حزب الله يسعى لاحتواء حليفه دون تنازلات.. فهل ينقل باسيل هجومه ضد بري إلى منافسيه بالانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/08 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/08 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
جبران باسيل الوزير اللبناني السابق ورئيس حزب التيار الوطني الحر / رويترز

يبدو أن حزب الله لا يُحبذ الصراع القائم بين حليفيه الأساسيين؛ حركة أمل والتيار الوطني الحر، والذي وصل إلى مرحلة متقدمة بالعداء والتصعيد السياسي، بين مؤتمرات صحفية عالية السقف وتسريبات إعلامية وتصريحات قوية.

وبحسب رأي محللين، فإن حزب الله يعتقد أن هذا الصراع مخاطرة كبيرة من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية، وهذه الأجواء المتشنجة تعاكس رغبات حزب الله، الذي يفضل عقد تحالف انتخابي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر.

طرح تغيير النظام.. عون يهرب للأمام

بالمقابل، كان لافتاً موقف رئيس الجمهورية منذ أيام في خطاب نهاية العام، حول ضرورة الذهاب إلى تعديل النظام، ليصبح نظام لامركزية إدارية ومالية موسعة.

هذا الطرح فجَّر سجالاً جديداً في لبنان، فرغم أن شخصيات سياسية عديدة اعتبرت أن طرح عون جاء في سياق الدعوة إلى حوار، للبحث بهذا الطرح، بالإضافة إلى الاستراتيجية الدفاعية، التي يتهرب منها حزب الله، فإن مصادر حكومية تعتقد أنه يهدف إلى فتح باب التفاوض مع حزب الله حول المرحلة القادمة، ومحاولة انتزاع موقف منه بدعم باسيل للرئاسة خلفاً لعون.

بالمقابل، بقي الحزب صامتاً حيال ذلك، وهو -وفقاً للمطّلعين على مواقفه- يعتبر اللامركزية الموسعة تعني سياسياً أن على كل طرف أن يذهب ويعيش وحيداً في منطقته مع موارده المالية.

هذا الطرح ينطوي على ما هو أبعد من الفيدرالية، وقد يكون مدعاة للتقسيم، وسيفتح الباب أمام سجالات كثيرة ومزايدات أكثر في الساحة المسيحية.

بالمقابل، تعتبر مصادر في حركة أمل لـ"عربي بوست"، أن هذا الطرح يعني الخروج عن وثيقة الوفاق الوطني، المسماة اتفاق الطائف، والذي لم يشر بأي شكل إلى اللامركزية الموسعة ولا اللامركزية المالية، بل اقتصرت الإشارة على ضرورة تطبيق "اللامركزية الإدارية".

أما أطروحات توسيع اللامركزية وشمولها الشق المالي، فذلك يعني الذهاب بالبلاد إلى صيغة جديدة، ويعني الخروج عن اتفاق الطائف، وفتح الباب أمام صيغة جديدة.

الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اختلف مع حليفه الرئيس ميشال عون حول التحقيق في قضية مرفأ بيروت/رويترز

باسيل وتحديد المشهد السياسي

وفقاً للمحلل السياسي منير الربيع، فإن جبران باسيل يريد أن يرسم مسبقاً ويحدد المشهد السياسي برمّته للعام 2022، من الآن وحتى موعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون.

لذا فإن باسيل -وعلى عكس كل المرات السابقة- توجَّه مباشرةً لأمين عام حزب الله حسن نصر الله، عندما قال إن الحزب يفضل الحديث في الغرف المغلقة بالأمور الأساسية، وعندما يتم طرح هذه الملفات يتم تفريغها من مضمونها.

والأهم فيما قاله باسيل هو أن مشروع عزل الحزب واستهدافه سيستمر. وهذا يفترض -وفق الربيع لـ"عربي بوست"- أن كلامه مبني على معطيات أو معلومات سمعها باسيل من مصادر خارجية.

لذلك، أراد باسيل تحذير الحزب ليحافظ على العلاقة معه، تمسكاً بالغطاء المسيحي. وتوجه للحزب بالقول المباشر: "أنا لا أخون ولا أطعن". وهذا التأكيد على أنه الحليف الصادق الوحيد للحزب، له أبعاد انتخابية للمرحلة المقبلة، مع ما ستحمله الأيام من زيادة الضغوط وارتفاع منسوب المعارك السياسية على مشارف الانتخابات الرئاسية.

الحزب واحتواء باسيل

تقول مصادر مقربة من حزب الله لـ"عربي بوست"، إن الحزب حريص على احتواء غضب باسيل، إنما دون الخضوع لاتهاماته المباشرة له، وذلك في الغرف المغلقة تحت سقف استمرار التفاهم بين الجانبين.

ويؤكد المصدر أن الحزب لا مانع لديه من التجاوب مع فكرة إعادة تأهيل الاتفاق بين الجانبين، ليصبح أكثر قدرة على مواكبة تحديات هذه المرحلة وأولوياتها.

ويؤكد المصدر أن الحزب رغم حدة مواقف باسيل الموجّهة له ولحركة أمل، فإنه قد اتخذ قراره بشكل واضح أنه لا يود الرد على مواقف باسيل؛ لأنه يتفهم ظروف الرجل مسيحياً وخارجياً.

ويشدد المصدر أن الحزب حريص على دعم باسيل وتياره في الانتخابات النيابية، وحشد ما يمكنه من الأصوات، حتى لو كان هناك توتر طفيف وأزمة مرحلية، ذلك أنه عندما تكون المعركة بين جبران باسيل وسمير جعجع، فمعروف أين يجب أن يقف حزب الله.

وإذ يؤكد المصدر أن حزب الله يتفهم أن حليفه يواجه ضغوطاً شديدة واختبارات صعبة في بيئته المسيحية، التي يفترض خصومهما المشتركون أنه يمكن عبرها إضعاف الرئيس ميشال عون وباسيل على نحو كبير، وبالتالي تغيير الأكثرية الحالية في الانتخابات المقبلة ومحاصرة حزب الله برلمانياً وحكومياً، في اعتبار أن البيئة الشيعية هي شبه مقفلة، وليس بالإمكان خوض المواجهة من خلالها.

الحزب: بري خط أحمر

بالتوازي، يقول المحلل السياسي طوني عيسى لـ"عربي بوست"، إن حزب الله أوصل لباسيل رسالة مفادها أن اللعب في البيئة الشيعية ممنوع، ومحاولة وضع الحزب بين تخييره بين بري وباسيل ليست صحية.

ويؤكد عيسى أن باسيل تبلغ رسالةً من الحزب مفادها: نحن معك قدر ما تشاء، ضدّ جعجع والقوات فقط، وضدّ سعد الحريري وتيار المستقبل إذا لم يتعارض ذلك مع مصالحنا. ولكن إياك أن تظنّ أننا سندعمك ضدّ الرئيس نبيه بري، وحلفنا مع بري هو الأولوية، ومِن بعده يصبح كل أمرٍ قابلاً للنقاش.

 رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري / رويترز
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري / رويترز

تغيير المعركة

بالمقابل فإن عيسى يرى أنه وبعد إقفال محاولة ضرب البيئة الشيعية سيجد باسيل نفسه عاجزاً عن خرق الجدار الشيعي، وسينقضّ بسهولة على خصومه في الوسط المسيحي.

وبالتأكيد سيستفيد بري من هذه اللعبة ليواجه باسيل في عقر داره المسيحي، وبالمسيحيين أيضاً، إلّا إذا ناشده الحزب عدم المساهمة في كسر شوكة باسيل أمام القوات اللبنانية وقوى 17 تشرين.

ليس في مصلحة حزب الله وحلفائه أن ينهزم التيار الوطني الحر؛ لأنّ ذلك يعني خسارة الثنائي الشيعي للمسيحيين، وأخذهم إلى مصافّ المحور المقابل سياسياً، ولهذا الأمر تداعياته الخطرة، وليس مسموحاً بحصوله.

الاستنجاد بالأسد

بالمقابل يشير المحلل السياسي منير الربيع أن من بين العناوين العريضة التي طرحها باسيل استعادة العلاقة بالنظام السوري، خاصة أن حزب الله نقل خط الدفاع عن نفسه إلى سوريا، وأي دخول للنظام السوري إلى لبنان يحتاج للمرور سياسياً وعسكرياً وأمنياً بحزب الله.

لذا -ووفقاً للربيع- فقد يفكر باسيل بأن الصراع السياسي الإقليمي لا يزال في مرحلة الوقت الضائع، ولم تأتِ لحظة الحسم حتى الآن، خاصة أن الصورة في سوريا غير واضحة ولا تطور حاسم قد حصل.

لذلك يطمح باسيل للاستثمار في العلاقة مع النظام، نظراً إلى الظرف الإقليمي والدولي الحالي، والذي يشير إلى أن فوائد هذه العلاقة أكثر من ضررها، ولو مرحلياً، خصوصاً في سياق معركة باسيل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.

وبحسب الربيع، فإن علاقة برّي بالنظام السوري سيئة جداً، وهذه ثابتة لا مجال لمناقشتها. ففي هذا المستوى التكتيكي يلجأ باسيل إلى تعزيز علاقاته بنظام الأسد، من الإصرار على تعيين سفير مقرب منه، وصولاً إلى الإعلان عن زيارة رسمية وتعزيز العلاقة إلى أبعد الحدود، لذا يبدو باسيل وكأنه يستقوي على برّي بالنظام السوري.

الهجوم على جعجع والقوات

في مؤتمره الأخير شنّ باسيل هجوماً رئيس حزب القوات اللبنانية، معتبراً أن القوات مشروع فتنة، لكن العديد من المطلعين يؤكدون أنه لا يوجد أي سياق سياسي للهجوم الذي شنّه باسيل على خصمه المسيحي سمير جعجع، في إطلالته قبل يومين، وخاصة أن القوات لم تشن أي هجوم سياسي منذ مدة على باسيل وتياره.

وأنه فجأة قفز باسيل من هجومه على بري والتصويب إلى القوات، وأطلق النار بقوله: "إن جعجع طوال عمره كان أداة للخارج، ساعة لإسرائيل، وساعة لأمريكا، تواطَأ مع السوريين في العام 1990 ضد الرئيس عون، والآن معروفٌ أين هو، وأيَّ أجندة ينفذّ، المطلوب منه هو الفتنة".

وهنا يعتقد المحلل طوني عيسى أن باسيل مضطر إلى تفجير المعركة مع جعجع لسببين: أولاً لموازنة انتقاداته المبطَّنة لـ"حزب الله"، وثانياً لأنّ جعجع هو الخطر الحقيقي عليه في الانتخابات النيابية، كما أنّ سليمان فرنجية هو الخطر الحقيقي عليه في الانتخابات الرئاسية.

لكن باسيل قرر تأجيل الهجوم على فرنجية إلى مناسبة أخرى لسببين أيضاً: أولاً لأنّ حزب الله ليس في وارد مجاراته في القصف على حليفه المسيحي الثاني القديم والثابت. وثانياً لأنّ المعركة البرلمانية هي الأولوية الآن، فيما معركة الرئاسة متأخّرة.

بالمقابل، يعتقد عيسى أن هجوم باسيل على جعجع يهدف إلى استثارة "العصب العوني" القديم، الذي على أساسه قامت زعامة عون نهاية الثمانينات من القرن الفائت، ونواتُه هي: جعجع، هو الميليشيا العاملة لمصلحة الخارج، ونحن الجيش والمؤسسات.

ويرى المصدر السياسي المطلع أن هاجس باسيل على أبواب الاستحقاقات الشعبية هو: كيف نُبقي هذه الصورة موجودة في أذهان المسيحيين، الذين ما زالوا معنا أو هم في صدد الخروج من عندنا، وقد جاء هجومه في توقيت دقيق، وبعدما تبلَّغ التيار أصداء التراجع النسبي في شعبيته لمصلحة 3 اتجاهات: القوات والكتائب، وقوى ثورة 17 تشرين.

وفي اقتناع باسيل أنّ الانطلاق اليوم، على مسافة 5 أشهر من موعد الانتخابات، بحملة الهجوم على بري وجعجع في آنٍ واحد لدغدغة مشاعر المسيحيين، والذهاب لشعارات براقة كاللامركزية المالية الموسّعة، والاستراتيجية الدفاعية.

تحميل المزيد