"إذا كان لاعب الكرة يملك قوة في أطرافه، فاجعلوهم يؤدوا الخدمة العسكرية وينطلقوا إلى أرض المعركة".
كرة القدم بالطبع هي اللعبة الأكثر شعبية حول العالم، لعبة الفقراء والأغنياء، يحبها الجميع ويعشقها الكبير والصغير، تحبها الشعوب وتعد السبب الأول للفرح والسرور للبعض، ولكن عندما تبدأ الحرب ينسى الجميع كل شيء ويتذكرون فقط حب الوطن والحرب من أجله. فلا يمكن أن تتكون الفجوات بين صناعة كرة القدم وباقي البلاد، فهي جزء لا يتجزأ من الوطنية والكرة دائماً للجماهير.
كتيبة اللاعبين الإنجليز!
في نوفمبر/تشرين الثاني 1914 وأثناء الحرب العالمية الأولى كان هنالك صراع بدأ في الظهور بين المثقفين الإنجليز وبين الرياضيين حول استمرار مباريات كرة القدم رغم القتل والدمار الحاصل بسبب المعارك المستمرة، وبدأت شعبية كرة القدم في الانحدار حتى صدر القرار أخيراً بإنشاء "كتيبة لاعبي كرة القدم" في الجيش الإنجليزي. حيث إنه ولأول مرة سيتم احتساب الأهداف خارج المرمى والمستطيل الأخضر ولكنها ستكون أهدافاً حربية في ملعب الخصم وأراضيه.
كان الهدف الأول والأسمى للدعاية لتلك الكتيبة أكبر من أهدافها العسكرية، ولكن كانت تعد تحفيزاً للشباب للتطوع في الجيش اقتداءً بلاعبيهم المفضلين خصوصاً بعد ظهور بعض الأصوات التي تندد بعدم وطنية هؤلاء وهروبهم من ساحة المعركة.
حينها أسند تشكيل تلك الكتيبة لويليام هيكس القائد الإنجليزي ووزير الداخلية الذي اجتمع برؤساء كبار الأندية الإنجليزية مثل تشيلسي وكريستال بالاس وتوتنهام وفولهام الذي عقد هذا الاجتماع على أرضه في مجلس مدينة فولهام.
ووضعوا عدة قواعد تسمح للاعبين بأخذ إجازات تمكنهم من الاستمرار في ممارسة كرة القدم وتسمح بانتظام الدوري الإنجليزي، وخلال ذلك وقف ويليام ليلقي كلمة تشبه كلمات المدربين قبل المباريات النهائية شبَّه بها الحرب قائلاً: "تلك الحرب ليست أمام فريق من (التشامبيون شيب) أو الدرجة الثانية ولكنها أمام أحد أفضل الفرق في العالم ويجب أن نستعد جيداً". استطاع مع بداية العام الجديد تشكيل كتيبة تتكون من 200 لاعب من أكثر من 60 نادياً خاضوا بعض المباريات الخيرية لجمع التبرعات والمتطوعين قبل إرسالهم في مهمة رسمية إلى فرنسا ليتمكنوا من النجاح في عدة مهمات بالفعل في الشمال الفرنسي.
وعلى الرغم من ذلك قُتل العديد من اللاعبين داخل تلك المعارك كان من بينهم والتر تول ثاني رجل ذي بشرة سمراء يتمكن من اللعب في الدوري الإنجليزي في توتنهام هوتسبير. حيث إنه رغم القانون الذي منع أصحاب الأصول المختلطة والإفريقية من الخدمة العسكرية فإنه استطاع الحصول على رتبة ملازم ثانٍ قبل أن يُقتل في إحدى المعارك عام 1918 وحصل بعدها على وسام الصليب العسكري البريطاني.
وأيضاً المهاجم ساندي تورنبول الذي شارك بقميص مانشستر يونايتد والسيتي وأكمل مسيرته بقميص الجيش الإنجليزي. سجل تورنبول 143 هدفاً خلال 200 مباراة شارك فيها بالدوري الإنجليزي. بينها هدفه في النهائي على بريستول سيتي في كأس الاتحاد عام 1909. بعدها تم تجنيده في عام 1915 قبل أن يلقى حتفه في معركة في أراس عام 1917.
دروجبا يهدئ الحرب الأهلية
في أكتوبر/تشرين الأول 2005 كانت الحرب الأهلية في ساحل العاج والتي بدأت عام 2002 في أشدها بين النظام وبعض المتمردين مع مقتل العشرات في المواجهات اليومية في شوارع كوت ديفوار. وفي تصفيات كأس العالم لقارة إفريقيا اشتدت التنافسية بين الكاميرون وساحل العاج على تذكرة التأهل إلى كأس العالم 2006 وانتظر الجميع الجولة الأخيرة التي استطاع ساحل العاج الفوز فيها على السودان منتظراً تعثراً للكاميرون أمام المنتخب المصري.
وبالفعل استطاع المنتخب المصري الحصول على تعادل مع المنتخب الكاميروني في العاصمة الكاميرونية فمكّن ذلك ساحل العاج من التأهل لكأس العالم لأول مرة في تاريخه، بعدها انتشرت الاحتفالات حول البلاد قبل أن يخرج ديديه دروغبا بالخطاب الشهير: "يا رجال ونساء ساحل العاج في الشمال والجنوب أثبتنا للجميع أن جميع العاجيين يمكنهم أن يتعايشوا جنباً إلى جنب من أجل هدف مشترك وهو التأهل لكأس العالم"!
انتشر ذلك التسجيل بين الكثيرين، مما أدى إلى زرع أملٍ في القلوب أدى إلى هدوء نسبي زادته الأيام حتى وصل الأمر إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات لأول مرة. بعدها أعلن ديديه عن إقامة مباراة للمنتخب أمام المنتخب المدغشقري لن تقام في العاصمة أبيدجان لكن قرروا إقامتها في عاصمة المتمردين الرمزية "بواكي" كمباراة رمزية استطاع فيها دروغبا إحراز الهدف الخامس لتنفجر البلاد فرحاً وتزول الفروق بين الشمال والجنوب ولو مؤقتاً.
الخداع الكروي في حرب أكتوبر/تشرين الأول
في أكتوبر/تشرين الأول 1973 شارك جميع أطياف الشعب المصري في الحرب المصرية الإسرائيلية، حيث كان الجميع على قلب رجل واحد أمام العدو بكافة أطيافهم وفئاتهم. وبالطبع كان من ضمن تلك الفئات لاعبو كرة القدم الذين أكملوا إحراز الأهداف خارج الملعب.
واستخدمت كرة القدم في الصحف المصرية يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول أي قبل يوم من بدء الهجوم العسكري في التغطية على خطة الهجوم ومحاولة تسيير الأمور كما أرادت القيادة العسكرية في هذا الوقت، حيث أفردت خبر مشاركة "حسن شحاتة" مع الزمالك وقامت بفرد المساحات للأخبار الرياضية قبل أن ينفرد خبر عبور خط بارليف عناوين الأخبار في اليوم التالي.
كانت الأسماء الكبيرة في كرة القدم ضمن المشاركين أيضاً في الحرب حيث شارك "الثعلب" حمادة إمام ضابطاً في الحرب وأحيل للتقاعد برتبة عقيد. وأيضاً عميد الكرة المصرية والمدرب الأشهر في الكرة العربية "محمود الجوهري" الذي شارك في كتيبة سلاح الإشارة وتخرج برتبة عميد بعد مشاركته في الحرب. أسماء أيضاً مثل محمود بكر المعلق الرياضي الذي فارق عالمنا واللواء محمد عبد العزيز قابيل كانوا ضمن المشاركين، بل إن اللواء قابيل والذي كان أحد لاعبي الزمالك في الخمسينيات حصل على أعلى وسام عسكري.
كرة القدم.. من الشارع وللشارع
كانت وما زالت كرة القدم جزءاً لا يتجزأ من الأحداث العالمية بشكل عام والحروب بشكل خاص. فشاهدنا جميعاً موقف لاعبي برشلونة ونابولي قبل بداية المباراة في الدوري الأوروبي برفع لافتة تطالب بوقف "الحرب" كما شاهدنا عديداً من المواقف للاعبين أوكرانيين من أشهرها موقف أولكساندر زينشينكو لاعب مانشستر سيتي ومنتخب أوكرانيا حيث نشر عبر حسابه بإنستغرام صورة لبوتين تمنى فيها الموت بأكثر الطرق القاسية لرئيس روسيا الحالي.
وبعدها برر قائلاً: "كل العالم قلق مما يحدث، لا يمكنني أن أقف مكاني، هذا البلد أدافع عن ألوانه على الصعيد الدولي. بلدي ينتمي للأوكرانيين، لن نستسلم، المجد لأوكرانيا".
كذلك وفي موقف أثار الاستغراب والإعجاب عبّر المهاجم الروسي الدولي سمولوف مهاجم دينامو موسكو عن رفضه للعملية العسكرية الروسية بوضعه علماً لأوكرانيا مع عبارات منددة بالحرب ومطالبة بوقف التدخل العسكري.
ويأتي هذا مع توقعات أيضاً بتدخل سيتم إعلانه قريباً من الاتحاد الأوروبي بسحب تنظيم المباراة النهائية لدوري الأبطال من روسيا والتي كان من المنتظر إقامتها في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية.
وأخيراً، لم تكن أبداً كرة القدم بعيدة عن الشارع، بل هي نبض الشارع حيث سترى بعض المقاومين بقمصان فرقهم المفضلة المختلفة والتي لطالما عرفت بالتنافسية الشديدة فيما بينها خصوصاً في أوكرانيا، لكنهم سيكونون جنباً إلى جنب في ساحة المعركة، يقفون بصدورهم أمام أي محتل غاشم حمايةً لأرضهم ولأوطانهم المعرضة للنهب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.