طالب معهد رويال يونايتد لدراسات الدفاع والأمن (RUSI) البريطاني بضرورة التوصل إلى حل حاسم فيما يتعلق بعشرات الآلاف المرتبطين بتنظيم "داعش"، والمحتجزين من قِبل ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرقي سوريا، سواء بالمحاكمة أو إعادتهم إلى أوطانهم وإلحاقهم ببرامج لنزع التطرف، بحسب ما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول 2021.
فقد أشار باحثو المعهد إلى أن الوضع الحالي، الذي يشهد احتجاز 30 ألف بالغ و40 ألف طفل منتمين إلى أكثر من 60 دولة في معسكرات وسجون تُشرف عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، لا يمكن أن يستمر، وأن الأزمة تتطلب فريق عمل عالمياً جديداً لحلِّها.
من جهتهما، أكدت الباحثتان سابين خان وإيموجين بارسونز أن "التعامل الدولي الحالي مع الأزمة تعاملٌ بالكاد يكفي لاحتوائها مؤقتاً، لكنه ليس حلاً مستداماً. فهو لا يحرم أولئك الذين عانوا الانتهاكات قصاصَهم العادل فحسب، بل ينطوي أيضاً على تهديد أمني متزايد، لأن القوات المحلية لا يمكنها احتجاز هؤلاء الأشخاص احتجازاً آمناً إلى أجل غير مسمى".
إنشاءَ "محكمة مختلطة"
فيما اقترح التقرير البريطاني إنشاءَ "محكمة مختلطة" يكون نصف أعضائها محليين، ونصفها الآخر من الخبراء الدوليين، وذلك على غرار المحاكم التي أُقيمت في أزمات تيمور الشرقية وكوسوفو وكمبوديا، مضيفاً: "من الأفضل أن يكون مقر تلك المحكمة في المنطقة، لمحاكمة المتهمين بالمشاركة في أعمال إرهابية وحشية، وبعدها يجب أن يقضي المحكوم عليهم بالسجن فترات العقوبة في بلدانهم الأصلية".
التقرير دعا أيضاً إلى إجراء تقييمات لحالات الأطفال المحتجزين، وإعطائهم الأولوية "للعودة إلى أوطانهم ودعمهم" في بلدانهم الأصلية، مع أفراد أسرهم حيثما أمكن ذلك، وذلك ضمن عملية أوسع نطاقاً يقودها فريق عمل تكوِّنه الأمم المتحدة أو "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، للعمل خصوصاً على حل هذه القضية.
حظي التقرير بموافقة من السير مارك رولي، وهو ضابط بارز سابق بشرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا، خاصةً أنه طالب سابقاً بضرورة محاكمة كثير من هؤلاء المحتجزين؛ "لدرء أي شعور وارد بأنه يمكن الإفلات من العقاب على الفظائع"، وأيضاً "لوضع أولئك الذين قد يمثلون تهديداً أمنياً في المستقبل بالسجون".
ظروف لا إنسانية
رغم أن الأمم المتحدة والجهات المانحة، ومن ضمنها عديد من البلدان الأصلية للمعتقلين الأجانب، يقدمون مساعدات إنسانية للمعتقلين وغيرهم في شمال شرقي سوريا، فإن خبراء الأمم المتحدة وآخرين يقولون إن النقص الحاد في المياه النظيفة، والغذاء، والدواء، والمأوى الملائم، والأمن مازال مستمراً حتى الآن.
كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أكدت، في تقرير سابق، أن هؤلاء المرتبطين بتنظيم "داعش" مازالوا محتجزين في ظروف لا إنسانية أو مهينة، ويحدث ذلك غالباً بموافقة صريحة أو ضمنية من الدول التي يحملون جنسياتها، بعد عامين من اعتقالهم في أثناء سقوط التنظيم.
إذ قالت المنظمة الدولية: "لم يمثُل المعتقلون الأجانب قط أمام محكمة، ما يجعل احتجازهم تعسفياً وإلى أجل غير مسمى. بينهم 27.500 طفل، معظمهم في مخيمات مغلقة و300 على الأقل في سجون مُزرية للرجال، وعشرات آخرون في مركز مغلق لإعادة التأهيل. ويعاني المعتقلون من تصاعد العنف وتقلص المساعدات الأساسية، وضمنها الرعاية الطبية".
في حين تشير التقديرات إلى أن نحو 70 ألف شخص من المنتمين السابقين إلى تنظيم "داعش" محتجزون لدى "الأكراد السوريين" بسجون ومعسكرات منذ هزيمة التنظيم في عام 2019، وتشمل قائمة المحتجزين نحو 2000 مقاتل من خارج سوريا والعراق و27500 طفل أجنبي.
كما تضم قائمة المحتجزين نحو 1000 رجل وامرأة وطفل قدِموا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأشهرهم شميمة بيغوم، التي فرت من المملكة المتحدة للانضمام إلى تنظيم "داعش" عام 2015، وأنجبت 3 أطفال، ماتوا جميعاً قبل أن تقع هي في الأَسر.
تقاعس دولي
من جهتها، قالت بيغوم، التي تحاول استعادة جنسيتها البريطانية بعد تجريدها منها، في مقابلة تلفزيونية، في سبتمبر/أيلول الماضي، إنها مستعدة للمحاكمة في المملكة المتحدة ومواجهة مزاعم تورطها في أعمال إرهابية.
من المعروف أن 25 دولة فقط استعادت مواطنين من شمال شرقي سوريا، ومعظمها استعادت أو ساعدت في استعادة عدد قليل فقط من الأيتام أو الأطفال الصغار، وفي بعض الحالات بدون أمهاتهم.
في المقابل، ترفض معظم الدول الغربية، ومنها بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، السماح بعودة الغالبية العظمى من مقاتلي تنظيم "داعش" وأنصاره السابقين، على أساس أن الإبقاء عليهم في سوريا هو القرار- كما يرى سياسيو هذه الدول- الأفضل لهم من ناحية التأييد الشعبي.
إلا أن معدي التقرير البريطاني يشدّدون على أن حالة الجمود هذه يجب أن تُكسر، ويقولون إن "التقاعس عن حسم الأمر لن يكون تكراراً للأخطاء التي ارتُكبت قبل 11 سبتمبر/أيلول والهجمات الإرهابية اللاحقة فحسب، لكن ستكون له أيضاً عواقب تستمر إلى أجيال قادمة على مستوى السلام والأمن والازدهار العالمي".
أيضاً عُرض هذا التقرير على أليكس كارليل، المراجع المستقل السابق لتشريعات الإرهاب، الذي بدوره أيَّد التقرير، وقال إن "العمل الدولي المتضافر متعدد الأطراف هو الطريقة الصحيحة لإخلاء معسكرات الاحتجاز".
كما ذكرت مؤيدة أخرى للتقرير وهي سوزان راين، الرئيسة السابقة لـ"المركز المشترك لتحليل الإرهاب" (JTAC) التابع للاستخبارات الحربية البريطانية، أن "حالة الجمود التي تنطوي على إفلات الجناة من العقاب يجب أن تكون أمراً مرفوضاً" من الجميع.