أثار إعلان لبنان موافقته على ترسيم الحدود البحرية على أساس خط 23 بدلاً من خط 29 كثيراً من التساؤلات حول هذا التراجع، خصوصاً أنه حدث من خلال رئيس الجمهورية ميشال عون، الحليف الرئيسي لحزب الله، وهو ما يعني موافقة ضمنية من الحزب.
فما سر تراجع حزب الله عن موقفه السابق، وما النتائج التي ستترتب على هذا الأمر؟
تراجُع حزب الله
قالت مصادر سياسية مطلعة لـ"عربي بوست" إن حزب الله وافق على ترسيم الحدود بناءً على الخط 23 بعد سنوات من تمسكه بالخط 29، وذلك بناءً على قرار اتخذه الحزب بالتشاور مع القيادة الإيرانية، التي يعترف الحزب بولائه السياسي والديني لها.
وأشار المصدر إلى أن الحزب وافق على هذا بناءً على التطورات الجارية في المفاوضات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة لتعهدات حصل عليها من قِبَل جهات أوروبية على رأسها فرنسا بالذهاب نحو إعادة تكوين النظام السياسي اللبناني.
جبران باسيل ورفع العقوبات
وتشير المصادر إلى أن قرار الحزب خضع لمشاورات لبنانية، وتحديداً مع فريق رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، والذي حرص على الموافقة على البند المتعلق بتراجع لبنان عن خط 29، بناءً على المقترح الذي قدمه المبعوث الأمريكي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين.
وأضافت المصادر أن رئيس التيار الوطني الحر يفاوض الجانب الأمريكي على ملف رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
حزب الله وشركات التنقيب
وتؤكد المصادر أن حزب الله بالمقابل يسعى من خلال الموافقة على الترسيم البحري إلى فرض مجموعة معادلات، أبرزها فتح التفاوض مع الشركات التي تقوم بالتنقيب على الغاز في البحر عبر نفوذه في الحكومة والبرلمان الحالي.
يأتي هذا في وقت تعيد فيه الحكومة الحالية النظر في عقودها مع شركتين فرنسية وإيطالية، وتسعى للذهاب لإلزام شركات أخرى للتنقيب والاستخراج من المساحات اللبنانية، سواء شركات روسية أو إيرانية.
والأهم أن حزب الله بات يدرك قيمة الوقت، خاصة أن الجانب الإسرائيلي سيبدأ نشاطه في التنقيب منتصف مارس/آذار، وهذا التحدي سيضع الحزب أمام أزمة جديدة في الشارع اللبناني.
تراجع عون.. وصمت حزب الله
وأشعل التناقض في موقف لبنان الرسمي حول ملف ترسيم الحدود البحرية جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية وحتى الشعبية، حول أسباب هذا التناول والمقابل الذي حصل عليه لبنان الرسمي.
هذا الجدل نجم عن تغير موقف رئيس الجمهورية الذي أعلن أنّ الخط 23 هو حدود لبنان البحرية وليس الخط 29، وأنهم يقبلون بهذا الخط، بدلاً من الرسالة التي أرسلتها الحكومة اللبنانية في 28 يناير/كانون الثاني الماضي إلى الأمم المتحدة، والتي اعترفت ضمناً بأنّ "حقل كاريش" يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، أي بين الخطين 23 و29.
موقف عون شكّل مفاجأة وجاء مناقضاً لما نُقل عنه سابقاً عن تمسكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصر سابقاً على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات.
وكان لافتاً قبول حزب الله أو صمته المطبق أمام ما يجري في هذا الملف، ورسمت العديد من علامات الاستفهام حول هذا الموضوع.
تنازل مقابل تنازل
أشار الصحفي والمحلل السياسي جوني منير لـ"عربي بوست"، إلى أن المشهد الإقليمي إلى جانب ما يجري في فيينا بين الجانبين الأمريكي والإيراني، أعطى دفعة للمضي بموضوع ترسيم الحدود، والتنازل الذي حصل.
أضف إلى ذلك المطالب الداخلية من قِبل قوى السلطة، والتي تمثلت بوقف الدعم الغربي لمجموعات الثورة التي كانت تحضّر نفسها لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، إضافة إلى تجميد التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وصرف النظر عنه.
وأشار إلى حديث البعض عن مطالبة رئيس الجمهورية برفع العقوبات الأمريكية عن النائب جبران باسيل، إلا أنّه أوضح في هذا السياق أنّ هذا الأمر ليس سهلاً، بل إنّه يحتاج إلى سبل قانونية في أمريكا.
منير تحدّث عن رزمة جديدة من العقوبات قد تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على بعض الشخصيات اللبنانية في المستقبل.
ولفت المحلل السياسي إلى أن الإيجابيات التي حصل عليها لبنان مقابل هذا التنازل تتمثل في وقف دعم وتشجيع منصات الثورة، وعدم مواكبة إعلامية ضاغطة لموضوع الانتخابات، وهو ما يؤثر سلباً على عملية الاقتراع بشكل عام.
ويقول منير إن حزب الله كان يريد أن يؤجل موضوع ترسيم الحدود إلى ما بعد الانتخابات النيابية، ولكن ربما تطور المفاوضات في فيينا والاقتراب من اتفاق بين الطرفين غيّر مسار ملف الترسيم.
وهنا يشير إلى حدوث أمر ما بين إيران وأمريكا حول الموضوع، طالما أنّ حزب الله لم يعترض على الموضوع واكتفى بالصمت.
الحزب الوصيّ على الدولة
بالمقابل يشير مصدر دبلوماسي مطلع لـ"عربي بوست" إلى أن حزب الله أبلغ كوادره وحلفاءه أنه يتحضر لمرحلة دقيقة وصعبة تتخللها مفاوضات حاسمة ومهمّة حول إعادة النظر بالكيان والصيغة الناظمة للبلاد.
ويرى المصدر إلى أن هناك وقت سيستغرقه ملف الترسيم البحري قبل إقراره، فهنالك مجلس الوزراء والبرلمان. وهو ما يعني الوقت الكافي لكي يتسلّح "حزب الله" ولو بجانب من هذه الورقة، أي لما بعد الانتخابات النيابية.
ويرى المصدر أن الترسيم البحري سيعني بطريقة أو بأخرى أنّه لن تحصل مواجهات عسكرية أو حروب بحرية على الأقل في المستقبل القريب، رغم أنّ الحزب كان قد تحدث مراراً في السابق عن تعزيز قوته البحرية خصوصاً الصاروخية منها.
وبالتالي، فإنّ خطاب حسن نصر الله، ونجاح الطائرة المسيّرة للحزب في خرق أجواء إسرائيل، ونشر الشريط المصور حول القوة القتالية للحزب على الثلج، كل ذلك كان يهدف للقول إنّ قوته لا تزال موجودة، وإنّها قادرة وبقوة خارج الإطار البحري.
في المقابل، قال الصحفي اللبناني المقرب من حزب الله قاسم قصير إن حزب الله لم يعلن أي موقف من موضوع ترسيم الحدود مع إسرائيل، وينتظر انتهاء المفاوضات، مشيراً إلى أن الحزب يلتزم دائماً بقرار الحكومة اللبنانية.
وأضاف قصير أن كتلة الوفاء للمقاومة حذرت في آخر اجتماع لها من مخاطر طروحات الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين، لكنّه أكّد أن الحزب حتى الآن لم يعلن أي موقف بهذا الخصوص.