إذا كنت محظوظاً كفاية لتعيش في مدينة نجت من التلوث الضوئي، توجه إلى شرفة منزلك وتطلع إلى سماء الليل البهية وتأمل تلك النجوم المضيئة التي لا حصر لها.. يبعث هذا المشهد السكون والطمأنينة في النفس، لكنه يثير تساؤلاً كذلك: لم تبدو سماء الليل مظلمة بالرغم من وجود كل تلك النجوم؟
حاول العلم تقديم إجابة عن هذا السؤال الذي اعتبر لغزاً محيراً، وبالرغم من عدم وجود إجابة قطعية لحد الآن، إلا أننا نملك بعض النظريات المقنعة التي تفسر هذه الظاهرة:
لماذا تبدو سماء الليل مظلمة؟
بما أن السماء مليئة بالنجوم فهذا يعني أن الفضاء يجب أن يبدو متوهجاً، لذلك كان الظلام المنتشر في سماء الليل لغزاً حير العلماء لعقود، ويعرف هذا اللغز في الأوساط العلمية بـ"مفارقة أولبرز" أو Olbers' Paradox.
ووفقاً لما ورد في موقع Britannica فقد نوقشت هذه المفارقة للمرة الأولى في عام 1823 من قبل الفلكي الألماني هاينريش فيلهلم أولبرز، الذي قال: "إن كان الكون لا نهائي الحجم، وكانت النجوم- أو المجرات- متوزعة على مدى هذا الكون اللانهائي، فنحن بالتأكيد سنرى نجماً مهما كان الاتجاه الذي ننظر إليه. وكنتيجة لذلك يجب أن تكون السماء متوهجة، فلماذا ليست كذلك؟".
في وقت لاحق اقترح العلماء عدة تفسيرات لمفارقة أولبرز كان أبرزها:
الغبار الكوني
في البداية ألقي اللوم على الغبار الكوني، فاقترح بعض العلماء أن الغبار بين النجوم والمجرات يحجب الضوء القادم من الأجسام البعيدة؛ مما يسبب عتمة في سماء الليل.
لكن هذه النظرية لم تصمد طويلاً، ففي واقع الأمر يؤدي الضوء الواقع على الغبار إلى تسخينه في نهاية الأمر مما يؤدي إلى توهجه، وبالتالي من المستبعد أن يكون الغبار هو السبب في ظلمة السماء ليلاً.
الانزياح الأحمر
تنزاح النجوم المبتعدة عن الأرض نحو اللون الأحمر. ماذا يعني هذا؟ وفقاً للظاهرة المعروفة باسم "تأثير دوبلر" فإن الطول الموجي للأجرام السماوية المقتربة من الأرض يقصر، وبالتالي فإن طولها الموجي ينحاز نحو اللون الأزرق (الذي يمتلك طول موجة أقصر) في حين أن الطول الموجي للأجرام السماوية المبتعدة من الأرض يطول، وبالتالي فإن طولها الموجي ينحاز نحو اللون الأحمر (الذي يمتلك طول موجة أطول).
وبالعودة إلى حديثنا حول سماء الليل المظلمة، فإن هذا الانزياح نحو الأحمر قد يسبب الظلمة وفقاً لبعض العلماء. كيف؟
بسبب توسّع الكون وابتعاد النجوم عن الأرض تنزاح تلك النجوم نحو الأحمر، وقد قال بعض العلماء إن الضوء قد يخرج بسبب ذلك من المدى المرئي لنا إلى مدى الأشعة تحت الحمراء غير المرئية؛ لذلك تبدو السماء مظلمة.
لكن وفقاً لما ورد في موقع Nasa، لو كان هذا التفسير صحيحاً لانزاح أيضاً أقصر ضوء موجي للأشعة فوق البنفسجية إلى المدى المرئي، وهذا الأمر لم يحصل.
ضوء كاذب
أما التفسير الأكثر منطقية لظلمة سماء الليل، فهو يتضمن جزءين:
يستغرق الضوء وقتاً ليسافر عبر الفضاء ويصل إلى أعيننا، على سبيل المثال تبعد الشمس عن الأرض حوالي 8 دقائق ضوئية، بمعنى أن الضوء يستغرق 8 دقائق كي يصل من الشمس إلى أعيننا في الأرض، بمعنى آخر عندما نرى الخيوط الأولى لأشعة الشمس فنحن لا نراها فور ظهورها إنما تصلنا متأخرة 8 دقائق.
وفي حين أن الشمس قريبة من كوكبنا إلا أن بقية النجوم بعيدة للغاية؛ إذ يبعد بعضها ملايين السنوات الضوئية عن الأرض، بمعنى أن ضوء هذه النجوم يسافر ملايين السنين في الفضاء كي يصل إلى أعيننا منذ سطوعه عن النجم، وفي هذه الأثناء قد يكون النجم قد مات بالفعل في حين أن شعاع ضوئه لا يزال مسافراً في الفضاء.. أي أن كثيراً من النجوم التي نراها في سماء الليل هي من الناحية العملية غير موجودة!
أما الجزء الثاني من تفسير ظاهرة ظلام الليل، فهو حقيقة أن النجوم ليست خالدة وضوؤها لا يستمر إلى الأبد بل يخفت مع الوقت إلى أن يختفي في النهاية، وإذا كانت هذه النجوم بعيدة عنا للغاية فسيخفت ضوؤها ويختفي وتموت قبل أن يصل شيء منه إلينا.