كشف تعليق الاتحاد الإفريقي مناقشة منح إسرائيل صفة مراقب عن مدى عمق الانقسام داخل إفريقيا بشأن التغلغل الإسرائيلي، فإلى أين وصل تغلغل تل أبيب، ومَن أبرز الرافضين لها؟
كانت أعمال القمة 35 للاتحاد الإفريقي، التي عُقدت هذا الأسبوع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قد تركزت حول ثلاثة ملفات رئيسية هي: الانقلابات في إفريقيا، وقرار منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد، إضافة إلى ملف كورونا في القارة السمراء، وبصفة خاصة اللقاحات.
وتأسس الاتحاد الإفريقي قبل عقدين من الزمان، ويضم في عضويته 55 دولة، وما زال يسعى إلى حصول القارة السمراء على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، لكن الانقسامات داخل القارة السمراء وتدخلات القوى الكبرى في شؤون القارة الداخلية تؤثر سلباً على كل ما يخص القارة.
كيف حصلت إسرائيل على صفة مراقب؟
صفة مراقب هي امتياز تمنحه بعض المنظمات لغير أعضائها، ويترتب عليه منحهم القدرة على المشاركة في أنشطتها، ولكن من دون التصويت أو اقتراح القرارات. ومنذ تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002، سعت إسرائيل للحصول على صفة مراقب لدى الاتحاد، وهي الصفة التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية، لكن دون جدوى.
لكن في أغسطس/آب 2021، أعلنت إسرائيل أنها حصلت بشكل رسمي على صفة عضو مراقب بالاتحاد الإفريقي بعد أن تقدمت سفارتها لدى إثيوبيا، حيث يقع مقر الأمانة العامة للاتحاد الأفريقي، بأوراق اعتمادها كمراقب لدى مفوضية الاتحاد.
وأصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بياناً قال فيه إن ثلثي دول القارة تقريباً استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وبرر قبول طلب إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي بأنه جاء وفقاً لطلبات تقدمت بها بعض الدول في المنظمة.
وقال موسى فقي محمد إنه يتمنى "أن يسمح هذا الاعتماد لإسرائيل كمراقب بتعزيز موقف الاتحاد الإفريقي من أجل تحقيق مبدأ الدولتين وإقامة السلام المنشود بين الدولتين والشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
لكن هذا الإعلان أثار اعتراض بعض الدول الأعضاء في الاتحاد، وبصفة خاصة الجزائر وجنوب إفريقيا، إذ أصدرت الأخيرة بياناً أعربت فيه عن صدمتها من القرار الذي وصفته بـ"الجائر"، وقالت إنه من غير المفهوم "أن تختار مفوضية الاتحاد الأفريقي مكافأة إسرائيل في وقت كان قمعها للفلسطينيين أكثر وحشية بشكل واضح هذا العام"، في إشارة إلى تهجير عائلات من القدس الشرقية المحتلة والاعتداءات على المسجد الأقصى، وصولاً إلى الحرب على غزة في مايو/أيار 2021.
وقالت جنوب إفريقيا وقتها إنها "ستطلب من رئيس المفوضية تقديم إحاطة إلى جميع الدول الأعضاء بشأن هذا القرار الذي أعربت عن أملها في أن تتم مناقشته من قِبَل المجلس التنفيذي ومؤتمر رؤساء الدول والحكومات".
وشهدت الأشهر السابقة على انعقاد القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي سجالات وجدلاً بين معسكرَين داخل القارة السمراء؛ الأول يرى أن منح تل أبيب صفة عضو مراقب دليل واضح على مدى عمق التغلغل الإسرائيلي داخل أروقة صنع القرار في القارة السمراء ولا بدَّ من التصدي له، ومعسكر آخر يرى أن منح إسرائيل تلك الصفة ما هو إلا إقرار بالأمر الواقع، وأنه لا يؤثر بالضرورة على الموقف من دعم الفلسطينيين.
ماذا حدث في القمة الإفريقية؟
يعقد الاتحاد الإفريقي قمته الدورية كل ستة أشهر، وهكذا كانت تلك القمة رقم 35 هي الأولى بعد أن اتخذ رئيس مفوضية الاتحاد قرار منح إسرائيل صفة مراقب، وتم وضع الأمر على أجندة القمة، وسط انقسامات عميقة بين أعضاء الاتحاد.
وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة السبت 5 فبراير/شباط، اندلعت خلافات علنية بين أعضاء الاتحاد حول علاقة التكتل بإسرائيل، ودافع "فقي" عن موافقته من جانب واحد على قبول طلب إسرائيل للحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، بينما انتقدت جنوب إفريقيا ذلك القرار.
وقالت مذكرة داخلية أعدت للقمة واطلعت عليها رويترز إن نيجيريا والجزائر وجنوب إفريقيا والتكتل الإقليمي للجنوب الإفريقي يضغطون من أجل إلغاء وضع إسرائيل.
بينما قال دبلوماسي إفريقي لرويترز إن جمهورية الكونغو الديمقراطية والمغرب وعدداً من الدول الأخرى تدعم وجود إسرائيل. وكانت المغرب قد أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل نهاية عام 2020، في مقابل اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية.
وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إلى سحب صفة المراقب لإسرائيل، وقال إن هذه الصفة "مكافأة لا تستحقها، وتشجعها على الاستمرار في انتهاكاتها وخرقها للمواثيق والاتفاقات الدولية".
وكان مصدر في الوفد الجزائري المشارك في القمة قد أكد الأحد لوكالة الأناضول "إلغاء" قرار لمفوض الاتحاد موسى فكي بمنح صفة مراقب لإسرائيل، لكن اتضح أن ما تم التوصل إليه في نهاية المطاف هو "تأجيل" مناقشة القضية برمتها.
فالمعركة الدبلوماسية التي قادتها كل من الجزائر وجنوب إفريقيا طيلة أشهر لسحب صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي من إسرائيل أتت أكلها "نسبياً"، لكنها لم تحسم بعد، وإنما تم "إسقاط فكرة التصويت عليها"، بحسب إذاعة فرنسا الدولية، لأن من شأن ذلك تهديد وحدة الاتحاد الإفريقي برمته.
أين يوجد التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا؟
من بين 55 دولة تتمتع بعضوية الاتحاد الإفريقي حالياً، 40 دولة لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بينها جنوب إفريقيا ونيجيريا – المعارضتين لانضمام تل أبيب للتكتل الإفريقي.
لكن لا توجد سفارات لتل أبيب داخل الدول الأربعين في القارة الإفريقية، وإنما في بعض الدول مثل مصر وإريتريا وإثيوبيا والكاميرون والسنغال وجنوب إفريقيا وغانا وساحل العاج وكينيا.
لكن مسألة وجود علاقات دبلوماسية أو حتى سفارات لإسرائيل داخل بعض الدول الإفريقية لا يعني تلقائياً أن تلك الدول تساند منح تل أبيب صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
وأكبر أربع دول ممولة للاتحاد الإفريقي، والمتمثلة في: الجزائر وجنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا، ضد منح إسرائيل صفة مراقب، بالإضافة إلى جميع الدول العربية في شمال إفريقيا باستثناء المغرب، ومعظم دول جنوب القارة السمراء، بحسب الأناضول.
إلا أن عدداً ليس بالقليل من الدول الأعضاء في شرق وغرب إفريقيا تؤيد أو على الأقل لا تمانع في منح تل أبيب هذه الصفة الشرفية. وبالتالي فإن التصويت على منح إسرائيل صفة عضو مراقب كان سيؤدي إلى شرخ داخل الاتحاد الإفريقي ربما يهدد وحدته بصورة غير مسبوقة.
فالتصويت قد لا يكون في صالح الدول الرافضة لقرار موسى فكي، خاصة إذا تطلب ثلث أصوات الدول الأعضاء، بالنظر لحجم التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء. لذلك يمكن اعتبار "تعليق" عضوية إسرائيل الشرفية، وإسقاط التصويت على قرار فكي، نجاحا مؤقتا لكل من الجزائر وجنوب إفريقيا والدول الداعمة لجهودهما.
تأجيل "فتنة" إسرائيل" إلى وقت لاحق
ولتجنب هذا المأزق الدبلوماسي، تقرر تشكيل لجنة من 7 رؤساء أفارقة، بينها 4 دول داعمة لإسرائيل وهي: السنغال (رئيسة الاتحاد الجديدة) وجمهورية الكونغو الديمقراطية (الرئيسة السابقة) ورواندا والكاميرون.
أما الدول الثلاث الأخرى والرافضة لعضوية إسرائيل الشرفية في الاتحاد فهي: الجزائر وجنوب إفريقيا، اللتان تقودان حملة طرد إسرائيل من الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى نيجيريا.
وستتولى هذه اللجنة السباعية إجراء المشاورات في هذا الشأن لمحاولة تنسيق وجهات وتقديم تقريرها في القمة المقبلة المقررة في يوليو/تموز المقبل.
وعلى عكس موضوع عضوية إسرائيل الشرفية، أجمعت الدول الإفريقية على إدانة الانقلابات الأخيرة في القارة السمراء. فلأول مرة يتم تعليق عضوية 4 دول خلال عام واحد فقط، بسبب وقوع انقلابات أطاحت بأنظمتها الدستورية، ويتعلق الأمر بكل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو والسودان.
لكن ما أثار الجدل حول ازدواجية المعايير لدى الاتحاد الإفريقي، استثناؤه تشاد من تعليق عضويتها، رغم أن مجلساً عسكرياً يتولى السلطة منذ مقتل الرئيس إدريس ديبي، في أبريل/نيسان الماضي.
إذ يحظى محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري في تشاد، بدعم فرنسا والدول الإفريقية الخاضعة لنفوذها، خاصة أن حكمه يعد امتداداً لرئاسة والده، وتلعب بلاده دوراً محورياً في الحرب على الإرهاب في منطقتي الساحل وبحيرة تشاد.
وربما ما شفع له لدى الاتحاد الإفريقي تعهُّده بإجراء انتخابات خلال 18 شهراً قابلة للتجديد مرة واحدة، أي أنه بإمكانه البقاء في الحكم لثلاث سنوات على الأكثر، إلا إذا انقلب على خارطة الطريق التي وضعها، كما حدث في مالي.
ويبدو الاتحاد الإفريقي عاجزاً عن كبح موجة الانقلابات التي تجتاح القارة، خاصة في جهتها الغربية، وتعليق عضوية الدول التي شهدت تغييرات غير دستورية لا يشكل رادعاً كبيراً للأنظمة الانقلابية.
وحتى بعد أن فرضت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) عقوبات قاسية على المجلس العسكري في مالي، إلا أن ذلك لم يدفع الأخير للتراجع، بل تحدى "إيكواس" واستغل عقوباتها لاستنهاض الشعور القومي لدى الشعب، لكسب مزيد من التعاطف الداخلي في "مواجهة الضغوطات الخارجية".
ويمثل تولِّي الرئيس السنغالي، ماكي سال، الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي مؤشراً نحو تشدد المنظمة القارية ضد ما تسميه بـ"التغييرات غير الدستورية" لكبح الانقلابات في المنطقة.
الخلاصة هنا هي أن زعماء إفريقيا قد تمكنوا من ترحيل "الفتنة الكبرى" أو "قنبلة إسرائيل" التي كادت تفجِّر قمتهم، لكنهم توحدوا في إدانة موجة الانقلابات التي تجتاح القارة بشكل غير مسبوق خلال عام واحد.