"اللي هيتجوز ملوش دعم".. جمهورية السيسي الجديدة
خرجت علينا وسائل الإعلام العالمية بآخر الأخبار القادمة من كوريا الشمالية، فانتبهنا لنعرف ماذا يحدث في الجانب الآخر في أعماق آسيا، فكانت المفاجأة أن زعيمها كيم جونغ أون قرر منع المواطنين من الضحك لمدة 11 يوماً، بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة والد كيم جونغ أون، الزعيم السابق كيم جونغ إيل، إضافة لمنع شرب الكحول، أو الانخراط في أنشطة ترفيهية، لكن إفريقيا لم تصمت ورمت آسيا بخير من يمثلها في هذه المنافسة العبثية المستبدة، وهو عبد الفتاح السيسي رأس النظام في مصر وصاحب العاصمة الإدارية الجديدة.
جمهورية السيسي.. اللي فات حمادة واللي جاي حمادة تاني
في أحد مؤتمراته شبه الأسبوعية، التي يخاطب فيها الحضور والمصريين عامة كعادته وهم وراء كرسيه الأنيق لينهل لهم من عبقريته في حل أشد الأزمات تعقيداً، وأثناء حديثه عن "مشروعاته القومية التنموية"، تطرق فجأة لملف دعم التموين، التي توفر بعض السلع الغذائية الأساسية لأكثر من 60 مليون مصري، فقرر منح الدعم فقط لفردين في كل أسرة لديها بطاقة تموينية بالفعل.
وقبل عهد السيسي كان يمكن للمستفيدين إضافة أفراد جدد تلقائياً على بطاقات الدعم، بعد ولادة طفل، لكن في عام 2017، قصرت الحكومة عدد الذين يضافون إلى البطاقة على 4 فقط، والآن يمنع السيسي إصدار بطاقات تموين جديدة للمقبلين على الزواج قائلاً: "لا يمكن أدي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز، لأنك لو بتتجوز ومستني الدولة تديك بطاقة تموين فأنت مش قادر تصرف إزاي يعني.. لأ ده كلام مش مظبوط".
وقديماً قال المصلح المجتمعي محمد عبده: "لا صلاح في الاستبداد بالرأي وإن خلصت النيات"، فكيف الحال إذا اجتمع الاستبداد مع فساد النية والعمل؟!
السيسي الأسطوري.. كيف يرى نفسه؟
في أقل من دقيقتين وعلى الهواء مباشرة، قرر السيسي منح من يريد ومنع من يريد، دون غضاضة أو قلق، وبالتأكيد بلا دراسة، فكما قال قديماً في منتدى "إفريقيا 2018": "إحنا في مصر لو مشينا بدراسات الجدوى، كنا هنحقق فقط 20% لـ25% مما حققناه".
فعبد الفتاح السيسي يرى نفسه طبيب الفلاسفة، ومخلّص مصر من كل أزماتها، الملهم صاحب الحلول دائماً، يشخص الأزمة في حينها، يطرح حلوله الفذة، يعطي الأوامر فتنفذ دون دراسة أو تخطيط، هو لا يحتاج لهما، ربما هذا للآخرين، أما هو فيقول عن نفسه "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان"، وربما علم منطق الطير أيضاً.
فهو لا يحتاج سوى "ميكروفون" في يده وخلفه بضع مئات تصفق له في كل الأحوال، فيتخذ ما يحلو له من قرارات هامة تؤثر على ملايين المصريين، أو يمنح أحد رجاله "ترقية" كبيرة، مثلما فعل مع "كامل الوزير" وزير النقل الحالي عام 2019، حين منحه رتبة "فريق"، فكان يتحدث في أحد مؤتمراته أيضاً، وفجأة صمت ثم قال: "بالمناسبة يا كامل.. اسمح لي إن أنا أرقّيك لرتبة الفريق".
ستشاهد فيلم السهرة أم تنام مبكراً؟ السيسي سيخبرك
تقول الأسطورة، إنه في أوروبا والدول المتقدمة، لا تطلب الدولة منك سوى احترام دستورها والقوانين الحاكمة للعلاقات بين مواطنيها، وربما القليل من الضرائب، ولكن في جمهورية السيسي الجديدة، يختلف الأمر كثيراً، فعبد الفتاح السيسي، أبو محمود ومصطفى وحسن وآية، يختار لك أن تنجب فقط اثنين من الأبناء "كفاية اتنين وادوا نفسكم فرصة".
وإن أردت أن تقوي بدنك ببعض الطعام، كي تستطيع مواصلة السعي في حياتك، دون أن تنكبّ على وجهك من الضعف، طبق من الفول بالزيت الحار، وبعض أرغفة الخبز، ستفي بالغرض، وفقاً لدخلك الهزيل، لكن السيسي لن يترك لك هذا أيضاً دون تحكم في حياتك، فيوجهك "لو قطعنا رغيف العيش قطع صغيرة، هنشبع بسرعة ونوفر"، وفي موضع آخر سيذكرك أنه "مش معقول الـ20 رغيف عيش يكون بتمن سيجارة.. متجيش تقولي متقربش من رغيف العيش.. لأ هقرب منه".
حرية الرأي.. ملكية خاصة للسيسي
لا تحاول أن تتحدث في تلك الأمور المضيعة للوقت، مثل تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير، ومشكلات مصر المزمنة، وأزماتها الحالية، وأهمها ملف سد النهضة، الذي وقع السيسي على اتفاق المبادئ الخاص به، في مارس 2015، مع دولتي إثيوبيا والسودان، معترفاً بحق إثيوبيا في بناء السد، دون إقرار أي جزاء قانوني دولي عليها في حال مخالفة الاتفاقيات السابق توقيعها، فإن قررت أن تتحدث عن سد النهضة، سيرد السيسي فوراً: "بلاش هري" كما قال سابقاً في احتفالية مبادرة "حياة كريمة"، ليحدد للمصريين المواضيع التي يمكنهم الحديث بشأنها.
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" "إن الاستبداد لغةً هو غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النصيحة، وهو الاستقلال في الرأي، أو الحقوق المشتركة.. والاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.