انكشف المستور، ليرى الشعب السوداني بوضوح بؤس قدرات وعجز لجنة البشير الأمنية والجنجويد، وشلة الميليشيات الانقلابية والكيزان، العائدين لمناصبهم، عن إدارة الدولة وخلق واقع جديد يلقى القبول عند الشعب.
كل ادعاءات البرهان وثلته الكاذبة في البحث عن الكفاءات، وتوسعة المشاركة في الحكم والإصلاح، وغيرها من التبريرات للانقلاب انتهت بعد أربعة أشهر، لأسوأ واقع وأضعف وأفشل منظومة حكم مرت على تاريخ السودان الحديث، وفي غياب تام لأفق تثبيت وضعهم الحالي، أو خلق سيناريو مستقبلي لاستمراره.
إن مشروعهم الوحيد الذي بات واضحاً للشعب هو مواصلة نهب ثروات البلد للدول الداعمة لهم، وتقنين هذا النهب بامتلاكهم كامل السلطة بالقوى العسكرية لتأسيس مشروع استعماري جديد.
وإن من يدفع فاتورة استمرار هذه الجريمة هو الشعب السوداني، الذي قررت السلطات الانقلابية عليه زيادات خيالية في أسعار كل شيء، لتجعل من المستحيل عليه توفير أبسط متطلبات الحياة، وفي سابقة غير معهودة تمت زيادة تكلفة العلاج لمستويات تفوق حتى إمكانية المقتدرين، ما يعتبر جريمة ضد الإنسانية كما أطلق عليها خبراء الصحة، يقود هذه الحملة الشعواء على الشعب السوداني عراب الانقلاب جبريل إبراهيم، منافحاً عن هذا النظام الإجرامي، بدون رؤية اقتصادية أو مخرج واضح، مدمراً كل فرص التعاون مع العالم، والخطط التي كان يرجو الشعب أن تكون تأسيساً لمستقبل تنموي يغير وضعه للأفضل.
تتضح الصورة جلياً الآن بأنه لا أمل للشعب السوداني بأن تحصل أي ذرة خير من هذا الانقلاب، الذي يهدد الكيان السوداني ككل وأهم مؤسساته، بما فيها القوات المسلحة والخدمة المدنية والمنظومة العدلية، التي تستلب يومياً في مشروع تأسيس منظومة دولة جهوية ذات بعد قبلي، ما يفتح باب الوطن عريضاً لغزو مستقبلي غير مأمون العواقب بدأت ملامحه في الظهور من خلال سيطرة اقتصادية ضخمة ومنظومة عسكرية منفصلة ومستقلة عن القوات المسلحة. النظام الانقلابي الحالي عاجز حتى عن أن يوفر للمتسولين والانتهازيين، هتّيفة كل دكتاتورية، ما يسد رمقهم، لأن المائدة لا تسعهم لمحدوديتها، حتى للاعبين الأساسيين في المشهد، وغالباً سيتكالب الجميع على القصعة ويكسروها عاجلاً وليس آجلاً.
كل من يساعد أو يشارك هؤلاء الانقلابيين في هذا الجرم التاريخي هو شريك أصيل في مشروع خيانة وطنية كاملة الأركان بلا أفق، ويمكن أن تؤدي إلى تمزيق السودان. أخذ الوطن إلى هذا الطريق لن يؤسس لاستقرار كما تتوهم الدول الداعمة للانقلاب والمستثمرة فيه، معتمدة على خدمة الانقلابيين لمشروع نهب ثروات السودان. استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي لهزات عنيفة في نسيج الوطن، ستصيب هذه الدول ومصالحها بالضرر أيضاً، وقد كان أجدر بهم دعمنا في مسار يحقق الاستقرار، ويبني مشروع تعاون مع منظومة حكم مستقرة تنفع كل الأطراف المستثمرة فيه، وتحفظ حقوقنا وحقوقهم.
رغم وضوح المشهد فإن تشتت القوى المدنية والصراع ساعد الانقلابيين في الماضي، رغماً عن فشل البروباغاندا الإعلامية المزيفة عن خلق قبول لهم في الشارع. الآن هم مستثمرون في هذا الانقسام الضار جداً بالجهد الكبير والتضحيات العظيمة المبذولة من لجان المقاومة والقوى الثورية على الأرض مدعومة بأهلهم في الخارج.
لا أمل أيضاً في أي حل أو دعم خارجي إن لم نخلق رؤية محددة وموحدة للمسار، لا حل الآن لنا سوى هزيمة هذا الانقلاب وتجميع شتات قوى الثورة، وجل مكونات الشعب السوداني التي لم تتلوث أيديها بجرائم في حق الشعب السوداني، لبناء أرضية لمشروع دولة وطنية يتشارك فيها الكل، ويتنافس بصورة ديمقراطية بأفكاره ومشاريعه لخير الشعب والوطن.
هذا المشروع لكي ينجح يحتاج إلى حلف عريض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكل قوى المجتمع بمختلف مكوناته، وتنازلات كبيرة ومؤلمة من جميع الأطراف، لكنها لهدف أسمى، هو الانتصار في معركة استقلال السودان الحقيقية، فإن لم نجتمع لمثلها فلا خير فينا، ولن ينفعنا إن هُزمنا فيها سرد القصص عمّن هو الملام والمقصر، فلن نجد حينها من يستمع، فسيكون الجميع مداناً أمام هذا الجيل الذي يقدم أغلى التضحيات وأمام الأجيال القادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.