حينما تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في كازاخستان خلال الأسبوع الماضي، تحوّل تركيز المتظاهرين من الغضب بسبب ارتفاع أسعار الوقود إلى استهداف النظام السياسي الاستبدادي في البلاد الذي أرساه نور سلطان نزارباييف، الذي حكم كازاخستان على مدار 3 عقود ولا يزال يحمل لقب "زعيم الأمة".
تغيّرت رواية الحكومة أيضاً. بدأ الرئيس الكازاخستاني الذي اختاره نزارباييف، قاسم جومارت توكاييف، توجيه أصابع الاتهام إلى عناصر إجرامية وإرهابية محلية وأجنبية ومؤامرة داخلية لإثارة الفوضى في البلاد. إليكم ما يجب معرفته عن مزاعم النظام في كازاخستان حيال ذلك.
ماذا قالت كازاخستان بشأن تورط "جهات أجنبية" في الاحتجاجات؟
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية التي تناولت أسباب وصحة هذه المزاعم، إنه مع تصاعد الاحتجاجات في كازاخستان، اتّخذ الرئيس توكاييف في البداية خطوات لمحاولة تهدئة المحتجين، حيث تراجعت الحكومة عن زيادات أسعار الوقود وأعلن توكاييف إقالة حكومته وأقال سلفه، نزارباييف، من رئاسة مجلس الأمن القومي، وهو منصب أمني قوي في البلاد.
لكن بعد أن اقتحم المتظاهرون في مدينة ألماتي، أكبر مدينة في كازاخستان، المباني الحكومية يوم الأربعاء 5 يناير/كانون الثاني وسيطروا لفترة وجيزة على مطار ألماتي، تحوّل توكاييف إلى نبرة أكثر تشدداً، متهماً "جماعات إرهابية دولية" بالاستيلاء على أجزاء من المدينة وطلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وهي تحالف أمني عسكري يضم دول الاتحاد السوفييتي السابقة بقيادة روسيا.
بدأت القوات الروسية في الوصول إلى كازاخستان يوم الخميس 6 يناير/كانون الثاني، وكرَّر الرئيس الكازاخستاني تأكيداته بأنَّ "قُطّاع طرق وإرهابيين محليين وأجانب تلقوا تدريبات مكثفة في الخارج" يقفون وراء أعمال العنف التي تشهدها البلاد وتَعهَّد "بالقضاء عليهم". وقال توكاييف يوم الجمعة 7 يناير/كانون الثاني إنَّه قد أمر القوات بإطلاق النار بقصد قتل المتظاهرين.
وزعم توكاييف، يوم الجمعة أيضاً، أنَّ إجمالي 20 ألفاً من "قُطّاع الطرق" هاجموا مدينة ألماتي، وقال إنَّه شكَّل محموعة خاصة لتعقب المتظاهرين العنيفين.
في الوقت نفسه، قال مسؤولو الشرطة إنَّ عشرات الأشخاص قُتلوا نتيجة "عمليات أمنية" تهدف إلى استعادة السيطرة على الوضع الفوضوي في البلاد، فيما ألقت روسيا والصين أيضاً باللوم على جماعات أجنبية لم تُسمها في تأجيج الاضطرابات.
هل هناك أي دليل قاطع على وجود صلات أجنبية بالاضطرابات؟
الإجابة "لا"، كما تقول واشنطن بوست، إذ تبقى المعلومات المباشرة والقابلة للتحقّق عن المظاهرات والمشاركين فيها شحيحة. كما لا يزال الإنترنت في كازاخستان محجوباً إلى حد كبير والصحفيون الأجانب ممنوعين من دخول البلاد ولم تُقدّم السلطات الكازاخستانية، على الرغم من مزاعمها، أي دليل ملموس على التورط الأجنبي.
في هذا الصدد، قالت ميليندا هارينغ، نائبة مدير "مركز أوراسيا" التابع للمجلس الأطلسي: "هذه المزاعم ليست ضعيفة للغاية فحسب، بل هزلية سخيفة".
وأضافت أنَّ اللجوء إلى حجة "البعبع الأجنبي" هو إجراء "نموذجي" في الدول السوفييتية السابقة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للسخط المحلي.
رفض العديد من الخبراء في شؤون كازاخستان ادّعاء توكاييف بأنَّ 20 ألف "مجرم أو إرهابي" قد يكونون متورطين في إثارة احتجاجات ألماتي باعتباره غير قابل للتصديق.
لماذا قد تُروّج كازاخستان وحلفاؤها كروسيا والصين لتلك الرواية؟
أشار توكاييف وروسيا وأعضاء آخرون في التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا إلى تحريض خارجي مزعوم للمظاهرات لتبرير النشر الأول لقوات "حفظ السلام" التابعة للمنظمة في كازاخستان.
يضم هذا التحالف الأمني، الذي تُشكّل عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان. يُفترض أن تنشر منظمة معاهدة الأمن الجماعي قواتها لتقديم المساعدة فقط في حال واجهت أي دولة عضو تهديداً خارجياً.
بالنسبة لتوكاييف، قد تخدم التعزيزات الإقليمية غرضاً سياسياً داخلياً. يقول أركادي دوبنوف، الخبير في شؤون منطقة آسيا الوسطى، إنَّ رئيس كازاخستان يبدو أنَّه يستغل الاضطرابات لتهميش نزارباييف والتخلص تماماً من نظام السلطة المزدوجة الموجود في البلاد. في هذا الصدد، قالت ميليندا هارينغ إنَّ عملية تَدخّل منظمة معاهدة الأمن الجماعي أظهرت دعم الحلفاء الإقليميين لتوكاييف في هذا المسعى.
وأشارت ميليندا، نائبة مدير "مركز أوراسيا" التابع للمجلس الأطلسي، إلى أنَّ كازاخستان تتمتع تقليدياً بعلاقات متوازنة بين روسيا والصين والغرب، قائلة إنَّ "تلك العملية أتاحت لروسيا فرصة لتوسيع نفوذها في كازاخستان والمنطقة". وأضافت أنَّ "هذا التدخل قد عزّز أيضاً موقف روسيا للدخول في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا".
مَن المسؤول عن أعمال الشغب؟
لا تزال الظروف المحيطة ببدء أعمال العنف يكتنفها الكثير من الغموض. قالت ميليندا هارينغ إنَّ "اللصوص" على ما يبدو استغلوا ما كان في البداية احتجاجات سلمية، حسب تعبيرها.
وأشار بعض المحللين إلى أنَّه ربما المسؤول عما حدث من هجمات عنيفة وأعمال سرقة ونهب هم الشباب من خارج المدينة، المعروفون باسم "المامبيت"، الذين حضروا من المناطق الريفية الفقيرة في كازاخستان إلى المدن بتحريض من "أطراف مجهولة" حفَّزتهم على اختطاف المظاهرات.
اتّخذت رواية الحكومة بعداً جديداً يوم السبت 8 يناير/كانون الثاني عندما أعلنت السلطات اعتقال كريم ماسيموف، عضو لجنة الأمن القومي السابق، بشبهة الخيانة، فضلاً عن اعتقال عدد من المسؤولين الآخرين.
جاء اعتقال ماسيموف بعد يوم واحد من ظهور مستشار سابق للرئيس الكازاخستاني السابق، نور سلطان نزارباييف، في مقابلة تلفزيونية اتهم فيها قادة أمنيين بإخفاء معلومات حول "معسكرات تدريب للمتشددين" زعم أنَّها تعمل على تجهيز المقاتلين لإقالة توكاييف.
في هذا الصدد، قال ألكسندر جابيف، الباحث البارز لدى "مركز كارنيغي" في موسكو، إنَّ ماسيموف قدَّم كبش فداء مناسباً للحكومة. يُنظر إلى ماسيموف باعتباره حليفاً مخلصاً لنزارباييف وقد يساعد اعتقاله في توطيد سيطرة قاسم جومارت توكاييف على جهاز الأمن في البلاد.
لكن بالنسبة لتوكاييف، فإنَّ لعبة تأكيد القوة الواضحة للعيان قد تأتي على حساب سيادة كازاخستان، حيث تكتسب روسيا نفوذاً في البلاد.
ما هي المخاطر بالنسبة لأوروبا؟
وفقاً لصحيفة "The New York Times" التي تناولت أبعاد الأزمة الكزخية، فإن ما هو على المحك بالنسبة لأوروبا يتمثّل في ما إذا كان بإمكانها السماح لبوتين بقلب الهيكل الأمني الذي ساعد في حفظ السلام في القارة منذ الحرب العالمية الثانية. كشف هذا الصراع أيضاً عن ضعف الاتحاد الأوروبي وفشل قوة سياسته الخارجية في العلاقات الدولية. يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى مقعد على طاولة المحادثات الأمريكية الروسية بشأن أوكرانيا، والتي، بعد كل شيء، تتعلق بالأمن الأوروبي، لذا تسعى الكتلة الأوروبية إلى مزيد من المشاركة.
فقدت أوروبا محاورة لا تقدر بثمن مع موسكو برحيل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي نشأت في الشرق الشيوعي وتتحدث الروسية بطلاقة وطوَّرت علاقة عمل جيدة مع بوتين. لا يمتلك خليفها، المستشار أولاف شولتس، سجلاً معروفاً فيما يخص التعامل مع الشؤون الخارجية، فضلاً عن كونه رئيس تحالف معقد كثير أكثر انتقاداً لروسيا من حزبه الاشتراكي الديمقراطي.
تتمتع أوروبا بعلاقات تجارية مهمة مع روسيا وستكون خسائرها جراء العقوبات المفروضة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أكثر بكثير من خسائر الولايات المتحدة. تعتمد أوروبا أيضاً على إمدادات الغاز الروسي، وهي نقطة ضعف استغلّها بوتين في نزاعات سابقة.