مع إعلان الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) العودة إلى جلسات الحكومة اللبنانية بعد 126 يوماً على تعطيل الجلسات، فالجميع بات يدرك في لبنان أن تطورات خارجية أرخت بظلالها على الواقع اللبناني المتعثر منذ أشهر نتيجة الخلافات القاسية بين معظم القوى السياسية.
وأعلن حزب الله وحركة أمل في بيان مشترك صادر عنهما، أنه ونظراً لأحداث وتطورات الأزمة الداخلية سياسياً واقتصادياً قد تسارعت إلى مستوى غير مسبوق، لذا فإننا استجابة لحاجات المواطنين ومنعاً لاتهامنا الباطل بالتعطيل نعلن الموافقة على العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء، من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي.
في الخلفيات المحلية
يعتبر مرجع سياسي رفيع المستوى أن قرار الثنائي الشيعي للإفراج عن الحكومة، هو في الأساس نتاج رغبة في تدارك أخطاء سياسية محلية ارتكبت في الآونة الأخيرة، تركت نتائجها السلبية في العلاقة مع التيار الوطني الحر أولاً، وخوفاً من عودة الانفجار الشعبي للشارع اللبناني، وخاصة أن الواقع الاقتصادي والمالي يشهد انهياراً غير مسبوق.
فقرار حزب الله وحركة أمل بالعودة للحكومة سبقتها اتصالات بين حزب الله والتيار الوطني الحر، فإن عودة "الشيعة" للحكومة هي خطوة أولى لترتيب العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل.
وخاصة بعد فشل عون في عقد طاولة حوار وطني للقوى المشاركة في الحكومة، بالإضافة للنكسة السياسية التي تعرض لها باسيل إثر قرار المجلس الدستوري بعدم التصويت على طعن التيار الوطني الحر بقانون الانتخابات حول اقتراع المغتربين اللبنانيين.
ويعتقد المرجع لـ"عربي بوست" أن الحزب وبعد جولة المناوشات السياسية بين حليفيه؛ أي حركة أمل والتيار الوطني الحر وعقب المواقف العالية والاسئلة المطروحة حول علاقة الحزب بحليفه المسيحي يود الحزب تفعيل الحكومة بهدف عدم كسر رئيس الجمهورية وتهشيم من تبقى من عهد الرجل، ويشير المرجع أن اتصالات ومشاورات شهدتها اللحظات الأخيرة قبيل الإعلان عن العودة لطاولة الحكومة، أهمها ما استطاع حزب الله ترتيبه بين النائبين جبران باسيل وعلي حسن خليل في الكواليس السياسية المغلقة، بهدف التوصل لهدنة سياسية، ومن ثم التحضير لأرضية تحالف انتخابي بين الجانبين في ظل التحديات السياسية المشتركة.
أزمات مستمرة
وحول إمكانية تعطيل الحكومة مرة أخرى يشير المصدر أن الثنائي لمحا في بيانهما أبرز بنود العودة للحكومة والمتعلّقة بإقرار الموازنة وخطة التعافي المالي، لكن هذا لا يعني عودتهما لجلسة واحدة، فالموازنة وحدها تحتاج لست أو سبع جلسات، ونكون عندها وصلنا إلى موعد الانتخابات البرلمانية، وهذا يعني أن الجلسات فُتحت ولا يمكن إيقافها على مسائل أخرى.
لكن الحكومة في المرحلة المقبلة ستشهد ملفاً خلافياً بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين رئيس البرلمان نبيه بري، على خلفية ملف التعيينات الإدارية والقضائية، حيث هناك شغور في 61 موقعاً مسيحياً في الدولة، وعون وباسيل يريدان الحصول على الحصة الأساسية من التعيينات، وخاصة في مؤسستي القضاء والأمن، للاستفادة من هذه التعيينات قبيل الانتخابات، بالإضافة للضغط على خصومها عبر القضاء والمؤسسات الأمنية، لكن من الصعب أن يمرّرها له رئيس مجلس النواب نبيه بري كما يريد خوفاً من استثمارها ضده وضد الحريري وجنبلاط.
الظروف الإقليمية والدولية
بالمقابل فإن هذا الحراك المحلي ليس يتيماً بل مرتبط بتطورات إقليمية ودولية في المنطقة، وتحديداً بين إيران من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية من جهة أخرى، وعليه يعرب المستشار السابق لرئيس الحكومة اللبنانية الدكتور خلدون الشريف لـ"عربي بوست"، أن سبب قرار الثّنائي الشيعي بإعادة الحياة للحكومة هو بادرة حسن نيّة خارجية بأنّ الأمور تتّجه نحو الحلحلة في الإقليم، كما أنه إعداد واستعداد لاستقبال الوسيط الأمريكي في عمليّة التّفاوض لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين.
ويشير الشريف في حديثه إلى أنّ ملف التّرسيم يحتاج إلى حكومة للتّوقيع على الاتّفاقات والمراسيم، وأنّ مفتاح الحل بالسّياسة هو ترسيم الحدود، والتّرسيم بحاجة إلى موافقة حزب الله، ويؤكد الشريف على أنّ "هوكشتاين أسَرّ لإحدى الشخصيّات الدبلوماسيّة الأجنبيّة في واشنطن، أنّه للمرّة الأولى يشعر بأنّ هناك جديّةً لدى كلّ الفرقاء اللّبنانيّين لترسيم الحدود مع الجانب الإسرائيلي، وبكلّ الفرقاء يعني "حزب الله" ضمناً.
بالتوازي يعتقد الشريف أن هذا الإعلان مرتبط بالعديد من الأحداث الإقليميّة، وخاصة في ظل إعادة الحديث عن المبادرة الإيرانيّة للحلّ في اليمن، الّتي تنصّ على وقف إطلاق النّار، تزامناً مع تقدّم لواء "العمالقة" في اليمن في الفترة الأخيرة، والتغيّر في موازين القوى هناك، بالإضافة إلى تراجع سعر صرف الدولار في السّوق السّوداء في لبنان.
طهران تطرح مبادرة سريعة
بالمقابل أعرب مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست"، أن طهران طرحت بشكل مفاجئ مُبادرة سريعة لوقف إطلاق النّار وخفض التصعيد في اليمن، ويؤكد المصدر أن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان التقى وفداً قيادياً في جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) في سلطنة عمان. حيث أبلغ الوفد الحوثي أن إيران أبلغت دولاً عديدة ضمنها فرنسا والسعودية وقطر أنه مع وقف الأزمة والقتال في اليمن.
ويؤكد المصدر الدبلوماسي العربي أن عبد اللهيان أبلغ نظيره الفرنسي جان إيف لودريان منذ يومين أن حزب الله سيعيد تفعيل حكومة لبنان خلال أيام، وذلك نظراً للأجواء الإيجابية في فيينا مع الدول الكبرى والظروف المتطورة مع السعودية في اليمن، بالمقابل يشير المصدر أن هذه التطورات معطوفة على تطور المساعي التي تقوم بها الدوحة لفك العقد العالقة بين إدارة بايدن والإدارة السعودية حول ملفات المنطقة، ما يعني ترجمة ذلك في وقف التدهور السياسي والأمني والمالي في لبنان، بعد الارتياح الذي قد تشهده الدول التي تتصارع في لبنان والمنطقة.