قاسية وعزلها مالياً عن العالم تستهدف موارد تمويل العمليات العسكرية ولا سيما قطاع النفط والغاز إلى جانب المؤسسات المالية الرئيسية في روسيا، وأعتقد بعد الغزو سيتم تصعيد المواقف وبالتالي لن تكون لردع روسيا بل لعقابها أكثر".
لكنَّ كثيراً من المحللين يرون أنه حتى إذا كان الغرب قد اتخذ عقوبات اقتصادية أكثر حدة كطرد روسيا من نظام سويفت المالي وعزلها مالياً تماماً لم يكن ذلك ليؤثر في قرار بوتين، ففي نهاية المطاف الهجوم الروسي على أوكرانيا قرار عسكري، والرد كان لابدَّ أن يكون عسكرياً، ويبدو أن هذا ما كان يتوقعه الرئيس الأوكراني ولم يحدث.