الحرية والاستقلالية والقوة، هي الكلمات الأكثر شيوعاً على جدران فيسبوك الخاصة ببنات العرب، يستعملنها على نطاق واسع بسبب ودون سبب وجعلنها شعراً ينادون به في البيت وعلى إخوانهم ومقربيهم.
في أيامنا تستعمل مبادئ الحرية والاستقلالية والقوة ضد المجتمع الذكوري الخانق أو لإعلان الحرب على الخالق وذريعة لاستعمال أحمر شفاه فاقع، ناهيك عن التعري وإهداء الجسد إلى العادي والبادي، هذا كلام ليس معمّماً فبنات العرب منهن المشرفات، تلك البنات التي حددن طريقاً واتبعنه ووصلن إلى المبتغى محافظين على القيم، متحررات جداً من أسر الفكر بما ليس نافعاً، لا ندعي أن مجتمعنا لا يعاني الكبت والتضييق، لكنه لم يصادف أي ضيق على أصحاب الأفكار المفهومة التي تتناغم مع الطبيعة حتى وإن لم يصلوا إلى المبتغى لكن ضمنوا نقاء الأيدي والأرواح.
هناك نساء أثبتن قوتهن واستقلاليتهن وحريتهن بأشياء قد تبدو بسيطة ككتابة قصيدة وجد فيها الكثير ذاته الضائعة، أو أتممن دراستهن رغم الفقر، فكن يعملن لساعات طوال ليوفرن ثمن الكتاب، وكذلك النساء اللواتي يستيقظن الفجر كي يضمن قوتاً حلالاً لأبنائهن هن كثيرات توفرت فيهن المبادئ لكن لا يستطعن أن يظهرن ذلك ببساطة لأن ليس لديهن حساب فيسبوك.
وكذلك منهن من دخلن التاريخ وأصبحن رموزاً للقوة والجبروت.. حملن السلاح في وقت كان الجميع يتغنى فقط بشهامة الرجال وكانت شواربهم تأبى أن تجعل امرأة سيدة، كان إيمانهم بأن المرأة مكانها المطبخ، على خلاف الراهن الذي أصبح فيه عمل المرأة شرطاً لتتزوج رجلاً شهماً.. تلك النساء لم يتذمرن من كل هذا بل اتبعن ما أردنه وما حلمن به.
فالسيدة "ليلى خالد" خير دليل على المرأة الفلسطينية التي تستحق أن ينحني لها الملوك احتراماً. وطنتيها وحبها لأرضها وإيمانها بقضيتها لم يلتفت لأي عائق صغيراً كان أم كبيراً، بل إصرارها وشهامتها جعلاها المرأة الخارقة التي اختطفت طائرتين بعد أن انضمت إلى الجبهة الشعبية للتحرير وتلقيها تدريبات في المعسكر التابع للجبهة، استطاعت رفقة أحد المناضلين أن يختطفا طائرة أميركية متجهة لتل أبيب وتغيير مسارها إلى سوريا وتفجيرها هناك؛ كي يلفتوا نظر العالم للقضية الفلسطينية.
والثانية قامت بها بعد إجرائها عمية جراحية لتغير ملامحها لكنها لم تكتمل بوجودها لتخلف رفيقين ومن ثم وقعت أسيرة، لكن استطاع آخرون من رفاقها اختطاف طائرة كوسيلة ضغط لإطلاق سراحها. كان بإمكانها أن تعشق مناضلاً وتضع بعنقه سلسلة كوعد بعودته وأن تشارك في المقاومة بالبكاء والدعاء، لكن ذلك لم يكفِ طموحها بل أرادت أن تحمل البندقية مع الرفاق والإخوان معرّفة نفسها باسم شادية أبوغزالة، أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة، وكلتا المرأتين تمثل المبادئ خير تمثيل، هاتان السيدتان لم تريدا من عملهما هذا الشهرة أو المال أو خطف الأضواء، بل أرادتا أن تساعدا في تحرير وطنهما وإرادتهما هذه جعلتهما في الذاكرة وقدوات لكل بنات العرب.
كي نكون مثل السيدة ليلى أو السيدة شادية ليس معناه أن نرفع السلاح أيضاً، وإن استطعنا لذلك سبيلاً ما تركناه، لكن معناه ألا معيق سيقف أمام أيٍّ منا ما دامت لها قضية أو إيمان بما تريد وحتى لو لم نصل لما أردنا فشرف المحاولة يهوّن الألم.
لا أعيب على النساء اللواتي اخترن طريقاً غير هذا الطريق ليصبحن قويات.. لكنّ هاتين المناضلتين مثّلن ذلك على أفضل وجه، لكن ما هو راسخ أن القوة ليست التدخين أو شرب الخمر أو المكياج ولون الشعر الفاقع والكلمات البذيئة، القوة هو كل شيء تفعله المرأة بشغف، بحب وبإنكار ذات، هو كل حلم استطاعت أن تحققه بنفسها سواء كان صغيراً أم كبيراً، دون أن تبتغي من وراء ذلك خلق الحدث أو التميز الزائف.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.