في 18 سبتمبر/أيلول 2021 ألقى نائب وزير الدفاع الأمريكي للشؤون السياسية بمفاجأة "عبر الفيديو"، لم يلتفت لها الكثيرون.
كانت المناسبة هي انعقاد المؤتمر العسكري السنوي لدول البلطيق، بمبادرة من وزارة الدفاع في جمهورية ليتوانيا.
وظهر كولين على شاشات المؤتمر الذي تواصل فيه المشاركون بتقنية الفيديو، ليتحدث في موضوع هذا العام للمؤتمر، وهو "الغرب في عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى".
"في السنوات القادمة، قد تشكل روسيا بالفعل أكبر تحدٍّ أمني تواجهه الولايات المتحدة، وبالتأكيد أوروبا، في المجال العسكري"، هكذا تحدث الرجل.
روسيا في نظر ممثل العسكرية الأمريكية هي "خصم يزداد حزماً في سعيه الثابت إلى تعزيز نفوذه في العالم وأداء دور مزعزع على الصعيد الدولي، بما في ذلك من خلال محاولات لتقسيم بلدان الغرب".
وتابع الرجل قائمة "جرائم روسيا"، التي تشمل هجمات سيبرانية على أمريكا وحلفائها،
وتقويض الشفافية في العلاقات الدولية،
واستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها،
ودعم جماعات تعمل بالوكالة من أجل زرع الفوضى والشكوك ونسف النظام العالمي المبني على القواعد من خلال أنشطة سيبرانية ودولية.
ثم "خرق روسيا سيادة جيرانها ووحدة أراضيها"، وهي عبارة تهم المشاركين في المؤتمر العسكري للبلطيق.
كل هذه الاتهامات تأتي من ناحية الغرب: الاتحاد الأوروبي وأمريكا، حيث العداء التاريخي لموسكو.
نجح الغرب في هدم الإمبراطورية السوفييتية بداية التسعينيات، وانتهى عصر التوسع الأيديولوجي للشيوعية، لكن فكرة التوسع الروسي ونشر النفوذ السياسي والاقتصادي مازالت حية.
يسهر عليها الآن الرئيس فلاديمير بوتين، ابن المخابرات السوفييتية الرهيبة "كي جي بي".
يمد الأخطبوط الروسي أذرعته الخفية حول الكوكب في حركة نشطة وخفية، خاصة بعد عام 2015، بتجارة الأسلحة والشركات العسكرية الخاصة وشبكات استخراج وتهريب المعادن النفيسة.
الكثير من الأصوات في الغرب تنادي الآن بالتعامل مع روسيا على أنها العدو رقم 1، وليس الصين.
كثيرون يحذرون من نجاح الأخطبوط الروسي في الالتفاف حول الكوكب بأسره في غضون بضع سنوات، لأن الثمن سيكون باهظاً على أمريكا والاتحاد الأوروبي.
ما الذي تفعله روسيا في الخفاء والعلن لتثير كل هذا الذعر؟
هذا التقرير محاولة للإجابة، باستعراض أنشطة روسيا خارج الحدود، والأذرع المتنوعة التي تنفذ بها موسكو سياستها الخارجية بالضغوط، وصنع الأزمات، والهجمات الإلكترونية.
روسيا التي تحاصر الاتحاد الأوروبي وتهدد أمريكا
في عناوين الربع الأخير من عام 2021 تكررت التحذيرات من توسعات عسكرية لروسيا في البحر الأسود.
تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قال إن الولايات المتحدة الأمريكية تبادلت معلومات استخباراتية مع عدد من حلفائها في أوروبا، تشير إلى أن روسيا تخطط لغزو محتمل واسع النطاق لأوكرانيا أوائل 2022.
يشير التقرير إلى أن هذا الغزو -إن حدث- سيكون أكبر وأشد تدميراً من حرب عام 2014 في شرق أوكرانيا، حيث قُتل 14 ألف شخص في تمرد أطلقه الانفصاليون المدعومون من روسيا.
نوايا بوتين لا تزال غامضة، في حين أن المعلومات الاستخباراتية تشير "إلى سيناريو يعبر فيه حوالي 100 ألف جندي إلى أوكرانيا من مواقع متعددة بمساندة الدعم الجوي".
لكن الغزو العسكري يُعدّ أسلوباً نادراً في السياسة الخارجية الروسية، تسبقه طرق أخرى أكثر نعومة، وقبولاً.
ما تخوضه روسيا الآن ضد الغرب، وخاصة أمريكا، هو "حرب الظل" التي تحدث في مساحات بينية بين حالتَي السلم والحرب.
في ساحة تكتيكية بين العمل السري والقوة العلنية.