يقف الاقتصاد التونسي على حافة الانهيار، فكل الأرقام والمؤشرات تؤكد أن الإصلاح السياسي أصبح ضرورة حتى تحقق البلاد الحد الأدنى من التوازن المالي.
ومع خروج سنة 2021 السنة التي عاش فيها الاقتصاد التونسي أسوأ أزماته منذ الاستقلال، دخلت سنة 2022 حاملة معها أزمات أخرى، علّ أبرزها وضع صندوق النقد الدولي لشروط مقابل منح قروضٍ مالية.
وحسب الآراء التي استقاها "عربي بوست" من مصادره الخاصة، فإن الرئيس التونسي قيس سعيّد لن يستطيع مجاراة شروط صندوق النقد الدولي إلا إذا قام بـ"إصلاحات عميقة جداً".
شروط تعجيزية أمام الرئيس
طلب ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، من تونس البلد الساعي للحصول على مصادر تمويل دولية القيام بإصلاحات عميقة جداً.
وللحصول على هذه التمويلات طالب المتحدث في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية بـ"خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم".
وقال المتحدث إنه "بالإضافة إلى الإجراءات الاستثنائية التي يطبقها الرئيس وترفضها القوى السياسية بالبلاد، فإن تونس عرفت بسبب جائحة كوفيد-19 أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها في العام 1956".
وأشار المتحدث إلى أن "مشكلات البلاد كانت سابقة للجائحة، ولا سيما العجز في الميزانية والدين العام الذي بلغ حوالي 100 % من إجمالي الناتج المحلي نهاية العام 2021".
ما الذي يمكن أن تقوم به تونس؟
لم يعد أمام الحكومة التونسية من حل سوى الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي حتى تتفادى الإفلاس وانهيار الاقتصاد التونسي، وذلك عن طريق تقليص عجز الميزانية، وتعبئة الموارد المالية.
الخبير الاقتصادي أرام بالحاج قال إن "صندوق النقد الدولي سيكون هذه المرة أكثر صرامة في فرض شروطه على تونس، لأنه اتعظ من تجارب الحكومات السابقة التي أخلت بالتزاماتها".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "صندوق النقد الدولي أصبح يشترط في الشكل وفي المضمون، ويشترط الحوار مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين مثل اتحاد الشغل، ومنظمة الأعراف وهذا لم يفعله في السابق".
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل هو أكبر منظمة نقابية تونسية يترأسها نور الدين الطبوبي، ومنظمة الأعراف هو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الإشكال ليس هو هل ستنفذ تونس هذه الشروط؟ ولكن الإشكال في طريقة تنفيذ هذه الشروط، والمطلوب هنا خطة إنقاذ تونسية- تونسية حول طريقة تنفيذ الإصلاحات الضرورية".
وقال المتحدث في تصريحه إن الاقتصاد التونسي يعاني، ويجب إشراك كل الأطراف المتداخلة في العملية الإصلاحية، وإجراء حوار حول الإصلاحات الكبرى بصورة شفافة.
اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف
عبر صندوق النقد الدولي عن استيائه من التصرف المالي في القروض خلال العشرية الماضية، لأن أغلب القروض التي منحها لتونس صُرفت في زيادات غير مستحقة للأجور مما زاد تعميق الأزمة.
الخبير الاقتصادي عادل السمعلي قال إن "صندوق النقد الدولي قد اشترط ولأول مرة تشريك اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف في المفاوضات، وفي الإمضاء على التزامات الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي حتى لا تذهب القروض الجديدة المزمع منحها لتونس في أشياء لا تستحق".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "هذه الشروط الجديدة توحي بأن خبراء صندوق النقد الدولي على علم وبينة بدور اتحاد الشغل وقدرته على إفشال أي إصلاح اقتصادي إذا كان غير راضٍ أو يعارض شروط التمويل".
وخير دليل على ذلك، يقول المتحدث إن "اللقاء الأخير بين قيس سعيّد ونور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي بعد طول جفاء، هذا اللقاء الذي يندرج في إطار الدور الذي يلعبه الاتحاد".
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "الرئيس يُحاول استمالة الأمين العام لاتحاد الشغل لإقناعه بشروط صندوق النقد الدولي، خاصة أن الاتحاد سبق له في الفترة الأخيرة إصدار بيان ندد فيه بتوصيات وتدابير صندوق النقد الدولي لحل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة في تونس".
الأزمة الاقتصادية ونهاية الرئيس
كل الآراء المؤشرات في تونس تؤكد أن الأزمة الاقتصادية ستكون حاسمة لإنهاء الوضعية الاستثنائية التي وضعها قيس سعيّد في تونس، خصوصاً أن هذه الأزمة تفاقمت بعد 25 يوليو/تموز 2021.
عبد الوهاب معطر، وزير التجارة الأسبق في حكومة علي العريض في تونس، قال إن "وضع الاقتصاد التونسي مهدد بالإفلاس والانفجار الاجتماعي، وتفاقم المديونية سيضرب سعيد في مقتل".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "صندوق النقد الدولي طالب بنوع من الاستقرار السياسي، وبعودة المؤسسات الديمقراطية والبرلمان، وهذا ما يرفضه سعيد، وهو إشكال حقيقي في علاقتنا بهذه المؤسسة المالية العالمية".
وأضاف المتحدث أن "سعيد وضع بينه وبين صندوق النقد الدولي حاجزاً، ورفض التعامل معه، وهو لا يدرك أن هذا التعنت لن يُمكنه من الولوج إلى السوق المالية العالمية لتعبئة الموارد المالية".
الاقتصاد التونسي والمواطن.. من المتضرر؟
إن هذه التوصيات أو الشروط أو الإصلاحات الاقتصادية ستؤثر بشكل مباشر على المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود أو المتوسط.
الخبير الاقتصادي عادل السمعلي قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "إلغاء الدعم سيؤدي حتماً إلى المساس بالقدرة الشرائية للمواطن وإلى غلاء للأسعار، وهذا سيُشكل مصدراً للتوتر السياسي، وعدم الاستقرار الاجتماعي".
من جهته اعتبر الخبير الاقتصادي أرام بلحاج أن "المواطن هو من سيدفع فاتورة هذه الإصلاحات الاقتصادية، وارتفاع الأسعار سيتواصل حسب البنك المركزي التونسي، وهو ناتج عن ارتفاع المواد الأولية من جهة، وعن التهريب والاحتكار من جهة أخرى".
بالأرقام يعيش الاقتصاد التونسي أسوأ أزماته وأشدها حدة، فمن المتوقع أن يصل عجز ميزانية الدولة إلى 9.7 مليار من الدولارات في 2021، وارتفعت حاجيات الاقتراض الإجمالي إلى 21.1 مليار دينار، كما تبلغ كتلة الأجور 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة الدين الخارجي 85.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021.
أما القروض المبرمجة لسنة 2022 فنجد 19983 مليون دينار مقسمة بين 12652 مليون دينار قروضاً خارجية، و7331 مليون دينار قروضاً داخلية (وهي مبالغ من الصعب الحصول عليها).
كما أصبحت الدولة تجد إشكالاً كبيراً في صرف أجور الموظفين مع غياب أي مصادر للتمويل، والدولة في حاجة خلال أيام قليلة إلى 1400 مليون دينار إضافية لصرف أجور شهر يناير/كانون الثاني 2022.
ومنذ تشكيلها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، طلبت حكومة نجلاء بودن من صندوق النقد الدولي برنامج مساعدة جديداً، لكن فاشيه أكد أن المباحثات لا تزال في مرحلة تمهيدية، إذ إن صندوق النقد الدولي يريد أولاً "معرفة نوايا (السلطات) على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، لأن ثمة حاجة إلى إصلاحات بنيوية عميقة جداً".