تتسبَّب جائحة كوفيد-19 في توسيع الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وهو اتجاهٌ يهدِّد بعكس تأثير سنواتٍ من التقدُّم الاقتصادي وإعاقة الجهود المبذولة للتخفيف من حِدَّة الفقر العالمي.
فلقد دفعت الجائحة الاقتصاد العالمي إلى الركود في عام 2020، لكن الدول الأغنى تعافَت بشكلٍ أسرع من الدول الفقيرة، وذلك بفضل الوصول واسع النطاق إلى اللقاحات والبرامج الكبرى لدعم الشركات والعمال أثناء الإغلاق، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
كيف ازدادت الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة بسبب كورونا؟
واستعاد الاقتصاد الأمريكي حجمه الذي كان عليه قبل انتشار الجائحة في الربع الثاني من عام 2021، ومن المُتوقَّع أن تحذو معظم الاقتصادات الكبرى الأخرى حذوه في عام 2022، إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل.
ومع ذلك، قد تستغرق اقتصادات العديد من الدول النامية سنوات لاستعادة حجمها الذي كانت عليه في عام 2019. وقد أطلق صندوق النقد الدولي على الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة الآخذة في الاتساع "التفاوت الكبير".
ويشير متحوِّر أوميكرون من فيروس كوفيد-19، الذي رُصِدَ لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني في جنوب إفريقيا، إلى تحدٍّ جديد. انتشر المتحوِّر بسرعة في جميع أنحاء العالم، ما أدَّى إلى إزاحة السلالات القديمة، مثل دلتا، نظراً لارتفاع قابليته للانتقال وقدرته على التهرُّب جزئياً من المناعة الممنوحة عن طريق التطعيم أو العدوى السابقة.
وتشير مجموعةٌ متزايدةٌ من الأدلة إلى أن أوميكرون يسبب مرضاً أقل خطورة من سابقيه. ومع ذلك، لا يزال المتحوِّر لديه القدرة على التسبُّب في موجاتٍ من المرض، في وقتٍ تكون فيه الدول الأكثر ثراءً، مع إمكانية وصولها إلى اللقاحات وتمتُّعها بأنظمة رعاية صحية متطوِّرة، مُجهَّزةً بشكلٍ أفضل من الدول الفقيرة للتعامل مع المتحوِّر.
مع بدء انحسار "كورونا" نسبياً، فإن التضخم يهدد الاقتصاد العالمي، حيث شهد الاقتصاد العالمي ارتفاعاً في التضخم هو الأسرع منذ 2008، مع إنفاق تريليونات الدولارات على شكل حزم تحفيز من الحكومات والبنوك المركزية، في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
الجائحة تطيح بآثار عقدين من الازدهار في الدول النامية
في العقدين السابقين على الجائحة، كانت الاقتصادات النامية تسد الفجوة بينها وبين أقرانها المتقدمين من حيث الثروة والصحة والتعليم. تجاوزت معدلات نمو الاقتصادات النامية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين معدلات نمو البلدان الأكثر ثراءً، أي أن الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة قد ضاقت قبل الجائحة مباشرةً.
تتمثل إحدى الطرق التي أدَّت بها الجائحة إلى انتكاسةٍ في الاقتصادات النامية في تأثيرها على تحويلات العاملين بالخارج، وهو مصدرٌ مهمٌ للدخل للعائلات والاقتصادات بشكلٍ عام. وقد انخفضت التحويلات إلى البلدان النامية بأكثر من الربع في المتوسط في عام 2020، حيث أُغلِقَت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم وفَقَدَ العمال وظائفهم.
دفعت الجائحة الناس إلى ترك العمل. أما في الاقتصادات المتقدِّمة، فقد أدَّى الدعم الحكومي للعمال والتعافي السريع إلى انتعاش العمالة. أصبح الطلب على العمالة مرتفعاً للغاية في بعض القطاعات الاقتصادية، بحيث أصبح أصحاب العمل يصعُب عليهم العثور على عمال.
في المقابل، في الاقتصادات النامية، افتقرت العديد من الحكومات إلى القوة المالية لتقديم الدعم السخي، وتعني عمليات التعافي الأبطأ أن التوظيف سيستغرق وقتاً أطول للتعافي على الأرجح.
بالنسبة للبلدان النامية، تضاف الضربات الاقتصادية إلى الزيادة الكبيرة المُتوقَّعة في عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ مُدقِع، والتي حدَّدها البنك الدولي على أنها أقل من 1.90 دولار في اليوم، مقارنةً بالتوقعات السابقة للجائحة.
ويقول الاقتصاديون إن بعض الآثار المحتملة للجائحة على المدى الطويل تشمل الضغط على مساحة البلدان الفقيرة للنمو. في التعليم، على سبيل المثال، من غير المعروف ما إذا كانت الفتيات سيعدن إلى الفصل الدراسي بأسرع ما يمكن مثل الفتيان عندما تتراجع الجائحة، مِمَّا يقوِّض التقدُّم في تضييق فجوات التحصيل التعليمي بين الجنسين في البلدان الفقيرة.
وقال كريستوف لاكنر، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إنه قبل الجائحة، كان التقدُّم في التخفيف من حِدَّة الفقر في جميع أنحاء العالم يتباطأ بالفعل. وأدَّى النمو السريع في الدخل، في بلدانٍ مثل الهند والصين في العقود السابقة، إلى انخفاضٍ حادٍّ في مستوى الفقر، مع تزايد تركيز أفقر فقراء العالم في الأماكن التي تعاني من النزاعات. وقال إن الفيروس كثف من هذا التباطؤ. وأضاف: "كوفيد-19 نكسةٌ كبيرة".