رغم إقرار الرباط بأن قرار الجزائر وقف تصدير الغاز لم يؤثر على وتيرة إنتاج الطاقة في البلاد، فإنها تسارع الخطى لتعويض مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي كان يصل من الجارة الشرقية، من خلال تنويع وسائل سد الحاجات، التي من بينها محطة عائمة لتسييل الغاز الطبيعي.
محطة الغاز المسال التي لم تحسم الرباط موقعها، تشهد منافسة شديدة بين الشركات البريطانية والشركات الصينية، فالطرفان معاً يهدفان إلى فرض حضورهما في المشهد الطاقي بالمغرب، ومن ورائه زيادة حضور البلدين الاقتصادي والسياسي في شمال غربي إفريقيا.
حضور بريطاني
في بداية 2021 أعلنت وزارة الطاقة والمعادن المغربية دعوة العطاءات التي أطلقتها وزارة الطاقة والمعادن والبيئة في 23 مارس/آذار 2021، والتي كان من المقرر أن تنتهي بموعدها المحدد في 31 مايو/أيار 2021.
وقبل أيام من نهاية المهلة الأولى، وضعت الشركة البريطانية Predator" Oil & Gas" ملفها في 25 مايو/أيار، لتصبح ثالث شركة تعرب عن رغبتها في الحصول على هذه الصفقة.
الشركة البريطانية "Predator Oil & Gas" وعدت- بحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست"- برفع إنتاج الغاز في المغرب، من خلال عرضها إنشاء وتشغيل وحدة عائمة للتخزين (FSRU) وإعادة التحويل إلى غاز في المغرب.
المصادر ذاتها أكدت أن الشركة في نقاشها مع وزارة الانتقال الطاقي، شددت على أن مشروع المحطة العائمة لتسييل الغاز سيكون جزءاً من استراتيجيتها لتطوير أعمالها بالمغرب، كما أنها تراهن عليه في تصدير الغاز مستقبلاً إلى أوروبا.
وربطت مصادر "عربي بوست" بين عرض الشركة والاتفاق الذي وقَّعته في ديسمبر/كانون الأول 2018، مع المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، لمدة ثماني سنوات.
فبموجب هذا الاتفاق حصلت الشركة البريطانية على حقوق التنقيب في محطة "كرسيف"(شرق) التي تقدَّر مواردها بنحو مكعب (13.4 مليار متر مكعب) من الناحية الأولية.
المصادر ذاتها سجلت أن العروض الأولية لم تلبِّ طموحات مسؤولي الطاقة المغاربة، الذين فتحوا المجال لطلب عروض ثانية، امتد من مايو/أيار إلى أكتوبر/تشرين الأول، مع تمديد ما سمَّته الوزارة فترة "التشاور" بشأن العروض.
لفائدة الصين
وخلافاً لما أعلنته وزارة الانتقال الطاقي المغربية، قررت تمديد فترة التشاور من 15 أكتوبر/تشرين الأول إلى 25 2021، فاتحةً المجال بذلك أمام شركة أخرى للانضمام إلى العروض، لم تكن إلا الشركة الحكومية الصينية China Communications Construction Co.
مستفيداً من التمديد المغربي، وضع العملاق الصيني China Communications Construction Co ملفه باعتبارها واحدة من الشركات التي دخلت على خط بناء وتشغيل وحدة عائمة لتخزين وإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز بالمغرب.
مصادر "عربي بوست" سجلت أن الشركة الصينية تمتلك فرعاً متخصصاً في إنشاء البنى التحتية للموانئ هو China Road & Bridge Corp (CRBC)، كما تقدمها الصين باعتبارها من بين أحسن خمس شركات حكومية في مجال الهندسة والبناء.
وذهبت المصادر إلى أن ما يقوّي حظوظ الشركة الصينية، أنها سبق أن تعاملت مع المغرب، فهي من حازت صفقة إنشاء مدينة محمد السادس للتكنولوجيا بطنجة.
وتابعت مصادر "عربي بوست": "هناك مُعطى لا يجب القفز عليه، وهو زيارة السفير الصيني في المغرب شبه السرية لوزارة الطاقة في ديسمبر/كانون الأول 2021".
وزادت: "فرغم مرور نحو شهر على الزيارة، فإنه على غير العادة لم ينشر عنها الإعلام، والسبب هو موضوعها الذي كان مرتبطاً بتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين البلدين".
وفي إطار عملية بحث أجراها "عربي بوست"، وجدنا أن الإعلان الوحيد عن الزيارة كان على حساب السفارة الصينية في المغرب بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
وكان لافتاً أن الموقع الرسمي للسفارة الصينية الذي نشر خبر الزيارة بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول، تحدَّث عن "تبادل وجهات النظر حول التعاون في مجال الطاقة بين البلدين".
الصين الأقرب للصفقة
بانتظار يوم 25 يناير/كانون الثاني 2022، موعد الحسم في صفقة إنشاء وتشغيل وحدة عائمة للتخزين (FSRU) وإعادة التحويل إلى غاز في المغرب، بحسب ما أعلنته الوكالة الوطنية للموانئ الحكومية، التي تقود مؤشراتٌ كثيرة لحسمها لصالح الصين.
مصادر "عربي بوست" ذهبت إلى أن المغرب والصين تواصلان تقاربهما الاستراتيجي في مجالات كثيرة، من بينها الطاقة والاقتصاد والصحة.
وكانت الرباط وبكين قد وقَّعتا، الأربعاء 5 يناير/كانون الثاني، عبر تقنية الاتصال المرئي، على اتفاقية "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق"، بعد توقيع الرباط، في 2017، مذكرة تفاهم للانضمام إلى المبادرة.
ووفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الإفريقي، فإن توقيع "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق" يهدف إلى تشجيع الولوج إلى التمويلات الصينية المنصوص عليها في "مبادرة الحزام والطريق"، لإنجاز مشاريع في المغرب، وتسهيل المبادلات التجارية، وتأسيس شركات مختلطة في مختلف المجالات (المناطق الصناعية والطاقات، وضمن ذلك الطاقات المتجددة).
وتابعت المصادر، أن الرباط استفادت كثيراً من التقارب مع الصين في السنوات الأخيرة، وأن هذه الاستفادة ظهرت جلياً في الدعم الكبير الذي تلقَّاه المغرب في مواجهة كورونا.
وأردفت أن المرحلة القادمة من التعاون المغربي-الصيني ستتجه إلى قطاع الطاقة، مع ما يملكه المغرب على مستوى الطاقات المتجددة، أو على مستوى اكتشافات الغاز والبترول.
هذا وكانت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، قد أكدت في وقت سابق، أن إنتاج المغرب المَحلي من الغاز من المتوقع أن يصل إلى 110 ملايين متر مكعب في عام 2021، فيما يبلغ استهلاكه السنوي مليار متر مكعب.
وأوضحت الوزيرة أن المغرب يحتاج ثلاثة أضعاف من الغاز الطبيعي، أي ما يصل إلى 3 مليارات متر مكعب بحلول عام 2040.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”