هل تتجه دول الخليج إلى التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية كما فعلت الإمارات، أم أن ظروف بقية دول المنطقة مختلفة؟ وإلى مدى يمثل هذا التغير أهمية في مجال الاقتصاد، كما تقول أبوظبي؟
فبعد أن كانت الشائعات تُتداول بشأن الأمر منذ سنوات، ها هي الإمارات تصبح أول دولة خليجية تقر أيام العمل الرسمية على النمط الغربي من الإثنين إلى الجمعة لموظفي القطاع الحكومي، بما يعني التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية، مع السماح للشركات الخاصة بنوع من المرونة لاختيار النظام "الذي يخدم العمل فيها على نحو أفضل".
بهذا القرار تخرج دولة الإمارات عما اجتمعت عليه بقية دول الخليج ذات الأغلبية المسلمة، بخصوص أسبوع العمل من الأحد إلى الخميس، في حين تتجمع العائلات يوم الجمعة ويتوجه المصلون إلى المساجد لحضور خطبة الجمعة وصلاتها. ومع ذلك، تقول الإمارات إن الشركات يجب أن تمنح الموظفين "فسحة كافية من الوقت" لأداء صلاة الجمعة، ويكون الجمعة نصف يوم عمل لموظفي القطاع الحكومي.
وأبقت إمارة الشارقة المحافظة على الجمعة عطلة رسمية، ولكن قلصت أيام العمل إلى 4 فقط تماشياً مع قرار حكومة الإمارات.
هل يؤيد سكان دول الخليج التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية؟
تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي استعرض مواقف قطاعات من سكان وقادة الأعمال في دول الخليج حول فكرة التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية.
في معرض التأييد لهذا القرار، تقول هناء الطريف، مؤسِّسة شركة "درِّسني للتعليم والتدريب"، وهي منصة إلكترونية مقرها البحرين تربط الطلاب والمعلمين، إن "هذه الأخبار تبعث الحماس في المنطقة كلها. إنه لأمر رائع أن نرى إخواننا وأخواتنا يتخذون الخطوة الأولى للتوافق مع الأسواق الدولية".
وقالت هناء الطريف: "آمل بأن تبدأ البحرين أيضاً في التفكير في هذا التعديل القانوني".
من جانب آخر، قال عبد الرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين الإماراتي، لشبكة CNBC، إن هذا التعديل "لا يأتي في معزل عن غيره"، بل في سياق "إصلاحات متعددة". ففي بداية عام 2020، ألغت الإمارات تجريم المعاشرة لغير المتزوجين، وسمحت بالزواج المدني وقالت إنها ستنشئ محكمة جديدة للتعامل مع قضايا الأسر التي تضم أفراداً غير مسلمين.
يسعى اتحاد الإمارات السبع، وعلى رأسها دبي، إلى تعزيز مكانته ليصبح مركزاً مالياً ولوجستياً عالمياً يقف على قدم المساواة مع مدن عالمية بارزة، مثل سنغافورة وهونغ كونغ.
ويقول جود غلاييني، وهو شاب يعمل في قطاع التكنولوجيا الصحية في قطر، لموقع Al-Monitor: "لقد جاء التعديل الذي أجرته الإمارات لأسبوع العمل مفاجئاً لنا، لم نكن نتوقع شيئاً كهذا! أعتقد أن بقية دول مجلس التعاون الخليجي قد تحذو حذوها إذا تبين لها أن الأمر مفيد أو كان هدفها زيادة الانفتاح على العالم".
قطاعات كبيرة من السكان ترفض الفكرة
ومع ذلك، فإن قرار التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية، لا يحظى بتأييد الجميع. فالإصلاحات التي تُوصف بأنها "غربية" تزعج القطاع المحافظ في المجتمعات الخليجية بل حتى قطاعات لا تعتبر نفسها محافظة في المنطقة.
ويقول المعترضون إن المنطقة العربية يجب أن تتمسك بهويتها الإسلامية. وقال الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، مفتي سلطنة عُمان، في تغريدة على موقع تويتر: إن "العولمة، بجانب إذابتها لهوية الشعوب، هي أتون متأجج ضِرامه، يلتهم ثروات الأمم".
أما فارس المعري، وهو طالب سعودي في قسم العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز يُعرف نفسه بأنه ليس ليبرالياً ولا محافظاً، فقد قال لموقع Al-Monitor، إن "الاحتمال قائم" بأن تفكر السعودية في التحول إلى أسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة. لكنه قال: "أشعر بأن وتيرة التغيير تسير بسرعة كبيرة في السعودية، حتى إن أولئك الذين كانوا يطالبون بالتغيير، باتوا يقولون: (تهملوا قليلاً، دعونا نستوعب ما يحدث أولاً)".
نادراً ما تُجرى استطلاعات للرأي في السعودية، ولا تتمتع استطلاعات الرأي المجراة عبر الإنترنت بالموثوقية، لكن نسبة بلغت 57% من إجمالي 7500 شخص شاركوا في استطلاع رأي بشأن الأمر على موقع تويتر، اعترضوا على فكرة تحويل عطلة نهاية الأسبوع في المملكة إلى السبت والأحد.
أحد رموز الليبرالية الكويتية يستبعد تطبيق الفكرة في بلاده
ويقول أنور الرشيد، الناشط الحقوقي وأحد رموز الحركة الليبرالية الكويتية، إن إقرار أسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة أمرٌ مستبعد حدوثه في الكويت.
واستند في حديثه لموقع Al-Monitor إلى أن "الظروف في الكويت مختلفة. برلمان البلاد سوف يمنع ذلك. لقد قررت الإمارات تحويل الدولة بأكملها إلى دولة شاغلها الشاغل الذي تدور حوله هو الأعمال التجارية، ولكن هذا الأمر لا يسري على جميع الدول الخليجية الأخرى".
ويتوافق ذلك مع ما قاله أشخاص مطلعون على دوائر صنع القرار في الكويت، إحدى الدول الأكثر ديمقراطية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، لوكالة Bloomberg، من جهة أن البلاد ليست لديها خطط لأن تحذو حذو الإمارات في تغيير أسبوع العمل.
يُذكر أن الإمارات سبق لها أن خالفت المتعارف عليه في عام 2006، وانتقلت إلى إقرار عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت، بدلاً من عطلة الخميس والجمعة التقليدية. ثم سلكت بقية دول الخليج طريقها، وكانت السعودية آخر من فعل ذلك في عام 2013.
الأمر ليس له فائدة اقتصادية كبيرة كما كان في السابق
لكن السعودي محمد السويّد، مدير شركة "مدراء الأصول المالية"، قال لموقع Al-Monitor، إن الأمر مختلف هذه المرة، "لأن أسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة كان من الممكن أن يكون ميزة كبيرة لقطاع التمويل قبل 20 عاماً، أمَّا الآن فلم يعد موضوعاً ذا بال، فالمعاملات كلها آلية (مؤتمتة). وقرار التخلي عن عطلة الجمعة الأسبوعية سيكون له آثار اجتماعية سلبية تفوق فوائده الاقتصادية، فلماذا الإقدام عليه إذن؟".
وأضاف السويّد: "لا أرى في الأمر إلا خطوة مستميتة من الإمارات لمحاولة إنعاش اقتصادها (المتضخم بالفعل) وتحفيز النمو الاقتصادي. لقد نمت الإمارات إلى ما هي عليه الآن من خلال استغلال كل جزء من مواردها أقصى استغلال والاستفادة من سلبية دول المنطقة، لا سيما السعودية". وقد تصاعدت المنافسة الاقتصادية مع السعودية، في ظل الخطوات التي اتخذتها المملكة لصرف اقتصادها عن التمركز حول عائدات النفط.
الإمارات تركز على أن القرار يخفض فترة العمل لأربعة أيام ونصف
تقول الإمارات إن أحد دوافعها إلى هذا القرار هو تعزيز التوازن بين الحياة الشخصية ومتطلبات العمل.
وكتبت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) أن هذا الأمر يجعل الإمارات الدولة الوحيدة في العالم التي تتبنى نظام العمل بأربعة أيام ونصف في الأسبوع للموظفين العموميين.
وقالت إمارة الشارقة ذات الميول المحافظة إنها ستتحول إلى أسبوع عمل من أربعة أيام وإقرار يوم الجمعة عطلة كاملة.
الوافدون الغربيون في المنطقة سعداء بالقرار
من جهة أخرى، قال غربيون مقيمون في الإمارات ويعملون لدى شركات دولية، إن أسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة يسمح لهم بقدر أكبر من التوافق مع الزملاء والأصدقاء وأفراد الأسرة في أوطانهم.
ومع ذلك، تقول نادية الهارون، وهي محللة أعمال في قطاع الطاقة في قطر، إن "العمل هو العمل في كل مكان، لكن لماذا علينا التوافق مع الغرب في كل شيء؟ أنا لست متدينة على الإطلاق، لكنني أشعر دائماً بأننا لا نجري هذه التعديلات إلا لمواءمة الغرب".
بالعودة إلى الإمارات، فإن نحو نصف قادة الأعمال الذين استطلعت شبكة "إيكونوميست إنتليجنس" (EICN) آراءهم في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أعربوا عن تفضيلهم لأسبوع العمل من الإثنين إلى الجمعة.
وكتب روبرت ويلوك، مدير فرع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للشبكة، في مذكرة حصل عليها موقع Al-Monitor: "سيسعد ذلك القرار الشركاتِ متعددة الجنسيات التي يقع مقرها الرئيسي خارج المنطقة، لكنه سيسوء بلا شك الشركات التي يتمحور نشاطها على المنطقة التي تضم جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وتقول هناء الطريف، رائدة الأعمال التي تتخذ من البحرين مقراً لها، إن زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والأدوات الرقمية، بالإضافة إلى اقتصاد الوظائف المؤقتة جعل "فكرة يوم العمل لثماني ساعات، و5 أيام في الأسبوع، تتحول بالفعل إلى شيء من الماضي".