مخاوف أخلاقية وأخرى متعلقة بسلامة المرضى أثارتها أول عملية زرع قلب خنزير مُعدَّلٍ وراثياً إلى إنسان التي أجريت مؤخراً.
فرغم أن هذه الجراحة تعد علامةً بارزةً في العلوم الطبية، لكن هذا النهج بصورةٍ أوسع، يثير مخاوف أخلاقية كبيرة، علاوة على المخاوف المتعلِّقة بالسلامة الخاصة بالمرضى، خاصة في ضوء التاريخ المتقلب والمثير للقلق لكثير من العمليات المشابهة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وكانت كلية الطب بجامعة ميريلاند الأمريكية، الإثنين 10 يناير/كانون الثاني 2022، قد أعلنت نجاح جراحين أمريكيين في زرع قلب خنزير معدل وراثياً في مريض بشري، في أول عمليّة من نوعها، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
إذ قالت الكلية في بيان إن الجراحة أجريت الجمعة 7 يناير/كانون الثاني، وأثبتت لأول مرة أن قلب حيوان يمكن أن يعيش في جسم الإنسان، دون رفض فوري.
الظروف التي دفعت إلى أول عملية زرع قلب خنزير مُعدَّلٍ وراثياً إلى إنسان
أمضى الجراحون في المركز الطبي بجامعة ميريلاند الأمريكية ثماني ساعات مساء الجمعة، 7 يناير/كانون الثاني، في زرع قلبٍ من خنزيرٍ إلى ديفيد بينيت، البالغ من العمر 57 عاماً، والذي كان في المستشفى لأكثر من شهرٍ يعاني قصوراً في القلب.
كانت تلك عمليةً استثنائية، إذ اعتبر الأطباء أن بينيت يواجه موتاً شبه مؤكَّد، وقدَّروا أنه مريضٌ جداً إلى درجة أنه ليس مؤهَّلاً لعملية زرع قلب بشري. وكملاذٍ أخير، سعى الفريق الطبي للحصول على إذنٍ طارئ من إدارة الغذاء والدواء لزرع قلبٍ من خنزيرٍ مُعدَّل وراثياً.
لجأوا إلى خنزير مستنسخ على غرار النعجة دولي
جاء القلب من خنزير خُلِّقَ بالتعديل الوراثي بواسطة شركة Revivicor، وهي شركة فرعية من PPL Therapeutics، الشركة البريطانية التي خلَّقَت النعجة دولي وراثياً في عام 1996. والآن، تحت ملكية الولايات المتحدة، صُمِّمَت خنازير Revivicor لتجنُّب الرفض المناعي.
ومن بين التغييرات الجينية التي أُجرِيَت كانت هناك تعديلاتٌ تزيل جزيءٍ السكر من الأنسجة، ذلك الجزيء الذي يؤدِّي إلى رفض العضو. ووافقت إدارة الغذاء والدواء على العملية، مع اقتراح الفريق باستخدام دواء تجريبي لمنع جسم بينيت من رفض العضو الجديد.
وقال الأطباء في المستشفى يوم الإثنين، 10 يناير/كانون الثاني، إن بينيت كان مستيقظاً ويتنفس بمفرده، لكن من السابق لأوانه اعتبار العملية ناجحةً. ينتظر الأطباء ليروا كيف ستكون صحة بينيت في الأيام والأسابيع المقبلة.
تاريخ متقلب لعمليات نقل الأعضاء من الحيوانات إلى البشر
هناك تاريخٌ طويلٌ ومتقلِّب لاحتمالية أخذ الأعضاء من الحيوانات وزرعها في البشر لإنقاذ حياتهم. يرى المدافعون عن هذا النهج أنه طريقةٌ لتقليل أعداد المرضى المصابين بأمراضٍ شديدة.
بينما يرى نشطاء حقوق الحيوان أنه أمرٌ خطيرٌ وكريهٌ من الناحية الأخلاقية. في الستينيات من القرن الماضي، زرع أطباء أمريكيون كلى قرود الشمبانزي في أكثر من 12 مريضاً، مات جميعهم في غضون أسابيع باستثناء واحد فقط. وفي الثمانينيات، تلقَّى طفلٌ في كاليفورنيا قلب بابون وتُوفِّي بعد ثلاثة أسابيع.
يتمثَّل الخطر الرئيسي في الرفض المناعي، فحتى مع وجود أعضاء من متبرِّعين من البشر، يحتاج المتلقون إلى تثبيط مناعي مستمر لمنع أجسامهم من مهاجمة عمليات الزرع.
وبينما صُمِّمَ قلب الخنزير من شركة Revivicor ليكون أقل عرضة للرفض المناعي من أعضاء الحيوانات القياسية، فمن غير الواضح إلى أي مدى سيتحمَّله الجسم. ولأن العضو يأتي من نوعٍ آخر، سيحتاج بينيت إلى كبت مناعي أقوى من المعتاد، وهذا يأتي بمخاطر طبية خاصة.
لماذا يفضل العلماء استخدام الخنازير في هذه العمليات رغم الفيروسات القهقرية؟
ركَّزَ العمل الأخير على هذه الحيوانات المانحة على الخنازير، لأنه على الرغم من أن أجهزة المناعة لديهم مختلفة عن البشر، تتشابه أعضاء الحيوانات تشابهاً كبيراً
وفي حين وُجِّهَت الكثير من الجهود إلى جعل أعضاء الخنازير غير مرئية بالنسبة لجهاز المناعة البشري، إلا أن ذلك ليس التحدي الوحيد على الإطلاق. في التسعينيات، تخلَّى العلماء عن عملهم على الخنازير المانحة عندما أدركوا أن الفيروسات القهقرية الكامنة في الحمض النووي للحيوانات يمكن أن تصيب الخلايا البشرية، وهو نوع من الفيروسات التي تدخل نواة خليفة الكائن المضيف وتعتمد عليها في التكاثر.
وقد أثار ذلك احتمالاً مقلقاً بشأن زرع الأعضاء التي تنشر العدوى إلى المرضى الذين تلقوها.
كانت الأبحاث جارية للتغلب على المشكلة، من خلال نقل تحرير الجينوم إلى مستوى آخر. بعد تعديل الحمض النووي للخنازير لإزالة الجزيئات التي تؤدِّي إلى رفض المناعة، أجرى العلماء تعديلاتٍ دقيقة تزيل العشرات من الفيروسات القهقرية من أنسجة الخنازير على أمل أن تكون الأعضاء أكثر أماناً عندما تُزرَع في النهاية.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.