اعتبرت عضو البرلمان الأوروبي، الفرنسية سليمة ينبو أن دعوة البرلمان الأوروبي إلى خلق آلية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر صعب التحقق، اعتباراً للمصالح العسكرية والاقتصادية التي تربط عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقالت ينبو لـ"عربي بوست" إنه عادة ما يتم التضحية بحقوق الإنسان مقابل المصالح المشتركة بين بعض الدول الأوروبية ودول تحوم حولها شبهات، مثل مصر، ويتم منح الأولوية للجانبين الاقتصادي والعسكري على حساب انتهاكات الحقوق والحريات.
في هذا السياق، تقول ينبو، وهي منسقة لجنة الشؤون الخارجية من أجل الجوار مع الجنوب في البرلمان الأوروبي: "إن دول الاتحاد الأوروبي لا تعمل دائماً بشكل متضافر، كما أن المفاوضات والتعاملات المستمرة لبعض الدول الأعضاء مثل فرنسا أو إيطاليا مع مصر لا تسير في اتجاه هدف البرلمان الأوروبي".
السلاح مقابل الصمت
ترى النائبة ينبو أن "علاقة مصر بكثير من دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا، تقوم على أسس مصلحية لا تراعي الجانب الحقوقي"، وما يعزز هذا القول هو أعداد صفقات السلاح المتنامية بين الطرفين؛ إذ أصبحت القاهرة شريكاً تجارياً رائداً لباريس مثلاً.
واحتلت مصر المرتبة الثالثة في صادرات المعدات الحربية الفرنسية بأكثر من 6.6 مليار يورو في المبيعات خلال الفترة 2011-2020، بحسب أحدث تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي.
مع الجانب الإيطالي، بدا واضحاً رغبة نظام عبد الفتاح السيسي في إرضاء روما قصد تجاوز تداعيات مقتل الطالب جوليو ريجيني في مصر، والذي اتُهمت عناصر أمن مصرية من قبل منظمات حقوقية دولية بالوقوف وراءه.
تقول ينبو، وهي من برلمانيي الاتحاد الأوروبي الـ 175 الموقعين على مراسلة عبروا من خلالها عن استيائهم من "استمرار فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات ذات مغزى لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر": "لقد طلبت مراراً من الأمين العام من أجل المتوسط، السفير المصري ناصر عباس خلال اجتماعات لجنة الشؤون الخارجية من أجل الجوار مع الجنوب في البرلمان الأوروبي أن يعطيني تعريفاً للدولة المستقرة، فتساءلت؛ هل الدولة المستقرة هي دولة استبدادية تُبقي حكماءها تحت نير السلاح، أم دولة مستقرة بفضل ديمقراطيتها؟ فأجابني بغضب: "بلدنا مستقر، مصر مستقرة"، وهذا هو لب المشكلة في رأيي، أي عندما لا يقوم استقرار بلد ما على أساس حقوق الإنسان الأساسية".
وحول طبيعة الآلية المنتظر اعتمادها، تقول النائبة البرلمانية الأوروبية ينبو لـ"عربي بوست": "من المؤكد أن الآلية يجب أن تستند في إطلاقها على أساس تقارير المنظمات غير الحكومية الحاضرة في الميدان، وعلى التعاون الممكن مع منظمة الأمم المتحدة، والمبادلات البرلمانية، وكذلك التحقيقات الدولية، لكن المراقبة بدون عقوبات ليس لها وزن كبير في الواقع. يجب أن نكون مستعدين لتطبيق العقوبات".
ستون ألفَ سجين رأي
ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013، وبداية النهج القمعي الشديد الذي اتخذته سلطات القاهرة، كان الوضع الحقوقي في مصر موضع إعلانين فقط لمجلس حقوق الإنسان، كما يشير إلى ذلك البرلمانيون. ومن بين هؤلاء حوالي عشرين مسؤولاً منتخباً فرنسياً، بمن فيهم مرشحان في الانتخابات الرئاسية، يانيك جادوت، عن حزب البيئة، ونظيره في الحزب الشيوعي، فابيان روسيل.
وتقدر المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان أن حوالي 60 ألف سجين رأي يقبعون في مراكز الاحتجاز المصرية، غالباً في ظروف مزرية، ويتعرضون لسوء المعاملة وأحياناً للتعذيب، وأن الأشخاص المسجونين والمتهمين بشكل تعسفي بالتخريب أو التخطيط الإرهابي هم من المتعاطفين الإسلاميين، والمعارضين اليساريين، أو نشطاء حقوق الإنسان، أو مجرد أشخاص مجهولين ساقهم سوء الحظ إلى السجن، لأنهم انتقدوا في الشارع أو على منصات التواصل الاجتماعي النظام الحاكم.
ويرى مراقبون أن إطلاق سراح ثلاثة مدافعين عن حقوق الإنسان في مصر في الأسابيع الأخيرة، بمن فيهم الناشط السياسي الفلسطيني المصري رامي شعث، يجب ألا يوهم بحدوث انفراجة حقوقية، بل إن تلك الإجراءات وفق رأيهم، لا تدل على أن النظام القائم في القاهرة مستعد لتقليص ممارساته القمعية، ولكنها تؤكد أن الضغط الدبلوماسي الذي يمارس عليه يؤتي أكله ويجب أن يستمر.
ورداً على رفض مجلس النواب المصري المتواصل للانتقادات الحقوقية الصادرة عن البرلمان الأوروبي لوضع حقوق الإنسان في البلاد وربط ذلك بـ"الضرورة التي تقتضيها محاربة الإرهاب" قالت ينبو وهي من الموقعين على الخطاب، في حديث خاص لـ"عربي بوست" إن الإرهاب هو الشماعة التي يسهل التذرع بها عندما تريد الأنظمة أن تبرر تجاوزاتها، مضيفة أن "الحرب ضد الإرهاب باتت صكاً على بياض للدول الاستبدادية".
آلية عصيّة
تخضع مصر حالياً لـ"المراجعة الدورية الشاملة" فقط، والتي تخضع لها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وذلك بهدف وضع حقوق الإنسان من قبل المجلس المكلف بذلك؛ ولذلك ستكون آلية المراقبة التي دعا إلى اعتمادها النواب الأوروبيون وسيلة إضافية للتحقق من حالة حقوق الإنسان في مصر.
ورداً على الانتقادات الموجهة للبرلمان الأوروبي بخصوص بطء الإجراءات العملية، تقول المتحدثة: "أفهم أن بعض الناس يعتقدون أن الأوان قد فات لأننا لا نتفاعل بالسرعة الكافية إزاء كل تلك المواقف، ولا أخفيك أن من أهم أسباب ذلك ضعف الإرادة الحازمة".
وتضيف ينبو: "لقد تركنا أوضاع جميع البلدان تتأزم لدرجة أننا بتنا نحتاج اليوم إلى مصر لتجديد الإرادة في هذا الباب. وأذكر هنا بلبنان المجاور الذي يكاد يسقط في الهاوية كلياً".
في ظل استمرار تعامل دول الاتحاد الأوروبي الكبرى مع النظام السياسي المصري، يرتاب كثير من الحقوقيين من جدية الخطوات التي يمكن اتخاذها تجاه وضع حقوق الإنسان في مصر، ومن إيجابية نتائجها. تقول النائبة الأوروبية ينبو: "توجد آليات رقابة بل حتى المزيد من العقوبات، لكن العديد من المعوقات تقف في طريق تفعيلها وعلى رأسها المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية، لكن رغم ذلك، فلا شيء مستحيلاً".