في الغابة الرأسمالية يتحول البشر لنوعين فقط، إما الخراف، وإما الذئاب، وبين هذا وذاك لا وجود لتلك الكلاب التي تحمي الخراف، وكذلك ذئاب هذه الغابة لا تريد أكل الخراف دفعة واحدة، فكما ترى هي ذئاب جائعة للمال لا اللحم، وذبح الخراف سيحرمها من مكاسب استعبادها، لذا في هذه الغابة، تستعبد الذئاب الخرافَ ولا تأكلها.
يمكنني القول إن الفقرة السابقة تُلخص فيلم 7 prisoners الذي سنتحدث عنه، ولكن مع ذلك دعنا ندلف داخل بعض تفاصيله، فربما نتبين قبساً من ضوء يجعلنا نفهم طبيعة الحياة في هذه الغابة الرأسمالية.
عن فيلم 7 Prisoners
يحكي فيلم 7 prisoners الصادر يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021 عن ماتيوس، الشاب ذي الثمانية عشر عاماً، والذي قرر ترك منزل عائلته الفقيرة في الريف كي يقبل عملاً في ساحة خردة وسط مدينة ساو باولو البرازيلية، في عمله الجديد يقابل رئيسه لوكا، الذي يكتشف ماتيوس فيما بعد أنه ليس سوى تاجر بشر استعبده هو وأصدقاءه خلف أسوار الساحة، يسعى ماتيوس للهروب بطبيعة الحال، لكن ظروف عائلته وواقعه المأساوي يجعلانه يصارع نفسه لأجل النجاة.
ومع ذلك الصراع يجد ماتيوس نفسه أمام خيار صعب، عليه الاختيار بين أن يكون ذئباً بشرياً، أو يكمل حياته كخروف يُساق كل يوم للعمل، وبين هذين الخيارين يتأرجح ضمير الفتى، ليدرك في النهاية الحقيقة الصعبة، ففي هذه الغابة، الذئاب فقط من تستطيع أن تنعم بكل ما تحمله كلمة حرية من معنى.
عن الحرية والعبودية
إن البشر في عين الرأسمالية ليسوا حياة أو روحاً، ليسوا معنى أو قيمة، بل هم مجرد منتج أو آلة، وكأي منتج يمكن تسعيرهم وبيعهم والاستثمار فيهم، وهكذا وسط غابة الرأسمالية يصبح البشر أشبه بالجماد، وتختفي مشاعرهم وأحلامهم، وطموحاتهم وفرديتهم، فيراهم السوق خاضعين للعرض والطلب، والبيع والشراء.
وهذه الحقيقة المُرة أدركها الشاب ماتيوس حينما وجد نفسه عبداً، باعه صديق بعيد لمن دفع أعلى ثمن، وفي نير العبودية لا يملك الإنسان سوى شعوره بالقيد حول يديه ورقبته، فينشد حرية ظنها سابقاً حقيقة أبدية تعيش معه ما كان موجوداً على هذه الأرض، والآن أصبحت حلماً بعيد المنال، ضوءاً وهمياً وسط ليلة ظلماء، فيدرك العقل أن الحرية بثمن وثمنها يحددها مستعبده.
وبالنسبة إلى ماتيوس، كان ثمن حريته هو الخيار الذي اتخذه بأن يكون ذئباً! فيسلخ جلد الخروف من فوق عظامه، ويترك وراءه شخصية الشاب الحالم الذي لطالما أراد أن يكون طياراً أو مهندساً، ثم عليه أن يرتدي جلد الذئب، فيبيع أصدقاءه مقابل حفنة دولارات، يقايض حريتهم مقابل زجاجة جعة باردة، أو يجلد ظهورهم مقابل كلمة مدح من رئيسه، وبمجرد أن يأسر الذئب الصغير ضحيته الأولى، حينها يعلن أنه قد بلغ حقاً، وقد فعل ماتيوس ذلك بالفعل.
إن البيئة الرأسمالية تخلق تنافساً حول مفهوم المنتج، وحين يصبح ذلك المنتج بشراً تتحول هذه البيئة لعبودية حديثة لا تختلف في شيء عن العبودية القديمة، والتي ظننا أننا قد أنهيناها بأيدينا، لكن الحقيقة المرة أنها لم تنتهِ بعد، بل أخذت شكلاً آخر فقط.
في النهاية
حينما قال المخرج البرازيلي الأمريكي ألكساندر موراتو عام 2020، في أحد لقاءاته، إنه سيصنع فيلماً عن قضية الاتجار بالبشر في البرازيل، لم أظن أن فيلمه سيستطيع اختراق وتحليل تلك العقدة الإنسانية التي تجعل بشراً يستعبد بشراً مثله لأجل المال فقط.
ولكن حين شاهدت الفيلم كنت في حالة ذهول من تلك اللوحة التي رسمها المخرج بريشته لتلك الأنفس التي تتحول وتتغير كموج تقوده ريح النجاة، فيجد نفسه قد تحول من ملاك إلى شيطان.
كانت هذه تجربتي الأولى مع المخرج، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.