كان في انتظار الرئيس الأمريكي جو بايدن "مهمة عسكرية هائلة" كما وصفتها الصحف الأمريكية، وقد اتخذ قراره كما فعل أسلافه ترامب وأوباما من قبل بتصفية قائد تنظيم متطرف كبير. فقد أعطى الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر الأسبوع الماضي لتصفية زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وانتهت المهمة ونال الرئيس "الثناء" الذي يبحث عنه، كما تقول صحيفة The Telegraph البريطانية.
لحظة بايدن "اللامعة" التي لم يهتم الأمريكيون لها كثيراً
أشاد الجمهوريون، الذين صوروا بايدن سابقاً على أنه "ضعيف"، بجرأة الرئيس في تصفية زعيم داعش. وقال السيناتور الجمهوري جون كورنين، الذي اعتاد انتقاد بايدن: "سأمنح الفضل لأصحابه في هذه الضربة". فيما قال السيناتور الجمهوري ميت رومني إنه "بشرى جيدة جداً".
بالنسبة لبايدن، كانت تلك "لحظة القائد الأعلى" التي تمس حاجته إليها، وحتى لحظة لتوحيد الدولة؛ فقد أوقع الرئيس الرجل السيئ.
لكن من المؤسف لبايدن، فإنَّ الغالبية العظمى من الجمهور الأمريكي لم يسمعوا قط عن هذا الرجل السيئ، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، المعروف أيضاً باسم الحاج عبد الله، كما تقول الصحيفة البريطانية.
ومع اقتراب القوات الأمريكية، فجّر القرشي نفسه في شمال غرب سوريا. ومن حيث القيمة السياسية، لا تُقارن هذه اللحظة بأسر صدام حسين عام 2003، ولا بمقتل أسامة بن لادن عام 2011، أو مقتل أبو بكر البغدادي عام 2019.
على خطى بوش وأوباما وترامب.. بايدن يحاول إصلاح سمعته المتدهورة
مع ذلك، لا يزال مسؤولو البيت الأبيض يأملون في أن يساعد ذلك في تغيير الضرر الذي لحق بسمعة السياسة الخارجية لبايدن من خلال الانسحاب الأمريكي المهين من أفغانستان في أغسطس/آب.
ومثّل ذلك الانسحاب نهاية "فترة شهر العسل" للرئيس في منصبه، بعد سبعة أشهر، وتراجعت شعبيته باستمرار منذ ذلك الحين.
ووفقاً لمؤسسة Gallup الأمريكية، فقد انخفضت شعبية بايدن الآن إلى 40%، وهو ثاني أدنى مستوى في نفس المرحلة لأي رئيس منذ الحرب العالمية الثانية، متقدماً بنقطتين فقط عن دونالد ترامب الأدنى.
وهناك تاريخ طويل من استفادة رؤساء الولايات المتحدة سياسياً من القبض على قادة الأعداء أو قتلهم. في عام 2003، ارتفعت نسبة تأييد جورج دبليو بوش بتسع نقاط بعد القبض على صدام حسين. وفي ما أصبح يُعرَف بـ"ضربة بن لادن"، ارتفعت شعبية باراك أوباما بنفس المقدار بعد مقتل زعيم القاعدة. وتجمعت حشود مبتهجة خارج بوابات البيت الأبيض.
لم تكن هناك "ضربة البغدادي" مماثلة بالنسبة لترامب؛ مما يعكس حقيقة أنَّ البغدادي كان شخصية أقل شهرة في الولايات المتحدة، إلى جانب أنَّ ترامب كان يواجه مساءلة برلمانية في ذلك الوقت.
وفي أعقاب مقتل زعيم "داعش" القرشي في الآونة الأخيرة، سعى البيت الأبيض إلى الاستفادة من ذلك بنشر صورة لبايدن من غرفة العمليات، ومراقبة الغارة في الوقت الفعلي.
وقد كان ذلك صدىً متعمداً للصورة البارزة لأوباما وفريقه وهم يشاهدون عملية "نبتون سبير"، التي قتلت بن لادن في أبوت آباد في باكستان. وظهر في الصورة التي تعود لعام 2011، بايدن، الذي كان نائب أوباما آنذاك.
وظهرت بوضوح في صورة العملية الأخيرة النائبة كامالا هاريس بجانب بايدن، مع شخص واحد فقط، هو نائب مستشار الأمن القومي جون فينر. وبدت أنها محاولة للسماح لكاميلا هاريس بالحصول على بعض الفضل في الغارة.
حتى نائبة الرئيس تحاول الاستفادة من اغتيال زعيم داعش
تقول الصحيفة البريطانية إن مسؤولي البيت الأبيض يحرصون أيضاً على دعم نائبة الرئيس هاريس، التي واجهت نتائج استفتاء مريعة وسلسلة من التعثر في العلاقات العامة.
وأكد بايدن مراراً أنها ستكون "الصوت الحاسم في الغرفة" قبل اتخاذ قرارات مهمة. ويشير موقعها بجانبه أنها حصلت على هذا الدور.
وفي الوقت الذي سعى فيه فريق بايدن إلى التأكيد على أهمية مقتل القرشي، قالت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إنها كانت ضربة "كارثية" لتنظيم "داعش"، على الرغم من وجود بعض الشكوك حول ذلك بين الخبراء.
وصرَّحت بأنَّ بايدن، خلال العملية، كان "يفكر في دوره في الحفاظ على أمن البلاد بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة".
وإذا كان هناك أي شيء أكيد عن هذه العملية، فمن المفترض أن تساعد بايدن على مواجهة الانتقادات التي تلقاها من الجمهوريين على مدار العقد الماضي بسبب إحجامه عن المضي قدماً في تنفيذ غارة بن لادن.
ووفقاً لاعتراف بايدن الشخصي، حث أوباما على الانتظار لمزيد من التحقق قبل توجيه الأمر بتنفيذها. وهذه المرة، عندما جاء دوره لاتخاذ قرار مهم، أعطى بايدن الأمر.
اختار بايدن كذلك شن القوات الخاصة للغارة، بدلاً من توجيه ضربة بطائرة بدون طيار؛ مما قلّل من احتمالية وقوع إصابات في صفوف المدنيين، لكنه خاطر بسقوط ضحايا أمريكيين.
وفي كل مرة يأذن رئيس أمريكي بشن مثل هذه الغارة، يلوح أمامه شبح عملية "مخلب النسر"، وهي مهمة الهليكوبتر الكارثية التي أطلقها الرئيس جيمي كارتر في محاولة فاشلة لإنقاذ الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1980.
لكن بايدن أخذ المخاطرة، ونفذ العمل المُوكل له بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تعطي هذه العملية دفعة قوية لشعبيته في أنحاء البلاد.
من هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؟
لما يقرب من عقدين من الزمن، كان الرجل الذي أصبح يُعرف باسم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي شخصية محورية في القوة الطاغية التي أصبحت تنظيم الدولة الإسلامية. من مقاتل إلى سجين ومن مُخطِّطٍ استراتيجي إلى قائد، ولم تكن هناك أجزاءٌ كثيرة من التمرُّد لم يكن للجهادي البالغ من العمر 46 عاماً، يد فيها، كما يذكر ذلك تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ولعب القرشي دوراً كبيراً في الاستيلاء على الموصل منتصف عام 2014، والذي أدى نجاحه إلى إصابة دولتين بالشلل، ودبَّر عمليات قتل جماعي للمدنيين الشيعة وعناصر من قوات الأمن العراقية، بحسب الغارديان.
ومثل العديد من قادة داعش، خَدَم القرشي في جيش صدام حسين، حيث كان ضابطاً، وبحكم التعريف عضواً في حزب البعث. ووُصِفَ بأنه أيديولوجي خلال سنواته في جامعة الموصل، حيث درس الشريعة.
سَلَكَ طريقه إلى قيادة داعش في مسارٍ مألوفٍ آخر، حيث قضى فترةً في سجن بوكا الأمريكي بجنوب العراق، حيث التقى سلفه كزعيم لتنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، وآخرين مِمَّن ساعدوه لاحقاً في اعتلاء أكبر دورٍ في التنظيم.
وكان أبو إبراهيم القرشي يعيش بمنزل آمن في بلدة أطمة الحدودية شمالي سوريا، إلى أن قُتل في عملية إنزال نفذتها قوات أمريكية يوم الخميس 3 فبراير/شباط 2022، قبل أن يفجر القرشي نفسه داخل المبنى المكون من 3 طوابق، بحسب ما أعلن الجيش الأمريكي.