فيما يشبه الاعتراف بشأن الدور الإيراني في الهجوم الحوثي على الإمارات، كشف تقرير إعلامي إيراني عن أهداف طهران والحوثيين من هذا الهجوم الأمر الذي يثير تساؤلات حول رد فعل الإمارات على الهجوم، وهل ترد عسكرياً على الحوثيين مباشرة أم عبر حلفائها اليمنيين أم تنصاع للحوثيين وتنفض يدها من المعركة معهم.
وأثار الهجوم الحوثي على الإمارات الذي تمّ شنه مؤخراً بالطائرات دون طيار والصواريخ على أبوظبي القلق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بشأن التهديد المتزايد لتكنولوجيا الطائرات دون طيار الإيرانية.
ويُزعَم أنَّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن مسؤولون عن الهجوم، وبرأت الولايات المتحدة إيران من المسؤولية على الهجوم، لكنَّ بعض التفاصيل الرئيسية تبقى مفقودة من عديد الروايات بشأن كيفية شن الهجوم.
وقدَّم تقرير مطول بوكالة "تسنيم الدولية للأنباء" الإيرانية، المقربة من قوات الحرس الثوري، رواية تفصيلية للهجوم، ومن المرجح أن تكون خلفية هذه الرواية هي التفسير الأكمل حتى الآن للدوافع التي كانت وراء الهجوم وخطوات إيران التالية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ويشير التقرير إلى أن الهجوم الحوثي على الإمارات جزء من الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
الهجوم استهدف منطقة قريبة من قاعدة بها قوات أمريكية وفرنسية
واستخدمت إيران الحوثيين لمهاجمة السعودية مراراً، ونشرت العام الماضي طائرات "شاهد-136" بدون طيار في اليمن. وتملك هذه الطائرات مدى يمكنه بلوغ إسرائيل. وتصل المسافة من اليمن إلى الإمارات، من المكان الذي ربما أُطلِقَت منه الصواريخ أو الطائرات دون طيار، نحو 1300 كيلومتر، بينما المسافة وصولاً إلى إسرائيل نحو ألفي كيلومتر.
وسبق أن استخدم الإيرانيون في سبتمبر/أيلول 2019 طائرات دون طيار وصواريخ كروز في هجوم مماثل استهدف منشأة في مدينة أبقيق السعودية، كان قد جرى تحميل الحوثيين المسؤولية عنه في البداية أيضاً.
تكشف الرواية الإيرانية التي قدمتها وكالة تسنيم قرار النظام الإيراني استخدام اليمن من أجل تهديد السعودية وإسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة.
تملك الولايات المتحدة قاعدة في الظفرة، تقع على بُعد أقل من 10 كيلومترات من منشآت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي استهدفتها الطائرات دون طيار والصواريخ. وتقع المنشآت بجوار منطقة مُصفَّح.
وفقاً لوسائل الإعلام الموالية لإيران، اندلع حريق آخر في مطار أبوظبي الدولي، "ولو أنَّ وسائل الإعلام لم توثق الضرر الواقع في ذلك الهجوم". وقد سقط ثلاثة قتلى في الهجوم وجُرِحَ ستة آخرون. وأشار إعلام حزب الله إلى وجود القوات الأمريكية والفرنسية في القاعدة الجوية القريبة التي تُعَد جزءاً من "القيادة المركزية لسلاح الجو الأمريكي".
يقول تقرير وكالة تسنيم إنَّ "دور الإمارات باعتبارها حليفة السعودية الرئيسية في الحرب باليمن– وفي تدمير البلاد وقتل المدنيين الأبرياء- لا يخفى على أحد". وهذا هو السبب رقم واحد، في نظر إيران، الذي يجعل الهجوم مبرراً.
وفي حين لعبت الإمارات، التي جعلت من نفسها في السنوات الأخيرة لاعباً مهماً في المنطقة، دوراً في الصراع اليمني، فإنَّ سياسات أبوظبي خلال العامين الماضيين تباينت عن الدور السعودي. إذ أعلنت الإمارات انسحاب قواتها من اليمن، ولكنها ظلت تدعم قوى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
الهدف من الهجوم الحوثي على الإمارات
الضربة الجديدة لمطار دبي مرتبطة بالمعارك الدائرة في منطقة شبوة ومحيطها. فهناك تحقق ألوية العمالقة، المدعومة من الإمارات، تقدماً ملحوظاً في المعارك مع الحوثيين، حسبما ورد في تقرير لموقع "دويتش فيليه الألماني".
فلقد حققت القوات المدعومة من الإمارات في الأسابيع الأخيرة مكاسب مثيرة للإعجاب في شبوة. وهدد الحوثيون بالتصعيد، واستولوا على سفينة إماراتية قبالة الساحل ونشروا مقاطع رسوم متحركة تُظهِر استهداف اليمن لدبي.
ويقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي إن "معركة شبوة قامت بتغيير معادلة الصراع في اليمن"، مشيراً الى أن دخول قوات العمالقة أدى إلى "عكس التقدم العسكري" الذي حققه الحوثيون على الأرض في الفترة السابقة.
وبحسب المذحجي، فإن ذلك "أثار خوف وقلق الحوثيين بشدة، ودفع (بهم) إلى إرسال هذه الرسالة العسكرية إلى قلب الإمارات". فالحوثيون يريدون وقف تلك المعارك وإجبار الإمارات على التفاوض.
وتدَّعي وسائل الإعلام الإيرانية أنَّ الإمارات قامت "بخدعة في ما يتعلَّق بالانسحاب من اليمن". فقالت وكالة تسنيم الإيرانية: "واصلت الإمارات، التي تدَّعي الانسحاب من الحرب اليمنية منذ منتصف 2019، خططها لاحتلال البلاد، مثلما يتضح مما تصفه وسائل الإعلام الإيرانية جشع الإمارات المتصاعد في جنوب اليمن. بالإضافة إلى ذلك، تفتح الإمارات الجزر اليمنية أمام إسرائيل وتحاول تغيير الأوضاع الديموغرافية في مناطق اليمن الجنوبية"، حسب الرواية الإيرانية.
وادَّعت وكالة Associated Press (أسوشيتد برس) الأمريكية في مايو/أيار الماضي بناء قاعدة جوية جديدة في جزيرة ميون الاستراتيجية التي تقع في مدخل البحر الأحمر. وزعم كثيرون أنَّها مرتبطة بالإمارات.
الإمارات كانت قلقة بالفعل من هجمات الحوثيين
شعر الإماراتيون بالقلق منذ 2018، حين استهدفهم الحوثيون لأول مرة. وقد هاجم الحوثيون بالفعل حقل الشيبة النفطي بالسعودية في أغسطس/آب 2019 وهددوا الإمارات في سبتمبر/أيلول 2019.
تعتقد إيران أنَّ الحرب تحولت العام الماضي لصالح الحوثيين، الذين تدعوهم "الجيش اليمني" و"أنصار الله". وتقول طهران إنَّه "منذ 2019، حين بدأت ذروة هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار اليمنية في عمق السعودية، كانت الإمارات قلقة للغاية من تكرار هذا السيناريو لديها".
و"السيناريو" المقصود هنا هو تكرار هجوم أبقيق والهجمات الأخرى على السعودية. وساهمت إيران في تعزيز برنامج الطائرات دون طيار الحوثية منذ 2017. وصعَّد الحوثيون هجماتهم على المملكة. في الحقيقة، استخدمت إيران في عام 2019 أيضاً كتائب حزب الله في العراق لمهاجمة السعودية باستخدام الطائرات دون طيار. ثُمَّ وُصِفَ الهجوم بعد ذلك بأنَّه آتٍ من اليمن.
وحسابات إيران هنا واضحة. فقالت وكالة تسنيم: "تعي الإمارات، التي تجني معظم دخلها من السياحة والاستثمارات الأجنبية وأبراجها الضخمة، جيداً أنَّ أي خطوة خاطئة في اليمن سيكون لها تداعيات لا تُحتَمَل. في الواقع، هذه المنشآت الاقتصادية بالإمارات إضافة إلى الاستثمارات في اليمن هي كعب أخيل (نقطة ضعف) البلاد في حرب اليمن".
وتستنتج إيران أنَّ الإمارات كانت تريد مواصلة دورها في اليمن لكنَّها "قلقة للغاية بشأن خطوة الحوثيين باستهداف العمق الإماراتي"، وبالفعل تحققت أسوأ مخاوفها.
ويقول التقرير الإيراني إنَّ الإمارات كانت قلقة من "المشاركة علناً في عدوان التحالف السعودي على اليمن، وحوَّلت تركيزها إلى موانئ البلاد الجنوبية. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنَّه كان هناك وقف إطلاق نار غير مكتوب وغير رسمي بين أبوظبي وصنعاء خلال هذه السنوات، شريطة، بطبيعة الحال، عدم اتخاذ الجانب الإماراتي أي عمل هجومي ضد الحوثيين".
وبلغ التفاهم غير الرسمي بين الحوثيين والإمارات ذروته، عندما انسحب عدد من الألوية العسكرية الحليفة للإمارات من الحديدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 من دون سبب معروف لتترك قوات الحكومة الشرعية بمواجهة الحوثيين، رغم أن الإمارات كانت قد قامت بعملية عسكرية كبيرة للسيطرة على الميناء في عام 2017، وكلفت هذه المعارك التحالف العربي تكلفة كبيرة وخسائرة كبيرة في القوات اليمنية الموالية للحكومة الشرعية.
وأدى انسحاب القوات التابعة للإمارات من الحديدة إلى استيلاء الحوثيين عليها؛ مما سهل لهم العمليات في البحر وأصاب قوات الحكومة الشرعية والتحالف العربي بنكسة ظهرت واضحة في محافظة مأرب الاستراتيجية.
ولكن تدخل لواء العمالقة الذي لا يمكن أن يتم بدون توجيه إماراتي، قلب المعادلة ضد الحوثيين، ومن هنا قرَّر الحوثيون أنَّ نجاح القوات المدعومة من الإمارات في الأسابيع الأخيرة يمثل انتهاكاً لهذا التفاهم غير المكتوب.
ويعتقد الحوثيون أنَّه يمكنهم دفع الإماراتيين للانسحاب أو وقف أعمالهم ودعمهم للقوات الموالية لهم بضربة واحدة.
فيقول تقرير الوكالة الإيرانية: "تزايدت التحركات الإماراتية المشبوهة في الحرب اليمنية، ونتيجة لذلك، عاود الحوثيون استهداف الإمارات".
يُسمِّي الحوثيون هذه العمليات "الرادعة"، وهم على الأرجح يتلقون توجيهاً مباشراً من إيران لتنفيذها، حسب صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
والآن، يقول الحوثيون إنَّهم سيزيدون احتمالية ضرب الإمارات. وتصف وسائل الإعلام الإيرانية هذه العملية بأنَّها النوع الثامن من "الردع"، وتدَّعي أنَّ الهدف منها هو إظهار أنَّ "الإمارات لن تكون محصنة من الهجمات الاستراتيجية لأنصار الله". ويحذر تقرير وكالة تسنيم الإماراتيين من دعم أي هجمات إضافية في اليمن.
ويشير التقرير أيضاً إلى أنَّ الحوثيون استولوا على سفينة إماراتية قبالة الساحل. ويتهمون السفينة بـ"حمل معدات عسكرية في البحر الأحمر، في إشارة إلى بدء مرحلة جديدة في الحرب اليمنية في السنة الجديدة". ويُولي الحوثيون أهمية كبيرة لنقل السفينة إلى اليمن عقب مداهمتها. ويقول التقرير: "بشنِّهم هذه العملية، أظهر الحوثيون، الذين أوقعوا خسائر فادحة بالتحالف السعودي في الهجمات الجوية والبرية في السنوات الأخيرة، هذه المرة قدرتهم على مهاجمة خصومهم بحراً".
الحوثيون يحذرون الأجانب المقيمين في الإمارات، ويبعثون برسالة للأمريكيين
يقول التقرير إنَّ "العملية نُفِّذَت بنجاح باستخدام خمسة صواريخ باليستية وكروز وعدد كبير من الطائرات دون طيار".
وهذه تفصيلة رئيسية. ويقول الحوثيون "إنَّنا نحذر الشركات والمواطنين والمقيمين الأجانب في الإمارات بالبقاء بعيداً عن المواقع الحساسة لإنقاذ أرواحهم. إنَّنا نعلن أنَّ الإمارات ستكون بلداً غير آمن إذا استمرت الهجمات على اليمن".
ووفقاً للتقرير الإيراني، فإنَّ هذه "رسالة استراتيجية". فهي تُظهِر أنَّ بإمكانهم الضرب عميقاً داخل الإمارات، على مرمى حجر من القوات الأمريكية في الظفرة. وتدَّعي وسائل الإعلام الإيرانية نجاحات عدة في الهجوم الأخير. أولاً، تدَّعي أنَّ الإمارات أخطأت التقدير ولم تظن أنَّ الحوثيين "سيكونون قادرين على تنفيذ هذه التهديدات. لكنَّ الهجوم أظهر أنَّ الحوثيين لا يعرفون حدوداً في تنفيذ تهديداتهم وقد أصبحوا قوة كبرى"، حسب تعبير الصحيفة الإيرانية.
وتقول إيران إنَّ العملية هي البداية لـ"مرحلة خطيرة جديدة للإمارات في الحرب اليمنية، وعلى الشعب الإماراتي أن يقلق باستمرار بشأن حماية منشآته الحيوية" في نوع من الابتزاز والضغط. الذي سبق أن فعلته إيران من قبل عبر تنفيذ هجمات على السفن قبالة الساحل الإماراتي في مايو/أيار 2019. واستخدمت طهران أيضاً طائرة دون طيار لمهاجمة سفينة في خليج عُمان في يوليو/تموز 2021، ما أسفر عن مقتل شخصين.
لماذا استهدف الحوثيون هذه المنطقة تحديداً؟
تقول وسائل الإعلام الإيرانية إنَّ الحوثيين حللوا الأهداف الإماراتية وخلصوا إلى أنَّ "منطقة المصفاة الصناعية في أبوظبي، التي استُهدِفَت، هي أبرز منطقة صناعية في الإمارات. ويقع أقدم موانئ الإمارات في نفس المدينة، حيث توجد شركات ومصانع كبرى للتشييد والصناعات الثقيلة، ومصانع وشركات للصناعات الخفيفة وشبه الثقيلة، وشركات تكنولوجيا وهندسة صناعية دولية كبرى (عادةً ما تكون أمريكية وأوروبية)، وشركات وصناعات (التكنولوجيا الفائقة)". لقد صُمِّم هذا الهجوم ليكون شبيهاً بهجوم "بيرل هاربور" الذي نفذه اليابانيون ضد أمريكا في مستهل الحرب العالمية الثانية.
يقول التقرير إنَّ الإمارات استثمرت بقوة في هذه المناطق، "لا سيما في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويُعَد جزء آخر من المنطقة مركزاً لشركات السيارات الكبرى مثل Audi وMercedes-Benz وBentley".
وخلُص التقرير الإيراني إلى أن الحوثيين سيضربون الإمارات أكثر فأكثر ما لم يحصلوا على ما يريدون، وهو وقف العمليات على جبهة شبوة، حيث تدعم الإمارات القوات اليمنية الشرعية.
والمغزى هو أنَّ نصيحة الإيرانيين للحوثيين هي أن يستخدموا الهجوم على الإمارات من أجل وقف معركة شبوة حتى يمكنهم السيطرة على مأرب. إنَّه هجوم استراتيجي لتحقيق هدف تكتيكي.
ويزعم الحوثيون المدعومون من إيران أنَّ الهجمات التالية ستكون أسوأ ما لم تفعل الإمارات ما يريدون.
هدف إيران من هجوم الإمارات هو أنَّها تريد إعادة تشكيل المنطقة وإظهار أنَّه بإمكاننا استهداف أي بلد عبر هجوم مباشر أو من خلال وكلائها في لبنان وغزة واليمن والعراق وسوريا. لقد كان الهجوم على أبوظبي رسالة للمنطقة والولايات المتحدة وكذلك للإمارات.
رغم امتلاكها قوة عسكرية كفؤة، الإمارات لديها نقطة ضعف كبيرة
تهدف إيران والحوثيون من هذا الهجوم لاستغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات، فرغم أنها تمتلك واحداً من أكفأ جيوش منطقة الخليج، وتواصل مراكمة السلاح مثلما بدا من صفقتها لشراء طائرات رافال الفرنسية وقبلها مساعيها لشراء إف 35 الأمريكية، وأخيراً شراء صواريخ مضادة للطائرات والصورايخ من كوريا الجنوبية، فإن نقطة ضعف الإمارات هي أنها أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً خاصة في مجالات السياحة والعقارات والتجارة والصناعة ذات البعد الدولي.
وتقدم الإمارات نفسها كملاذ آمن للاستثمارات ومقر للشركات الدولية بالمنطقة، كل ذلك في حال أي هجوم عليها يصبح ذا تأثير معنوي مضاعف، فلا يمكن أن السائحين أو المستثمرين الأجانب سيسأتون إلى دبي وهي معرضة لهجمات صاروخية حتى لو كانت خسائرها البشرية محدودة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مديرة "منتدى الخليج الدولي" للأبحاث دانيا ظافر قولها: "يبدو أن الحوثيين يعرفون أن سمعة الإمارات في صميم أهدافها الاستراتيجية" مشيرة إلى أنهم "يأملون في تحقيق ضربة موجعة مع تكلفة متدنية لهم".
هل حقق الحوثيون هدفهم من الهجوم؟
حتى الآن، فإن رد فعل الإماراتيين يبدو سياسياً بالأساس، ورغم حديث الإمارات عن احتفاظها بحق الرد إلا أنها تبدو كتصريحات لحفظ ماء الوجه، وتشبه إعلان النظام السوري تاريخياً ضد إسرائيل باحتفاظه بحق الرد عقب كل هجوم لها على أهدافه دون تنفيذ جدي لهذا التهديد.
وعقب الهجوم الحوثي، شن التحالف العربي الذي تقوده السعودية قصفاً مكثفاً على مواقع حوثية. وذكرت وسائل إعلام محلية يمنية، أن ضربات التحالف استهدفت العميد عبد الله الجنيد، مدير كلية الطيران في صنعاء، والذي يعتبر أحد المشرفين على الطائرات المسيرة عند الحوثيين.
وكان لافتاً أن الرد جاء من السعودية وليس الإمارات التي لديها أسباب عديدة لعدم التصعيد.
وقال جيمس سوانستون المحلل الاقتصادي لأسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، ومقرها لندن، لموقع زاوية عربي: "لو استمرت الهجمات قد يكون هناك بعض التحفظ من السائحين حيال السفر إلى الإمارات".
وأضاف: "نظراً لأن الاقتصاد (الإماراتي) نسبياً معتمد على السياحة"، قد يؤثر المزيد من الهجمات بالسلب على تعافي قطاعات مختلفة من تأثير الجائحة.
وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية، بلغت مساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات 11.6%، فيما بلغت عائداته قرابة 180.4 مليار درهم (49.1 مليار دولار) في عام 2019، قبل أن يتأثر القطاع بالجائحة وتنخفض مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي الي 5.4%.
من جانب آخر، حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات مرتكز بشكل مباشر على إنتاج النفط والغاز، وفقاً لمنظمة أوبك.
وعلق سوانستون قائلاً: "لو تركزت الهجمات على منشآت الإمارات لإنتاج النفط وأثرت على الإنتاج، مثلما حدث في الهجوم على منشأة (محافظة) بقيق في السعودية في 2019، سيكون هناك تهديد بتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للإمارات".
وقال سيدريك بيري المدير المساعد بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، ومقرها نيويورك إن تكرار الهجمات قد يكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الإماراتي، مؤكداً أن هذا سيناريو ليس هو الأكثر توقعاً لدى وكالة التصنيف الأمريكية.
واستكمل بيري: "قد تنخفض شهية المستثمرين الأجانب تجاه الأصول في الإمارات، في الوقت الذي تحاول فيه كيانات ذات صلة بالحكومة أن تبيع حصصاً في أصول أساسية لتحسين ميزانيتها العمومية، وإمارات مثل دبي تخطط لطرح بعض الكيانات ذات صلة بالحكومة في البورصة".
وأضاف بيري: "قد تكون هناك تكلفة مالية هامة في حالة أن الإمارات قررت أن ترد بزيادة تواجدها العسكري في اليمن، وهو أمر مستبعد. نحن نقدر أن الانسحاب الجزئي من اليمن في 2020 حقق وفورات في الميزانية بلغت 3-4% من الناتج المحلي الإجمالي (لإمارة) أبوظبي".
ويرى الخبير فايز الدوري، في حديث لـDW عربية، أن المعطيات الأمنية والاستخباراتية الإماراتية لم تكن دقيقة في تقييم الموقف مما أفضى إلى هذه الثغرة. ومن ناحية أخرى، لا توجد قوات دفاع جوي في العالم بأسره تستطيع العمل على مدار الساعة لمدة طويلة، وبالتالي فإن الحوثيين سيجدون كل فترة ثغرة يضربون من خلالها العمق الإماراتي، كما يفعلون مع السعودية منذ سنوات.
فالهجمات الحوثية تتكرر على الأراضي السعودية. ولكن "هذا لا يعني التقليل من شأن القوات الإماراتية"، كما يقول الخبير العسكري الأردني.
هل سترد الإمارات؟
وبعد الهجوم الحوثي على الإمارات، طلبت أبوظبي من واشنطن إعادة إدراج جماعة أنصار الله الحوثية على قائمة الإرهاب.
ولكن العديد من المراقبين يرون أن اهتمام الإمارات ينحصر في الجنوب اليمني، وهي تعمل على خطة بعيدة المدى، وبالتالي فلن تتسرع في أي رد، ولن تتخلى بسهولة عن خطتها. وما يمكن أن تقوم به الإمارات هو ممارسة ضغط سياسي أكبر على الحوثيين، من خلال حلفائها في اليمن.
وتراجعت الإمارات مؤخراً عن سياستها التصعيد ومالت للتهدئة مع إيران والمصالحة مع تركيا، وسط مؤشرات تفيد بتركيزها على التنمية الاقتصادية، ورد إماراتي قاس على الهجوم الحوثي يهدد بتكرار الهجوم، والمرة الثانية ذات تأثير أكبر بكثير على الاقتصاد.
ولكن مشكلة الإمارات أن الحوثيين يريدونها أن تكف يد حلفائها اليمنيين عن التدخل في الصراع في مأرب وشبوه، لتترك لهم فرصة الانفراد بقوات الحكومة الشرعية وحلفائها؛ وهو ما قد يؤدي فعلياً إلى حسمهم للحرب في شمال اليمن، والتوجه بعد ذلك نحو جنوب البلاد، حيث يتركز حلفاؤها ومعاقل نفوذها.
وبالتالي، فلو سحبت أبوظبي حلفاءها من المعركة ضد الحوثيين، لن تضمن ألا يستديروا بعد ذلك عليهم.