قال الرئيس التونسي قيس سعيد، الخميس 10 فبراير/شباط 2022، إن المجلس الأعلى للقضاء قد حُل وسيحل محله مجلس آخر، ليؤكد تشبُّثه بقراره الذي أثار أزمة داخلية كبيرة، وخلّف ردوداً معارضة خارجياً، خاصة من الأمم المتحدة.
الرئيس التونسي جدد تأكيده أن قراره هذا نابع من رغبته في منع أن يكون القضاء "دولة داخل دولة"، على حد تعبيره.
كما ذهب إلى أنه "لا يمكن تطهير البلاد إلا بتطهير القضاء"، الذي "عليه أن يشتغل بحيادية تامة".
في خروجه الجديد، عاد سعيّد ليهاجم "بعض القضاة" من جديد، وقال إنه يسعى إلى أن يضع حداً لـ"ممارساتهم"، كما اعتبر أن القضاء "وظيفة وليس سلطة".
في أول رد له على تصريحات الرئيس، قال مجلس القضاء الأعلى، في بيان، إنه "يتمسك بتركيبته الحاليّة، وهو المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية وإن إحداث أي بديل له غير قانوني".
رفض واسع
الأحد 6 فبراير/شباط 2022، أعلنت العديد من الجهات والأحزاب والشخصيات التونسية رفضهم الواضح لاعتزام رئيس البلاد قيس سعيد، حل المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة)، مشددين على أن "أي إصلاح للقضاء له أُسسه الدستورية وشروطه القانونية"، فيما دعا الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، إلى التظاهر في العاصمة، الأحد.
من جهته، شدّد المجلس الأعلى للقضاء، على "رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية والإهدار المفاجئ والمُسقط لكافة ضمانات استقلال القضاء، في تقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها وفي تجاوز بيّن لنتائج انتخابات ثلثي أعضائه".
كما شدّد المجلس على "رفضه المساس بالأمان الوظيفي للقضاة وإخضاع مساراتهم الوظيفية والتأديبية لوضع قانوني انتقالي مجهول العواقب وفاقد لكافة الضمانات تنفرد السلطة التنفيذية بصياغته وإدارته"، معرباً عن رفضه اتهامه بـ"التقصير"، وداعياً إلى "الكف عن مغالطة الرأي العام بأن المجلس هو المكلف بالفصل في القضايا".
فيما أردف أنه "وجَّه بلاغات وإعلامات ومراسلات لوزارة العدل لإجراء الأبحاث للتحري في الإخلالات المزعومة في عدد من القضايا التي تم تداولها لدى الرأي العام، ومنها قضايا الاغتيالات السياسية والملف القضائي المعروف بالجهاز السري وقضايا الفساد المالي، إلا أنه لم يتلقّ ردوداً من الوزارة في شأنها".
الأمم المتحدة تدخل على الخط
فقد دعت الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2022، الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إلغاء قراره الخاص بحل مجلس القضاء الأعلى (هيئة دستورية مستقلة)، مؤكدةً أن "أي حل له (المجلس) يعد انتهاكاً لالتزام تونس بالقوانين الدولية".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوغاريك، بالمقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.
حيث قال المتحدث باسم غوتيريش: "نحث الرئيس التونسي (قيس سعيّد) على عكس القرار الذي اتخذه بحل مجلس القضاء الأعلى"، مضيفاً: "على السلطات في تونس أن تضمن الفصل بين السلطات".
فيما أضاف المتحدث الأممي: "نشارك مشاعر القلق التي أعربت عنها المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، بشأن إغلاق مجلس القضاء الأعلى، ونحن نؤيدها تأييداً كاملاً، ونحث الرئيس على عكس هذا المسار".
استقلال القضاء
في وقت سابق من يوم الثلاثاء، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، إنّ حل مجلس القضاء الأعلى في تونس "يقوِّض بشكل خطير، سيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء في البلاد".
باشيليت أكدت، في بيان، أنّ "حل مجلس القضاء الأعلى شكَّل تدهوراً بارزاً في الاتجاه الخاطئ، ويعد انتهاكاً واضحاً لالتزامات تونس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
كان الرئيس التونسي قد أعلن مساء الإثنين 7 فبراير/شباط 2022، حل المجلس الأعلى للقضاء بشكل رسمي، فيما عبَّرت جهات محلية ودولية عن بالغ قلقها، من جرّاء تلك الخطوة التي يرى البعض أنها تؤذن ببدء صراع جديد حول سعي الرئيس للاستئثار بالسلطة منفرداً.
إذ قال سعيد، خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان: "المجلس الأعلى للقضاء تم حله، وإن المرسوم (الرئاسي) بخصوص ذلك أصبح شبه جاهز".
والمجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية مستقلة، من مهامها ضمان استقلالية القضاء ومحاسبة القضاة ومنحهم الترقيات المهنية، وهو إحدى الهيئات الحكومية القليلة المتبقية التي لا تزال تعمل باستقلالية عن الرئيس.
كان المجلس الأعلى للقضاء قد أعلن، في بيان أصدره الأحد الماضي، رفض حله في غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك، بجانب رفض العديد من الهيئات القضائية والأحزاب السياسية حل المجلس.