سوليفان في إسرائيل.. ماذا تعني “الجداول الزمنية” بشأن نووي إيران في هذا التوقيت؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/21 الساعة 12:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/21 الساعة 12:40 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت - رويترز

هل تكون بداية 2022 شبيهة ببداية 2020، عندما اغتالت أمريكا قاسم سليماني؟ زيارة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لإسرائيل، لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والحديث عن "الجداول الزمنية" قد ترفع سقف التوقعات لخيار الحرب.

زيارة سوليفان إلى إسرائيل، الثلاثاء 21 ديسمبر/كانون الأول، واجتماعاته المقررة مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، وخصوصاً نفتالي بينيت رئيس الوزراء، تركز بشكل أساسي على برنامج إيران النووي وكيفية التعامل معه، في ظل ما أسفرت عنه مفاوضات فيينا حتى الآن.

وتهدف مفاوضات فيينا إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، لكن تلك المفاوضات، التي استؤنفت 29 نوفمبر/تشرين الثاني، وشهدت عدة جولات لم تؤدِ إلى حدوث تقدم صوب الهدف منها.

والاتفاق النووي أو "معاهدة العمل الشاملة المشتركة" كان قد تم توقيعه بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وإيران (اتفاق 6+1)، وكانت أبرز بنوده ألا تزيد إيران نسبة تخصيب اليورانيوم لديها على 3.76%، وألا تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب يزيد على نحو 200 كلغم بتلك النسبة، ووضع قيود أيضاً على ما تحتفظ به طهران من الماء الثقيل.

لكن يعتبر المحللون أن أهم بنود الاتفاق النووي هو إعطاء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات خاصة، تشمل التفتيش المفاجئ على أي منشأة نووية إيرانية في أي وقت، ودون إخطار مسبق. وانسحبت إيران عملياً من هذا البروتوكول الخاص مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخصب اليورانيوم بنسبة نقاء تتخطى 60%، فيما يراه خبراء إنهاءً عملياً لبنود الاتفاق النووي.

ماذا سيناقش سوليفان في إسرائيل؟

إسرائيل ليست طرفاً في المحادثات النووية مع إيران، لكنها تبدو أكثر الأطراف انشغالاً بما قد تسفر عنه مفاوضات فيينا، فهي تعتبر إيران عدوتها الأولى، وأن امتلاكها سلاحاً نووياً تهديد وجودي لها، رغم أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المسلحة نووياً في المنطقة، دون أن تفصح علناً عن ترسانتها النووية.

وعلى عكس بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق، كان بينيت حريصاً في البداية على ألا يختلف مع الرئيس جو بايدن علناً بشأن التفاوض مع إيران، لكنه مؤخراً بدأ يخرج عن إطار ذلك الحرص، وجدّد التأكيد على التهديد بأن تتخذ إسرائيل إجراءً منفرداً إذا لزم الأمر.

وقال قبل انطلاق جولة المفاوضات الأخيرة في فيينا: "سنحتفظ بحريتنا في الرد". مضيفاً أن إسرائيل "منزعجة كثيراً" مما يعتبره استعداد القوى العالمية لرفع العقوبات وإعادة فرض "قيود غير كافية على النشاط النووي". وقال إن إسرائيل تنقل هذه الرسالة إلى جميع الأطراف المعنية.

لكن الأيام الماضية شهدت تصعيداً هائلاً في الحرب الكلامية بين إسرائيل وإيران، فيما تبدو وكأنها الأمتار الأخيرة قبل أن تصمت التصريحات وتنطلق أصوات الصواريخ والقنابل، رغم أن هذه الأجواء باتت شبه معتادة كلما اقتربت المفاوضات النووية من الانهيار.

مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان/رويترز

وفي ظل هذه الأجواء، من الصعب عدم التوقف أمام ما تعنيه زيارة مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن إلى إسرائيل في هذا التوقيت. ومن المتوقع وصول سوليفان إلى إسرائيل، يرافقه منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكجورك ومسؤولون أمريكيون آخرون.

وقال مسؤول أمريكي تحدث إلى الصحفيين مشترطاً عدم الكشف عن هويته، بحسب ما أفادت وكالة رويترز، إن سوليفان سيجتمع أيضاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله بالضفة الغربية، لبحث تعزيز العلاقات الأمريكية مع الفلسطينيين.

لكن محللين وخبراء قالوا إن وجود سوليفان في إسرائيل هدفه الرئيسي هو الملف النووي الإيراني، وقال المسؤول في إدارة بايدن إن الأمريكيين والإسرائيليين سيتحدثون عن توقعاتهم للأسابيع المقبلة فيما يتعلق بالمحادثات مع إيران.

وأضاف المسؤول "سنتحدث عن تصوراتنا بشأن وضع البرنامج النووي الإيراني وبعض الجداول الزمنية، ستكون فرصة جيدة للجلوس وجهاً لوجه والتحدث بشأن ما آلت إليه المحادثات، والإطار الزمني الذي نحن بصدده، وإعادة التأكيد على أنه لم يعد أمامنا الكثير من الوقت".

ماذا تعني "الجداول الزمنية" بشأن نووي إيران؟

هل الإشارة إلى "الجداول الزمنية" في هذا السياق تخص المفاوضات النووية في فيينا، ومتى يتوقع أن تنتهي بالتوصل إلى اتفاق مع إيران؟ أم هي إشارة إلى ما تعتقد الولايات المتحدة أنها الفترة الزمنية التي تحتاجها إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي واحد؟

إذا كانت الإشارة تعني الجزء الثاني المتعلق بالعتبة النووية -أي اقتراب طهران من الحصول على سلاح نووي- فالأمريكيون يقولون إنها أصبحت الآن "قصيرة جداً"، وقال المسؤول في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة وإسرائيل تتفقان بشكل كامل على أنه يجب عدم السماح لإيران بإنتاج سلاح نووي.

وتم تعليق المحادثات بين إيران والقوى العالمية حتى الأسبوع القادم، بعد عدم إحراز تقدم. وقال بيان البيت الأبيض إن سوليفان سيجدد التأكيد خلال محادثاته مع الإسرائيليين على التزام الولايات المتحدة بدعم أمن إسرائيل.

أسعار النفط أمريكا مخزون احتياطي
هل يفعل بايدن ما لم يفعله ترامب بشأن إيران؟/ رويترز

لكن تقريراً نشرته رويترز الأسبوع الماضي، نقلاً عن مسؤول أمريكي كبير -لم تُسمّه- قال إنه من المتوقع أن يبحث قادة الدفاع في الولايات المتحدة وإسرائيل تدريبات عسكرية محتملة من شأنها التحضير لأسوأ سيناريو ممكن لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، إذا أخفقت الدبلوماسية.

وبالتالي يرى بعض المحللين أن زيارة سوليفان إلى إسرائيل في هذا التوقيت يمكن تفسيرها في كلا السياقين، بمعنى أنه قد يكون يسعى إلى "لجم" الإسرائيليين حتى لا يقدموا على تحرك منفرد ضد إيران، أو قد يكون الهدف هو الاستعداد لتحرك عسكري مشترك في حالة فشل المفاوضات النووية تماماً.

ما تأثير التهديدات العسكرية على الاتفاق النووي؟

في جميع الأحوال ترى إيران، من جانبها، أن المواجهة العسكرية قد تحدث، وصعّدت مؤخراً من استعداداتها العسكرية للدفاع عن المنشآت النووية، وفي الوقت نفسه تُطلق طهران من جانبها تهديدات مضادة موجهة نحو تل أبيب وواشنطن أيضاً.

وأصدرت إيران أمس الإثنين بياناً قالت فيه إن أصوات إطلاق النيران المضادة للطائرات التي سُمعت قرب محطة بوشهر للطاقة النووية كانت بسبب تدريبات للدفاع الجوي، محذرة في الوقت نفسه من أنها سترد "رداً ساحقاً" على أي هجوم إسرائيلي، بحسب رويترز.

وقال نائب محافظ بوشهر، محمد تقي إيراني، لوسائل إعلام رسمية إيرانية "أجريت هذه التدريبات في الخامسة صباحاً بالتوقيت المحلي، في ظل استعداد وتنسيق كاملين مع القوات المسلحة". وكانت بعض وسائل الإعلام قد أفادت في وقت سابق بسماع أصوات إطلاق نيران مضادة للطائرات في المنطقة.

وفي وقت سابق من الشهر، قالت السلطات الإيرانية إن دفاعاتها الجوية أطلقت صاروخاً في إطار تدريب عسكري، بعد أن أفادت وسائل إعلام رسمية بانفجار كبير فوق بلدة نطنز بوسط البلاد، التي تضم المنشأة النووية الرئيسية لإيران.

طائرة مسيرة إيرانية تم تم إطلاقها خلال مناورة قتالية واسعة النطاق/رويترز

وقال القائد البارز بالحرس الثوري الإيراني غلام علي رشيد "إذا شنت إسرائيل هجمات ضد إيران فإن قواتنا المسلحة ستهاجم على الفور جميع المراكز والقواعد والطرق والمواقع التي استُخدمت لتنفيذ الاعتداء".

وأضاف "أي تهديد للمواقع النووية والقواعد العسكرية الإيرانية من قبل النظام الصهيوني (إسرائيل) لن يكون ممكناً بدون وجود ضوء أخضر من أمريكا".

وهناك انقسام واضح داخل أروقة السياسة الأمريكية بشأن كيفية التعامل مع برنامج إيران النووي، فهناك فريق يرى إطلاق يد إسرائيل لتشن هجمات تستهدف منشآت إيران النووية وعلماءها البارزين، جنباً إلى جنب مع مواصلة المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

بينما يرى فريق آخر، يشمل بايدن وكبار مسؤولي إدارته، أن التهديدات العسكرية لا تخدم هدف إعادة إحياء الاتفاق النووي، بل تعطي إيران الذريعة لتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم، وبالتالي الاقتراب أكثر من "العتبة النووية". وتناول تحليل لموقع Responsible Statecraft بعنوان "التهديد بالحرب مع إيران لن ينقذ الاتفاق النووي"، ووجهة نظر إدارة بايدن في هذا الصدد.

وكانت صحيفة New York Times قد نشرت تقريراً، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أيام من الإعلان عن استئناف مفاوضات فيينا، ذكرت فيه أن إدارة بايدن حذرت الإسرائيليين بشكل مباشر بشأن هجماتهم الإلكترونية ضد منشآت إيران النووية، وطالبتهم بالتوقف عنه فوراً.

وتتمثل وجهة نظر الأمريكيين، بحسب تقرير الصحيفة، في أن هجمات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية تأتي بنتائج عكسية، وتساعد طهران على تحسين برنامجها، وتعطي الإيرانيين ذريعة لتسريع تخصيب اليورانيوم، والتراجع أكثر عن التزاماتهم بموجب الاتفاق النووي.

وقال مسؤولون أمريكيون مطلعون على كواليس النقاشات بين واشنطن وتل أبيب، إن إدارة بايدن تضغط على الإسرائيليين للتوقف فوراً عن تلك الهجمات غير المجدية، وتقول لهم إن المخرج الوحيد من الأزمة يتمثل في إعادة إحياء الاتفاق النووي، ووضع جميع أنشطة إيران النووية تحت المراقبة الدقيقة، كما كان الحال خلال سنوات الاتفاق النووي وقبل انسحاب ترامب.

الخلاصة هنا هي أن زيارة سوليفان إلى إسرائيل في هذا التوقيت والإشارة إلى "الجداول الزمنية" فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، على الأرجح المقصود بها إقناع نفتالي بينيت والمسؤولين الإسرائيليين بضرورة التخفيف من حدة "حديث الحرب"، لإفساح المجال أمام الدبلوماسية، على أساس أن الحرب مع إيران هي خيار لا يريده أي من الأطراف، بما فيها الإيرانيون أنفسهم، بحسب كثير من المراقبين.

تحميل المزيد