يمارس أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم ألعاب الفيديو، حيث يتقاتل الأخيار ضد الأشرار، لكن بالنسبة للصين القصة ليست تسلية أو قتلاً للوقت، فبكين تسعى للسيطرة على ألعاب الفيديو وما تحتويه من رسائل سياسية.
وقصة ألعاب الفيديو أضخم كثيراً مما قد يتصور البعض، فعائدات تلك الصناعة عام 2020، على سبيل المثال، تجاوزت 159 مليار دولار، ومن المتوقع أن تزداد تلك الحصيلة بصورة مطردة، رغم الصعوبات التي تواجه تصنيع بعض مكونات أجهزة ألعاب الفيديو، إضافة إلى مشاكل سلاسل التوريد.
ونشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عنوانه "جيوسياسية ألعاب الفيديو"، تناول الأبعاد السياسية التي بدأت تُلقي بظلالها على صناعة ألعاب الفيديو، بعد أن وضعتها الصين هدفاً استراتيجياً لها لمكافحة أي رسائل مناهضة لبكين، خصوصاً في قضية تايوان وانتهاكات حقوق الإنسان بحق الإيغور المسلمين.
تحديات تواجه صناعة ألعاب الفيديو
ويُمارس أكثر من 3 مليارات شخص في العالم ألعاب الفيديو، ويصنف كثير من الناس أجهزة ألعاب الفيديو على أنها الهدية المثالية في موسم الأعياد بشكل عام. وهي في الغرب هدية مثالية، لدرجة أن تجار بيع ألعاب الفيديو يكافحون لمواكبة الطلب في موسم العطلات هذا.
وقد أثرت التأخيرات، ناهيك عن النقص العالمي في رقائق أشباه الموصلات، على إنتاج كل أداة رقمية تقريباً. وقبل الجمعة البيضاء بمدة طويلة كان على تجار التجزئة تحذير المستهلكين من أن العديد من منصات وأجهزة الألعاب قد تنفد بسرعة، وهو ما ترك العديد من المتسوقين محبطين.
لكن عالم ألعاب الفيديو، بشكل خاص، يواجه المزيد من التهديدات الجيوسياسية أكثر من الاضطرابات في سلسلة التوريد. ففي العام الماضي قُدرت عائدات صناعة ألعاب الفيديو بـ159.3 مليار دولار، بزيادة قدرها 9.3% عن عام 2019.
ولم يكن هذا الازدهار فقط لأن وباء فيروس كورونا أجبر الناس على البقاء في منازلهم؛ فقد أصبحت استوديوهات الألعاب تقدم ترفيهاً متطوراً بشكل متزايد.
ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الشركات الصينية العملاقة مثل Tencent بدأت في إيلاء اهتمام كبير للألعاب، خاصة لاستوديوهات الغرب الناجحة. في الواقع قامت الشركات الصينية بالاستحواذ على كثير من شركات ألعاب الفيديو الغربية. وفي يوم واحد فقط من شهر يوليو/تموز، استحوذت Tencent على شركتين للألعاب: واحدة بريطانية والأخرى سويدية.
الصين تضخ أموالاً في صناعة ألعاب الفيديو
قد يبدو هذا مجرد عمل ذي غرض تجاري، لكن العديد من ألعاب الفيديو تتضمن محتوى سياسياً قوياً، حتى لو كانت مهمتها الوحيدة هي تسلية اللاعبين. وتتميز الألعاب باختلافات لا حصر لها في المعارك بين الخير والشر. وليس من المستغرب أن يتبنى الكثيرون القيم الغربية مثل الديمقراطية وحرية التعبير، وذلك ببساطة، لأن مطوّروها هم غربيون يعيشون في مجتمعات تعد فيها مثل هذه الأشياء أمراً مسلماً به.
ورغم أن اهتمام الصين المتزايد بألعاب الفيديو يعني ضخ الكثير من الأموال في تلك الصناعة، لكنها أخبار سيئة لصناعة الألعاب العالمية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالحرية الفنية.
فيبدو من المنطقي تماماً أن تستثمر الشركات الصينية في شركات الألعاب أو تستحوذ عليها، لكن بير سترومباك، المتحدث باسم اتحاد صناعة الألعاب السويدية، يقول إن "هناك قلقاً بشأن حقيقة أن الحكومة الصينية يمكن أن تجبرهم على التعاون بموجب قانون الاستخبارات الوطنية لعام 2017". وينص القانون بشكل عام على أنه "يجب على أي منظمة أو مواطن أن يدعم عمل استخبارات الدولة ويساعده ويتعاون معه وفقاً للقانون".
وماذا إذا كانت الشركات الصينية لا تريد أن تفعل ذلك؟ يمكن للدولة أن تطالب به وتفرضه أيضاً. وهذا قد يفسر سبب تراجع راعي مسابقة صانعي ألعاب الفيديو هذا العام، الذي يقدِم على رعاية هذه المسابقة منذ زمن طويل. فبحسب مصدر مقرب من منظمي المسابقة تحدث لفورين بوليسي، يخشى الراعي أن العرض الفائز قد يعمد إلى الإساءة إلى بكين ولا يريد أن يتحمل المسؤولية عن محتوى اللعبة، أو العواقب في السوق الصينية. وتشعر استوديوهات ألعاب الفيديو التي استحوذت عليها الشركات الصينية أيضاً بالضغط لتعديل محتواها وفقاً للقيم الصينية.
اقتراح صيني بفرض رقابة على ألعاب الفيديو
في ربيع هذا العام، جربت الحكومة الصينية طريقة غير تقليدية إلى حد ما لمواءمة ألعاب الفيديو العالمية. فقد قدمت اقتراحاً إلى المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO)، التي تنظم البضائع بدءاً من أفلام الكاميرات ووصولاً إلى مقاعد السيارات، ويرمي هذا المقترح إلى التعامل مع ألعاب الفيديو بنفس الطريقة.
ويتعلق التطبيق فقط بالمعايير الفنية، فـISO لا تهتم بالمحتوى الفني، لكن من الواضح أن بكين تعتزم التعامل مع ألعاب الفيديو على أنها منتج تقني وليس منتجاً فنياً. وقد يؤدي ذلك إلى استخدام المنظمات الأعضاء في ISO، مثل منظمات الصين، حق التقدم بالشكاوى للهيئة الدولية ضد ألعاب الفيديو التي لا توافق عليها.
وتمرد اتحاد صناعة الألعاب السويدية ضد هذه الخطوة، مستخدماً نفوذه المكتسب من النجاح الهائل للسويد في السوق. وقال سترومباك لمجلة Foreign Policy: "قلنا لهم: "ألعاب الفيديو فن، إن تنظيمها بنفس الطريقة التي تنظم بها المصابيح الكهربائية من شأنه أن يحد من حرية المبدعين، يتطلب التصدير الناجح لألعاب الفيديو حرية التعبير".
شجع اتحاد صناعة الألعاب السويدية أعضاء ISO على التصويت ضد اقتراح الصين بشأن التنظيم. وانتهى التصويت برفض الاقتراح، لكن جهود بكين تسببت في قلق في جميع أنحاء الصناعة، حتى إن اتحاد الصناعة في إحدى الدول شعر أنه من الحكمة التشاور مع الملاك الصينيين لإحدى الشركات الأعضاء قبل التصويت ضد الاقتراح.
وفي غضون ذلك، كانت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي الجهة الأمريكية المنظمة التي تدقق في عمليات الاستحواذ لأسباب تتعلق بالأمن القومي، قد فتحت بالفعل تحقيقاً في استحواذ Tencent على شركة Sumo، وهو استوديو ألعاب الفيديو البريطاني الذي استحوذت عليه الشركة الصينية في يوليو/تموز.
حتى أولئك الذين لا يمارسون ألعاب الفيديو يجب أن يقلقوا من اهتمام الحكومات الاستبدادية بالصناعة. ولأن معظم المسؤولين في البلدان الاستبدادية ليسوا لاعبين ماهرين تماماً، تعد ألعاب الفيديو ركناً نادراً من الإنترنت حيث يمكن للأشخاص المقيمين في تلك البلدان التعبير عن أفكار قد تجعلهم في مأزق إذا عبروا عنها خارج حدود الإنترنت.
الإيغور وتايوان
قال إريك روبرتسون، مبتكر ألعاب فيديو منذ مدة طويلة ويترأس مؤتمر لعبة Nordic Game نصف السنوي، للمجلة الأمريكية: "إذا كنت ديكتاتوراً فأنا بالتأكيد سأرغب في إبقاء صناعة ألعاب الفيديو تحت سيطرة محكمة".
وفي هذا السياق تتسارع وتيرة المواجهة الجيوسياسية بصورة حادة بشكل خاص بالنسبة لصناعة ألعاب الفيديو، بحروبها الخيالية وأبطالها وأشرارها من جنسيات مختلفة. القيود التي فرضتها بكين مؤخراً على مقدار الوقت الذي يمكن للقُصَّر قضاؤه في ممارسة ألعاب الفيديو -وهي جزء من حملة أوسع نطاقاً ضد عمالقة التكنولوجيا- لم تقوض القوة العالمية للشركات الصينية.
على العكس من ذلك، فإن تقليل وقت اللعب يعني أنه لا يمكن للشركات الاعتماد فقط على السوق المحلية، لكن صناعة التكنولوجيا الصينية لا تزال حريصة على عدم إثارة غضب الحكومة، ففي سبتمبر/أيلول، على سبيل المثال، أعلن اتحاد صناعة الألعاب في الصين أن أعضاءه سيقاطعون المحتوى "الضار سياسياً"، من بين محتويات أخرى تعد ضارة أو غير مناسبة.
ويجب على مطوري ألعاب الفيديو في جميع أنحاء العالم الآن محاولة معرفة ما يشكل محتوى ضاراً سياسياً بالنسبة للصين. من السهل معرفة إلى أين سيقود ذلك: سيلعب مطورو المحتوى اللعبة بأمان خوفاً من استياء السلطات الصينية والمشترين المحتملين، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى محتوى أقل إثارة.
قال إزيو أوديتوري بطل لعبة Assassin's Creed II، في مرحلة ما: "الرغبة في شيء ما لا يمنحك الحق في الحصول عليه". يعيش أوديتوري في إيطاليا في عصر النهضة، لكن أي نظام استبدادي قد يأخذ تعليقه على أنه انعكاس للجغرافيا السياسية المعاصرة.
يمكن، على سبيل المثال، تفسيره على أنه إشارة إلى حقيقة أن الصين ليس لها الحق في الاستيلاء على تايوان. فتخيل عذاب صانعي ألعاب الفيديو وهم يحاولون إنشاء إصدارات جديدة من Assassin's Creed، وغيرها من الألعاب في واقع الأمر، دون أن تتعارض مع حساسيات المسؤولين الصينيين المتحمسين.
ماذا لو شعر اللاعبون في البلدان الاستبدادية أن ركن الإنترنت الخاص بهم لم يعد حراً؟ تُظهر الأشهر القليلة الماضية أن صناعة الألعاب في القرن الحادي والعشرين على وشك أن تخضع للاختبار. في الواقع يمكن لأولئك الذين يخططون لقضاء الإجازات في محاربة الأشرار المختلفين البدء في تقييم السوق المتغيرة من خلال نشر الرسائل بتكتمٍ بشأن محنة الإيغور أو تايوان أو لاعبة التنس الصينية بينغ شواي.