كشف موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير نشره الخميس 13 يناير/كانون الثاني 2022، مضمون رواية شديدة السرية حول اجتماع دار بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ورئيس الوزراء الأسبق توني بلير، بخصوص الحرب في العراق ومصير صدام حسين، وذلك في عام 2002.
إذ قال جورج بوش الابن لتوني بلير في هذا الاجتماع وفقاً للمذكرة التي تضمنت تفاصيل الرواية شديدة السرية التي كشفها الموقع البريطاني، إنه لا يعلم من سيحل محل صدام حسين في العراق بعد الإطاحة به، كما أنه "لم يكترث" لما سيحدث.
تداعيات غزو العراق
حسب المذكرة، فقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق متفائلاً بتداعيات إطلاق غزوٍ بري للعراق، وذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عام 2002، أي قبل عامٍ من شنّ الحرب.
كذلك، قالت المذكرة البريطانية، التي كتبها كبير مستشاري السياسة الخارجية لبلير آنذاك: "لم يكن يعلم من سيحل محل صدام إذا تمكنَّا من الإطاحة به. لكنه لم يكترث كثيراً. إذ كان يتحرك بناءً على افتراض أن أي شخص سيكون أفضل من صدام".
كما كان بوش مقتنعاً بأن ظهور "نظام علماني معتدل" في عراق ما بعد صدام سيكون له تأثيرٌ إيجابي على السعودية والعراق، لكن المذكرة قالت إنّه لم يرغب في التصريح بذلك علناً.
قال كذلك إنّه من الضروري التأكد من أن التحرك ضد صدام سيعزز الاستقرار الإقليمي بدلاً من تقويضه. "ولهذا أكّد بوش للأتراك أنه لا خلاف على تفكيك العراق وإقامة الدولة الكردية".
خيارات توني بلير في العراق
في حين تُؤكد المذكرة النتائج المركزية للتحقيق العام في الحرب على يد جون تشيلكوت. إذ خلص التحقيق في عام 2016 إلى أن المملكة المتحدة اختارت الانضمام إلى الغزو قبل استكشاف الخيارات السلمية، وأن بلير تعمَّد المبالغة في حجم التهديد الذي يمثله صدام، وأن بوش تجاهل النصائح بشأن التخطيط لما بعد الحرب.
يُذكر أن مَن كتب المذكرة هو ديفيد مانينغ، كبير مستشاري بلير للسياسة الخارجية، وذلك بعد يومٍ واحد من الاجتماع داخل مزرعة الرئيس الأسبق في كروفورد بتكساس، يوم السادس من أبريل/نيسان عام 2002.
محادثات على انفراد
لكن، وبعيداً عن بوش وبلير، لم يحضر سوى عدد صغير من المسؤولين في الجانبين، كما أُجرِيَت غالبية المحادثات بين الزعيمين على انفراد.
إضافة إلى المذكرة الأولى، ففي مذكرةٍ أخرى أرسلها مانينغ إلى بلير قبل أسابيع من لقاء كروفورد، قال مانينغ إن مستشارة الأمن القومي الأمريكية كونداليزا رايس، أخبرته على العشاء بأنّ بوش يحتاج بشدة إلى دعم ومشورة بلير؛ وذلك لغضبه إزاء ردود الفعل الأوروبية الأخرى.
في تلك الفترة، كانت خطة شن الحرب سراً مخفياً بشدة حتى عن أكبر الدوائر العسكرية الأمريكية. حيث أشار مانينغ إلى أنّ "خليةً صغيرة للغاية" من القيادة المركزية الأمريكية هي التي تشارك في رسم الخطط، مع إبقاء غالبية المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى بعيداً عن الصورة.
حيث كتب مانينغ: "هذه الرسالة حساسةٌ للغاية، وقد أمر رئيس الوزراء بإبقائها طي الكتمان الشديد، ويجب عرضها فقط على من يحتاجون بشدة لمعرفة فحواها، دون صنع نسخ إضافية منها".
لا أحد يعلم خطة حرب العراق!
كانت المذكرة موجهةً إلى سايمون ماكدونالد، السكرتير الرئيسي الخاص لوزير الخارجية جاك سترو، وتم توزيعها على مجموعةٍ صغيرة من المسؤولين البريطانيين البارزين الآخرين وهم: جوناثان باول (كبير موظفي بلير)، ومايكل بويسي (رئيس الأركان)، وبيتر واتكينز (السكرتير الرئيسي الخاص لوزير الدفاع جيوف هون)، وكريستوفر ماير (السفير البريطاني في واشنطن)، ومايكل جاي (السفير الدائم لدى وزارة الخارجية).
بينما قالت كونداليزا في اجتماع مزرعة كروفورد، إن "99%" من أفراد القيادة المركزية الأمريكية لا يعلمون شيئاً عن خطط حرب العراق.
كما ذكر مانينغ كيف تلاعب بوش وبلير بالحرب في مسألة إرسال مفتشي الأسلحة إلى العراق.
إذ كان كلاهما قلقاً بشأن مستوى المعارضة الأوروبية للتدخل العسكري، وتشير المذكرة إلى أن بوش تقبل فكرة "أننا بحاجة لإدارة جانب العلاقات العامة لهذه الحرب بحرصٍ شديد".
حيث كتب مانينغ: "قال رئيس الوزراء إنّنا بحاجة إلى استراتيجية علاقات عامة مرافقة تُسلّط الضوء على برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص بصدام، وسجله المروع في حقوق الإنسان. وقد وافقنا بوش في هذا الرأي بشدة، حيث سيؤكد رئيس الوزراء للشركاء الأوروبيين منح صدام فرصةً للتعاون. وإذا فشل صدام في التعاون -كما هو متوقع- فسوف يجد الأوروبيون صعوبةً أكبر في مقاومة المنطق القائل بضرورة التدخل للتعامل مع هذا النظام الشرير الذي يهددنا ببرنامجه لأسلحة الدمار الشامل".
تعاون العراق مع مفتشي الأمم المتحدة
لكن بلير كان قلقاً حينها من احتمالية أن يسمح صدام لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول وممارسة عملهم بشكلٍ عادي، وهو ما حدث لاحقاً بالفعل.
ففي فبراير/شباط عام 2003، قال كبير مفتشي الأمم المتحدة هانز بليكس لمجلس الأمن، إن العراق أظهر تعاوناً مع المفتشين وإنّهم لم يعثروا على أي أسلحة دمار شامل هناك.
لهذا قال بلير لمانينغ بعد محادثةٍ سرية مع الرئيس الأمريكي: "بوش يُدرك احتمالية أن يسمح صدام للمفتشين بالدخول وممارسة عملهم بشكلٍ عادي. وفي حال حدوث ذلك، سيتعيّن علينا تعديل نهجنا بشكلٍ متوافق".
يذكر أن مذكرة مانينغ تسرّبت للمرة الأولى إلى صحيفة Daily Mail البريطانية، إبان الغضب الشعبي بسبب منح بلير وسام الفروسية.
أما هذه المذكرة، فهي ثاني وثيقة ترى النور لمانينغ حول العراق. ففي عام 2004، نشرت صحيفة Daily Telegraph البريطانية تفاصيل مذكرة من الدبلوماسي البريطاني إلى بلير حول الاستعدادات لقمة كروفورد.
ففي المذكرة التي تحمل تاريخ الـ13 من مارس/آذار عام 2002، أخبر مانينغ بلير بأمر اجتماعه مع كونداليزا وما توصلا إليه حول أنّ الفشل "ليس خياراً مطروحاً".
كما قال مانينغ لبلير إن مسألة التفتيش عن الأسلحة "يجب أن تُدار بعناية وبطريقةٍ تقنع الرأي العام الأوروبي وغير الأوروبي بأن الولايات المتحدة تُدرك إصرار العديد من الدول على وجود أساسٍ قانوني".
تحذيرات من كبار المسؤولين
إلى ذلك تلقى بلير عدداً من التحذيرات من كبار المسؤولين قبل عقد القمة. إذ كتب مستشار الأمن القومي للحكومة البريطانية بيتر ريكيتس، إلى بلير، قائلاً إن المسارعة للربط بين العراق وتنظيم القاعدة "غير مقنعة بكل صراحة حتى الآن".
في حين كتب وزير الخارجية سترو إلى بلير في الـ25 من مارس/آذار عام 2002، قائلاً إن مكاسب قمة كروفورد ستكون قليلة، لكن مخاطرها مرتفعة.
إذ حذّره من "أكبر فخين قانونيين" حين كتب أن تغيير النظام بالعراق ليس مبرراً في حدّ ذاته للتدخل العسكري، مشيراً إلى أن "ذلك قد يكون جزءاً من أسلوب التعامل في أي استراتيجية، ولكنه يجب أن لا يكون هدفاً في حدّ ذاته". أما الفخ الثاني فهو أن أي تدخل عسكري سيتطلب تفويضاً جديداً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.