كان مقتل أحدث زعيم لتنظيم "داعش"، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بعيداً عن معقل صعود التنظيم بالعراق في منزل شمال شرقي سوريا، بمثابة ضربةٍ مُوجِعة أخرى للتنظيم الذي لم يتجاوز خمس سنوات وسيطر على أراضٍ كبيرة في كلا البلدين وألقى بظلاله على منطقةٍ بأكملها.
منذ ذلك الحين، كان انهيار التنظيم دراماتيكياً. نظراً إلى عدم قدرته على الاحتفاظ بالأرض، والقضاء على حرسه القديم، وتمزيق موارده المالية، واستنفاد قواعده، يبدو تنظيم الدولة -في ظاهره- كأنه جماعةٌ حان وقت انقضائها. ومع ذلك فهو لا يزال يتربص وسط أنقاض كلا البلدين، حيث يتحرك ببطء ولكن بثبات، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
معركة "سجن الحسكة" تخبرنا بالكثير حول احتمالات نهوض داعش مجدداً
بالنسبة للعديد من الذين يدرسون تنظيم الدولة الإسلامية، بدا أن الهروب من سجن الحسكة الشهر الماضي، في شمال شرقي سوريا، علامة على ما سيحدث في المستقبل. تمكَّن العشرات من السجناء من أفراد التنظيم بسجن الحسكة الواقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية، من التخطيط والتجمع في قلب واحدة من أكبر المدن في شمال شرقي البلاد وأطلقوا محاولة جريئة لتحرير ما يصل إلى ألفي رجل بالداخل. احتدمت معركة السجن لمدة ستة أيام، وبينما عاد في النهاية إلى سيطرة القوات الكردية، كانت الفجوة بين الكارثة والانتصار ضيقة.
كان القتال هو الأول منذ استسلام تنظيم الدولة الإسلامية في بلدة الباغوز بأقصى شرقي سوريا في مارس/آذار 2019، حيث كشفت فلول التنظيم نفسها بشكلٍ جماعي. كان استمرار التنظيم في شنِّ عمليةٍ كبيرة بمركزٍ رئيسي مفاجأةً للبعض، ولكن ليس للقادة الأكراد، الذين حذَّروا من هذا اليوم منذ ورثوا آلاف السجناء من عهد داعش وعشرات الآلاف من أفراد الأسر من المدن والبلدات والقرى على جانبي الحدود العراقية والسورية.
في أواخر العام الماضي، كشفت الرحلة مما كان سابقاً مركزاً للخلافة المزعومة لتنظيم الدولة الإسلامية، عن مجتمعات محطمة وفقيرة بعد ما يقرب من عقدٍ من الاضطرابات. على الجانب العراقي من نهر الفرات، في الأنبار، تعود المظالم إلى ما يقرب من عقدٍ من الزمان بعد إطاحة صدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
رسالة داعش لا تزال تلقى قبولاً لدى البعض
يبقى الموضوع المشترك في كلا البلدين أن المسلمين السُّنة لا يزالون مضطهدين ومستبعدين إلى حدٍّ كبير من عملية سياسية مستوية ودفع إقليمي متصاعد من قبل الطائفة الشيعية الأصغر. بدون أن يتمكن السُّنة من تشكيل نتائجهم بشكلٍ هادف بينما يشاهدون المنافسين السياسيين يعزِّزون مكاسبهم، ستظل رسالة داعش المتمثِّلة في "استعادة المجد والكرامة" المفقودَين قوية بالنسبة للبعض، تماماً كما كان الحال عندما اكتسب التنظيم المتطرف زخمه لأول مرة.
وبالتالي لا يزال التنظيم نشطاً. في محافظة دير الزور، يشن التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية غارات على أهداف داعش في معظم الأيام. وإلى الغرب في روج آفا، تنشغل القوات الكردية أيضاً بمحاولة استئصال الخلايا النائمة ودرء هجمات الكر والفر، وهو نوع من التمرد منخفض الكثافة الذي استخدمته المجموعة بفعالية في العراق من 2004 إلى 2011.
لا يزال خطر التصعيد مع وجود عدد كبير من السجناء والمتعاطفين المُحتمَلين في معسكرات الاعتقال مرتفعاً. وقد حذَّر قادة الميليشيات الكردية في سوريا المدعومة من الولايات المتحدة، من المخاطر الهائلة المتمثلة في السماح للآلاف من رجال وعائلات داعش بالتجمُّع على أراضيهم وحثوا الولايات المتحدة وأوروبا على المساعدة في إيجاد حل.
وعلى الجانب الكردي، تلوح في الأفق أشباح معسكر بوكا بالعراق، وهو مركز الاعتقال الأمريكي بعد الغزو والذي كان بمثابة أكاديمية لأسلاف داعش. كان قرشي هناك من قبل، وكذلك سلفه أبو بكر البغدادي، وخليفته المُعيَّن أبو حسن المهاجر، والرجل الثاني في تنظيم الدولة الإسلامية، سامي جاسم، الذي اعتُقِلَ في إدلب، العام الماضي، وسُلِّمَ إلى القوات العراقية.
اختار القادة الأربعة إدلب ملاذاً لهم. مع وجود العديد من المتجوِّلين الذين يمرون عبر منازل لا توصف للاختباء فيها، فإن العديد من الأعضاء الأكثر التزاماً في الجماعة يعتبرونها الآن وطناً لهم. أصبحت إدلب، نقطة الصفر الجديدة، القريبة جداً من تركيا، إنذاراً جديداً. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تجاهل الخطر المتجمِّع في الظل بأماكن أخرى من سوريا.
من هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؟
ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقريرٍ منفصل، أنه لما يقرب من عقدين من الزمن، كان الرجل الذي أصبح يُعرف باسم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي شخصية محورية في القوة الطاغية التي أصبحت تنظيم الدولة الإسلامية. من مقاتل إلى سجين ومن مُخطِّطٍ استراتيجي إلى قائد، ولم تكن هناك أجزاءٌ كثيرة من التمرُّد لم يكن للجهادي البالغ من العمر 46 عاماً، يد فيها.
كما لعب القرشي دوراً كبيراً في الاستيلاء على الموصل منتصف عام 2014، والذي أدى نجاحه إلى إصابة دولتين بالشلل، ودبَّر عمليات قتل جماعي للمدنيين الشيعة وعناصر من قوات الأمن العراقية، بحسب الغارديان.
ومثل العديد من قادة داعش، خَدَم القرشي في جيش صدام حسين، حيث كان ضابطاً، وبحكم التعريف عضواً في حزب البعث. ووُصِفَ بأنه أيديولوجي خلال سنواته في جامعة الموصل، حيث درس الشريعة.
سَلَكَ طريقه إلى قيادة داعش في مسارٍ مألوفٍ آخر، حيث قضى فترةً في سجن بوكا الأمريكي بجنوب العراق، حيث التقى سلفه كزعيم لتنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، وآخرين مِمَّن ساعدوه لاحقاً في اعتلاء أكبر دورٍ في التنظيم.
كيف وصل القرشي إلى هذه النهاية؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير آخر، إن سوريين أعربوا عن صدمتهم بعدما اكتشفوا أنهم كانوا يعيشون بجوار المنزل، الذي كان يعيش به الزعيم السابق لـ"داعش"، والذي قُتل في عملية أمريكية.
كان أبو إبراهيم الهاشمي القرشي يعيش بمنزل آمن في بلدة أطمة الحدودية شمالي سوريا، إلى أن قُتل في عملية إنزال نفذتها قوات أمريكية يوم الخميس 3 فبراير/شباط 2022، حيث كان المبنى الذي عاش فيه القرشي الذي وصفته الصحيفة بـ"الشبح"، يتألف من ثلاثة طوابق.
عبد الله أمين، أحد السكان المحليين، قال إنهم لم يروا وجه القرشي قط، وأضاف أن "الرجل الذي كان يعيش في الطابق السفلي رأيناه كثيراً. فقد كانت لديه ورشة لإصلاح السيارات في المدينة وكان الناس يذهبون إليه".
والاعتقاد السائد بين السكان المحليين، والذي أيدته جزئياً مصادر أمنية في المنطقة، هو أن هذا الرجل الذي لم يُذكر اسمه كان مساعداً للقرشي، وكان ينقل إليه الرسائل من أشخاص وصلوا إلى أطمة. يُعتقد كذلك أن وتيرة الرسائل قد ازدادت في أعقاب محاولة فرار عناصر من "داعش" من سجن الحسكة، وأن القرشي ساهم فيها وأنه كان يتلقى آخر المستجدات عن سيرها.
سكان البلدة الذين تحدثوا مع الصحيفة البريطانية، قالوا أيضاً إنه لم تظهر أي علامات على وجود غرباء في المدينة ولا أي إشارة إلى أن زعيم "داعش" كان مختبئاً بينهم، وقال عبد الله أمين، أحد سكان البلدة: "ما زلنا مصدومين. أنا أعيش قريباً من هذا المنزل ولم يكن لدي أدنى فكرة".
ونقلت The Guardian عن مسؤول قالت إنه مطلع على عملية اغتيال القرشي، قوله إن زعيم "داعش" السابق "ترك عدة ثغرات أمنية. لكن أهمها كان في الآونة الأخيرة".
هذه النهاية العنيفة لزعيم "داعش" لم تلقَ ردود فعل قوية على الإنترنت بين أعضاء التنظيم، عكس الضجة التي أعقبت وفاة سلفه أبو بكر البغدادي قبل عامين، لكنه أصبح حديث المدينة الحدودية.