حظي الاجتماع الأممي الذي عُقِد مؤخراً في جنيف حول البحث عن معاهدة لحظر أو تقييد أسلحة معينة، باهتمام خبراء في الذكاء الاصطناعي والاستراتيجية العسكرية ونزع السلاح والقانون الإنساني، وسبب ذلك هو الروبوتات القاتلة، فما القصة؟
لماذا هذا الاهتمام الأممي بالروبوتات القاتلة؟
تقرر الروبوتات القاتلة، أي الطائرات بدون طيار، والبنادق والقنابل بمفردها، بأدمغة اصطناعية، ما إذا كانت ستهاجم وتقتل، وجاء هذا المؤتمر ليدرس ما الذي يجب فعله، وإذا كان هناك أي شيء، لتنظيم أو حظر هذه الروبوتات، كما تقول صحيفة nytimes الأمريكية.
وبعدما كانت في السابق مجرد نوع من أفلام الخيال العلمي، مثل سلسلة "Terminator" و"RoboCop"، ابتُكِرَت الروبوتات القاتلة، المعروفة تقنياً باسم أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، واختُبِرَت بوتيرة متسارعة مع قليل من الإشراف. واستُخدِمَت بعض النماذج الأولية في النزاعات الفعلية. ويعتبر تطور هذه الآلات حدثاً مُزلزلاً محتملاً في الحرب، على غرار اختراع البارود والقنابل النووية.
هذا العام، ولأول مرة، اقترحت غالبية الدول الـ125 التي تنتمي إلى اتفاقية تسمى اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة، فرض قيود على الروبوتات القاتلة. لكن الأعضاء الذين يطورون هذه الأسلحة، وعلى الأخص الولايات المتحدة وروسيا، عارضوا هذا الاقتراح.
واختتمت المجموعة المؤتمر يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول، ببيان غامض حول النظر في الإجراءات الممكنة المقبولة للجميع. وقالت مجموعة "حملة وقف الروبوتات القاتلة"، وهي مجموعة لنزع السلاح، إنَّ النتيجة كانت "مخيبة جداً للتوقعات".
ما هي بالضبط الروبوتات القاتلة؟
تختلف الآراء حول التعريف الدقيق، لكنها تعتبر على نطاق واسع، أسلحة تتخذ القرارات مع مشاركة بشرية ضئيلة أو معدومة. وتجعل التحسينات السريعة في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتعرف على الصور، مثلَ هذه الأسلحة ممكنة.
ما سبب جاذبية هذه الأسلحة لدى بعض الجيوش؟
بالنسبة لمخططي الحرب وقادة الجيوش، تقدم الأسلحة وعداً بإبقاء الجنود بعيداً عن الأذى، واتخاذ قرارات أسرع من الإنسان، من خلال إلقاء مزيد من مسؤوليات ساحة المعركة على الأنظمة المستقلة مثل الطائرات بدون طيار والدبابات ذاتية القيادة التي تقرر باستقلالية متى تضرب.
ما هي الاعتراضات؟
يجادل النقاد بأن من البغيض أخلاقياً إسناد اتخاذ القرارات المميتة إلى الآلات، بغض النظر عن مدى تطورها التكنولوجي. إذ كيف ستفرّق الآلة بين شخص بالغ وطفل، أو مقاتل مع بازوكا ومدني مع مكنسة، أو بين مقاتل مُعادٍ وجندي جريح أو مستسلم؟
وأمام مؤتمر جنيف، قال بيتر مورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمعارض الصريح للروبوتات القاتلة: "بشكل أساسي، تثير أنظمة الأسلحة المستقلة مخاوف أخلاقية للمجتمع بشأن إحلال أجهزة الاستشعار والبرمجيات والعمليات الآلية محل البشر في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة والموت".
قبل المؤتمر، دعت هيومن رايتس ووتش والعيادة الدولية لحقوق الإنسان التابعة لكلية هارفارد للقانون إلى اتخاذ خطوات نحو اتفاقية ملزمة قانوناً تتطلب السيطرة البشرية في جميع الأوقات.
وجادلت المجموعتان، في ورقة إحاطة لدعم توصياتها: "تفتقر الروبوتات إلى مشاعر التعاطف والشفقة والرحمة والتقدير الضرورية لمعاملة البشر بطريقة إنسانية، ولا يمكنها فهم القيمة المتأصلة في حياة الإنسان".
ما أهمية عقد مؤتمر دولي لأجل حظرها؟
اعتبر كثيرون من خبراء نزع السلاح المؤتمر أفضل فرصة حتى الآن لابتكار طرق لتنظيم -وإن لم يكن حظر- استخدام الروبوتات القاتلة بموجب اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة.
وجاء مؤتمر جنيف تتويجاً لسنوات من المناقشات بين مجموعة من الخبراء الذين طُلِب منهم تحديد التحديات والأساليب الممكنة للحد من التهديدات التي تطرحها الروبوتات القاتلة. لكن الخبراء لم يتمكنوا حتى من التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل الأساسية.
ماذا يقول معارضو المعاهدة الجديدة؟
ويصر البعض، مثل روسيا، على أنَّ أي قرار بشأن الحدود يجب أن يُتخَذ بالإجماع، لكن في الواقع يُمنَح المعارضون حق النقض.
فيما تجادل الولايات المتحدة بأنَّ القوانين الدولية الحالية كافية وأنَّ حظر تكنولوجيا الأسلحة المستقلة سيكون سابقاً لأوانه. واقترح كبير مبعوثي الولايات المتحدة إلى المؤتمر، جوشوا دوروسين، "مدونة سلوك" غير ملزمة لاستخدام الروبوتات القاتلة، وهي فكرة رفضها دعاة نزع السلاح باعتبارها تكتيكاً للمماطلة.
من جانبها، قالت مايكي فيربروجن، الخبيرة في تكنولوجيا الأمن العسكري الناشئة بمركز الأمن والدبلوماسية والاستراتيجية في بروكسل، لصحيفة نيويورك تايمز، إنَّ التعقيد والاستخدامات المتنوعة للذكاء الاصطناعي يجعلان تنظيمها أصعب من الأسلحة النووية أو الألغام الأرضية. وأشارت إلى أنَّ الافتقار إلى الشفافية بشأن ما تبنيه الدول المختلفة خلق "حالة من الخوف والقلق" بين القادة العسكريين الذين يجب عليهم مواكبتها.
وأضافت مايكي: "من الصعب جداً التعرف على ما تفعله دولة أخرى في هذا السياق. هناك كثير من عدم اليقين، وهذا ما يحرك الابتكار العسكري".
هل هناك صراع في المؤسسة الدفاعية الأمريكية حول الروبوتات القاتلة؟
الإجابة نعم. يقول فرانز-ستفيان غادي، الباحث بمعهد International Institute for Strategic Studies، إنه حتى مع زيادة تقدم التكنولوجيا، كان هناك تردد في استخدام الأسلحة المستقلة في القتال، بسبب مخاوف من حدوث أخطاء.
وتساءل: "هل يمكن للقادة العسكريين الوثوق بأحكام أنظمة الأسلحة المستقلة؟ وهنا الجواب في الوقت الحالي هو بوضوح: لا، وسيبقى كذلك في المستقبل القريب".
امتد الجدل حول الأسلحة المستقلة إلى وادي السيليكون. في عام 2018، أعلنت شركة جوجل أنها لن تجدد عقداً مع البنتاغون بعدما وقّع الآلاف من موظفيها خطاباً يحتجون فيه على عمل الشركة في برنامج يستخدم الذكاء الاصطناعي لتفسير الصور التي يمكن استخدامها لاختيار أهداف الطائرات بدون طيار. ووضعت الشركة أيضاً مبادئ توجيهية أخلاقية جديدة تحظر استخدام تقنيتها في الأسلحة والمراقبة.
ماذا سيحدث الآن؟
قال العديد من دعاة نزع السلاح إنَّ نتائج المؤتمر عززت ما وصفوه بالعزم على الدفع باتجاه معاهدة جديدة في السنوات القليلة المقبلة؛ على غرار تلك التي تحظر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية.
وفي هذا السياق، قال دان كايسر، خبير الأسلحة المستقلة في PAX، وهي مجموعة مناصرة للسلام ومقرها هولندا، إنَّ فشل المؤتمر في الاتفاق حتى على التفاوض بشأن الروبوتات القاتلة كان "إشارة واضحة حقاً إلى أنَّ اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة غير كافية لأداء المهمة".
قال نويل شاركي، خبير الذكاء الاصطناعي ورئيس اللجنة الدولية للحد من أسلحة الروبوتات، إنَّ الاجتماع أظهر تفضيلاً لصياغة معاهدة جديدة على مواصلة المفاوضات المتعلقة باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة.
وأضاف: "كان هناك شعور بالإلحاح في الغرفة بأنه إذا لم نتخذ خطوة في هذا الشأن، فنحن لسنا مستعدين للبقاء في هذا المجال".