في تطور جديد بملف الطاقة النووية في المملكة العربية السعودية، كشف وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، عن أن بلاده تمتلك "كميات كبيرة من اليورانيوم، وأنها تسعى لاستغلالها تجارياً بالشكل الأمثل". وأضاف الوزير السعودي، الأربعاء 12 يناير/كانون الثاني 2022، أن المملكة سوف تتعامل مع احتياطيات اليورانيوم بكل شفافية، وأنها بصدد البحث عن الشركاء المناسبين، حسب تعبيره.
فماذا يعني امتلاك الرياض لليورانيوم، وكيف يمكنها استخدامه؟ وهل يساعدها ذلك في بناء برنامجها النووي في ظل المنافسة مع إيران؟
ماذا يعني امتلاك السعودية لليورانيوم؟
منذ سنوات طويلة، كانت المملكة العربية السعودية تطمح وتعمل على تطوير منشآت لإنتاج الطاقة النووية لأغراض متعددة، وفي منتصف شهر أغسطس/آب عام 2020، كشفت وسائل إعلام أجنبية عن بناء السعوية لمنشأة نووية جديدة في الصحراء السعودية بالقرب من الرياض بمساعدة الصين، لإنتاج "الكعكة الصفراء"، المادة الأساسية في عمليات تخصيب اليورانيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية.
وبحسب ما كشف مسؤولون غربيون رفيعون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقع منشأة إنتاج "الكعكة الصفراء" في إحدى البلدات شمال غربي السعودية في منتصف الطريق بين المدينة المنورة وتبوك.
ويمكن بامتلاك السعودية بمساعدة صينية القدرة على إنتاج الكعكة الصفراء أن تتيح لها إمكانية القدرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج أسلحة نووية في غضون عدة أشهر، إذا قررت عدم الالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وحتى العام 2016، فإن التقارير الدولية تؤكد أن السعودية لا تمتلك سوى بنية تحتية بدائية لمشاريع الطاقة النووية للاستخدامات المدنية، وتفتقر تماماً إلى الموارد التقنية لتطوير قدراتها على إنتاج أسلحة نووية دون مساعدة خارجية.
كيف يمكن للسعودية استخدام اليورانيوم؟
لطالما أكدت السعودية على أن مشاريعها النووية هي للاستخدامات المدنية حصراً، وتؤكد المملكة عزمها الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم كجزء من برنامجها للطاقة النووية؛ حيث تخطط لاستخراج اليورانيوم المحلي من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي.
وخلال كلمة وزير الطاقة السعودي في مؤتمر التعدين الدولي المُنعقد بالرياض، يوم الأربعاء 12 يناير 2022، بين أن المملكة سوف تتعامل مع احتياطيات اليورانيوم بكل شفافية، مشدداً على أن عملية تحول الطاقة يجب أن تخضع لاعتبارات دقيقة وليس للعلاقات العامة، ويجب ألا تتخلى بلاده عن أمن الطاقة من أجل التحول، وفق تعبيره.
ولفت عبد العزيز بن سلمان إلى أن السعودية جادة في إنتاج الهيدروجين، وأنها ستكون أرخص منتج لطاقة الهيدروجين النظيفة. وأضاف: "لدينا وضع أفضل في إمكانيات النفط الصخري، ونملك تقنيات نوعية للإنتاج صديقة للبيئة".
وللسعودية اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الطاقة النووية مع عدد من الدول، مثل فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكازاخستان لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول العام 2040، بكلفة تتعدى 80 مليار دولار، بغرض تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، واستخدامها لتشغيل محطات تحلية المياه.
وتعد الطموحات السعودية في اللجوء إلى خيارات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية جزءاً من طموحات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أقر عام 2006 برنامجاً مشتركاً للدول الست.
والخطط النووية السعودية مدرجة في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات الموازنة.
بعيداً عن "الأغراض السلمية".. هل يمكن للسعودية إنتاج سلاح نووي في وقت قريب؟
لكن تصاعد حدة التوترات مع إيران في المنطقة قد يفتح الباب أمام السعودية للدخول في سباق تسلح نووي مع إيران، والتي يتعرض برنامجها النووي لرقابة دولية مشددة التزاماً منها باتفاق الدول الخمس الكبرى وألمانيا عام 2015، وهو الاتفاق الذي ألغته الولايات المتحدة من جانب واحد، وقررت إيران رداً على ذلك رفع مستويات تخصيب اليورانيوم.
وتنظر السعودية إلى الصين على أنها أقل تشدداً من واشنطن في إلزام الدول المستفيدة من مساعدتها في بناء برامجها النووية بالمعايير الدولية ذات الصلة بحظر انتشار الأسلحة النووية.
وبالإضافة إلى التعاون في مجال المفاعلات النووية، تساهم الصين بشكل أساسي في تطوير القدرات السعودية لإنتاج وتطوير الصواريخ البالستية بعيدة المدى.
وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة تتخوف من أن يكون مصنع صواريخ في الصحراء السعودية، تبنيه الصين منذ عامين، يمكن أن يكون لصواريخ نووية، بعد معلومات كشفت أن تصميمه مشابه إلى حد بعيد لتصميم مصنع مماثل في باكستان يعمل منذ التسعينيات.
وتخشى واشنطن من خطط الرياض لبناء بنية تحتية لبرنامج تسلح نووي مستقبلاً، استناداً إلى تصريحات سابقة لولي العهد السعودي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تحدّث فيها لقناة إخبارية أمريكية، عن أن بلاده ستحذو حذو إيران في أقرب وقت إذا قامت الأخيرة بتطوير قنبلة نووية.
ولا يُخفي الإسرائيليون مخاوفهم من احتمالات وجود برنامج نووي تسليحي سعودي، على الرغم من وجود تحالف إسرائيلي سعودي أمريكي مع دول أخرى في المنطقة، في مواجهة "التهديدات الإيرانية"، بعد تصاعد حدة التوترات في المنطقة خلال العامين الماضيين.
وتزايدت تلك التوترات في أعقاب إلغاء الاتفاق النووي من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو/أيار 2018، وإعادة العقوبات الأمريكية على إيران "حملة الضغط الأقصى"، في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، وأيضاً بعد استهداف منشآت أرامكو عام 2019 بطائرات مسيرة إيرانية وصواريخ باليستية مُدمّرة.
وعلى الرغم من ذلك، يحرص المسؤولون الإسرائيليون على التعامل مع البرنامج النووي السعودي بحذر شديد، لاستمرار التحالف "الضمني" بينهما، والشراكة في مواجهة إيران، والحيلولة دون الإضرار بعلاقات تسعى إسرائيل للوصول إليها بعد توقيع اتفاقية التطبيع مع الإمارات الحليف الأقرب والأوثق للسعودية.
السعودية والتعاون النووي مع باكستان
وحتى وقت قريب، ظلّ الاعتقاد السائد في الأوساط الغربية أن السلاح النووي الباكستاني هو جزء من آليات قوة الردع السعودية في مواجهة التهديدات الخارجية.
وتشير معظم التقارير الغربية إلى أن أموالاً سعودية كانت وراء امتلاك باكستان أسلحة نووية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعدما قامت الصين بتقديم ما يكفي من مادة اليورانيوم المخصب، لإنتاج قنبلتين نوويتين ضمن برنامج سري.
وفي تصريحات أدلى بها عام 2013 عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) -بين عامي 2006 و2010- تحدّث عن أن حصول إيران على القنبلة النووية سيمكن السعوديين من الحصول على قنبلة نووية خلال شهر واحد من باكستان، حيث دفعوا بالفعل ثمنها.
وتنفي السعودية صحة التقارير التي تشير إلى تعاون باكستاني سعودي في مجال الأسلحة النووية، أو ما يتعلق بمساعدات مالية سعودية للبرنامج النووي الباكستاني، من منطلق توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ودعواتها المتكررة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، في إشارة إلى إسرائيل وإيران.
وتنطلق معظم الدول المعنية بالتعاون السعودي الباكستاني في المجال النووي، باعتقادها أن الأموال السعودية في حقيقتها هي جزء من صفقة ثنائية بين البلدين، تتلخص في تقديم السعودية المال لباكستان، لإنتاج أسلحة نووية في مقابل تمكن السعودية من نقلها واستخدامها إذا دعت الضرورة. في مقابل ذلك، قد لا يرضي طموح السعودية استمرار الاعتماد على أسلحة ردع باكستانية تمتلك إسلام آباد قرارها، وتفضل على ذلك امتلاك قوة ردع نووية خاصة بها، تنسجم مع مكانتها في العالم الإسلامي.