فجأة وبعد حوالي 5 أعوام على وجوده في منصبه دون أن يتلقى كلمة انتقاد واحدة، بدأت وسائل الإعلام المصرية في النشر عن أن وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني مسؤول فاشل في القيام بمهام وزارته، وأن كل ما يسعى إليه هو إقامة الحفلات والحصول على تلميع إعلامي دون أن يبدي اهتماماً بتنشيط السياحة أو ترويج سياحة الآثار في مصر رغم الإنفاق الضخم الذي تكبدته الدولة على مجال الآثار في العامين الماضيين.
الحملة الإعلامية التي نشطت فجأة، كما قال مستشار لرئيس تحرير صحيفة قومية مصرية لـ"عربي بوست"، جاءت بتدبير وبتعليمات عليا من جهاز سيادي، أرسل تعليماته إلى رؤساء تحرير الصحف القومية بإطلاق أيدي الصحفيين المعنيين بتغطية نشاط وزارة السياحة والآثار في الكتابة عن الانتقادات التي يستطيعون توجيهها إلى الوزير الذي ظل غير قابل للمساس حتى الأسبوع الماضي.
وأضاف قائلاً أن ما كشف الحملة المدبرة قيام صحفي يعمل بجريدة التحرير المستقلة، بكتابة تعليق على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" معترفاً بأنه تلقى تعليمات بانتقاد وزير السياحة والآثار، لكنه رفض تنفيذها، وذلك في معرض رده على تغريدة تتعجب من الهجوم على وزير الآثار "الناجح"، وتتساءل عن الثمن الذي تم دفعه لتمويل تلك الحملة على العناني.
حقيقة اللقطة التي قيل إنها سبب غضب السيسي من الوزير
في محاولة لتفسير الانقلاب المفاجئ على وزير السياحة والآثار المصري، تواصل "عربي بوست" مع صحفي عمل بالقرب من الوزير لفترة من الوقت، وأكد الرجل أن ما أثير عن أن الحركة التي قام بها العناني مؤخراً خلال اصطحابه الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة شرح في افتتاح طريق الكباش بمدينة الأقصر، هي السبب وراء غضب الرئيس ومن ثم الأجهزة السيادية عليه "كلام فارغ".
وأشار إلى أن الرئيس لم يغضب حسبما أبلغه الوزير بنفسه عندما سأله عن الواقعة، كما أن الموقف كله كان معداً وفقاً لسيناريو الاحتفال الذي تم بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية وعدد من الأجهزة السيادية.
وكان البعض في مصر قد روَّج أن الرئيس المصري غضب من تصرف وزير السياحة والآثار وانسحابه من جواره خلال جولة تفقدية لطريق الكباش الجديد الذي حضر السيسي افتتاحه في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعدما غضب الوزير من مقاطعة الرئيس له خلال قيامه بالشرح لتحية طفلة كانت ضمن فريق الأطفال المتواجد في مكان الاحتفال، لكن الصحفي المقرب من الوزير قال إن من يروجون هذا الأمر "أغبياء"، لأنهم ببساطة لم يستطيعوا التفرقة بين موقفين حدثا في جولة الشرح المشار إليها، الموقف الأول حين قام الرئيس بمقاطعة الوزير لتحية الطفلة التي رآها خلال سيره، ولم يقم الوزير بأي رد فعل سوى الابتسام تجاوباً مع لفتة الرئيس، ثم استأنف سيره بجوار السيسي ليكمل الشرح والجولة التفقدية كما يظهر في الفيديو.
أما الموقف الثاني فقد حدث قرب نهاية الجولة، عندما انسحب الوزير من جوار الرئيس وهو يستأذنه في الانسحاب من أجل إفساح المجال أمام فتاة من أهالي مدينة الأقصر لكي تتحدث مع الرئيس وتعبر له عن امتنان أهالي المدينة الواقعة أقصى جنوب مصر عن اهتمام الدولة بترميم الآثار وتنشيط السياحة في المدينة، وهذا الموقف مخطط تماماً وموجود في جدول الاحتفال الذي تم اعتماده من رئاسة الجمهورية والجهات السيادية جميعها، أي أن الوزير لم يغضب أو ينسحب دون استئذان، كما روج البعض، ولكنه التزم بالجدول المعد للحفل.
سوء حظ الوزير أوقعه بين مطرقة الجيش وسندان شركات السياحة
إذن تبقى الحملة الإعلامية ضد خالد العناني غير مفهومة أو مبررة للرأي العام، خصوصاً في ظل تجاهل الجهات الرسمية في الدولة لتقديم أي مبررات حقيقية للهجوم على الوزير الذي ظل 5 سنوات غير مسموح لأي إعلامي بالاقتراب منه سوى بالإشادة والمدح.
مصدر أمني كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" بعضاً من أسباب الهجوم على الوزير، قائلاً إن السبب يكمن في عبارة "ابحث عن الجيش"!
ويضيف مفسراً كلامه بأن سوء حظ خالد العناني أوقعه بين مطرقة الجيش وسندان شركات السياحة الكبرى التي يملك أصحابها علاقات متميزة مع الأمن الوطني الذي ينزعج قادته بدورهم من النفوذ المتزايد للجيش في كل مجالات الحياة المدنية، مضيفاً أن الوزير الذي لا يملك خبرة سياسية لم يستطع المواءمة بين الاستجابة لطلبات الجيش وتطلعاته الاستثمارية في مجال السياحة، وفي نفس الوقت القدرة على إسكات شركات السياحة أو على الأقل إيجاد طريقة لتمكين كل الأطراف من الحصول على قطعة من "كعكة السياحة".
وأضاف أن ما زاد الحنق على وزير السياحة والآثار مغادرته الأقصر عقب افتتاح طريق الكباش مباشرة متجاهلاً وعوده بالجلوس مع أصحاب البواخر والبازارات لبحث كيفية تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها في السنوات الماضية، لكن هؤلاء لم يعرفوا أن الوزير أخلف وعوده بموجب تعليمات جاءته من جهات سيادية تابعة للجيش بعدم الجلوس مع هؤلاء المتضررين وإرجاء الجلسة المفترضة لفترة حتى تأتي تعليمات جديدة.
المفارقة -كما يقول المصدر- أن الوزير شارك في السابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي في افتتاح فندقين تابعين للقوات المسلحة أحدهما في الأقصر، تم بناؤه في منطقة بين معبدى الأقصر والكرنك ويحظى بإطلالة مباشرة على معبد حتشبسوت، وهي منطقة لا يمكن السماح لمدنيين بالبناء فيها، وهو ما يدل بشكل واضح على نوايا القوات المسلحة المصرية اقتحام مجال العمل السياحي في الفترة المقبلة خصوصاً في المدن والمناطق الأثرية، في وقت تزداد فيه شكاوى شركات السياحة العاملة في الأقصر من مشاكل متنوعة منها إغلاق البازارات السياحية في المناطق الأثرية من المدينة بسبب تجديد طريق الكباش، وكذلك تعطل أغلب البواخر السياحية (بعضها مملوك لأشخاص مرتبطين بالأمن الوطني) عن العمل منذ سنوات نتيجة تراجع السياحة القادمة لمصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011.
وعن الجهة التي تقف وراء الحملة الإعلامية ضد العناني طالما أن الجيش راضٍ عنه، قال المصدر: "إذا أردت أن تعرف الجهاز السيادي الذي يقف خلف أي حملة إعلامية يمكنك ببساطة تأمل من يقودون تلك الحملة، فمثلاً تجد أن أغلب من يقودون الحملة ضد العناني من المحسوبين على الأمن الوطني، بينما كان قادة الحملة ضد وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل من المحسوبين على المخابرات العامة، وهكذا"!
أزمة العناني بدأت مع قرارات السيسي بنقل ملكية أراضٍ سياحية من وزارات مدنية إلى الجيش
مصدر آخر في غرفة السياحة بالاتحاد المصري للغرف التجارية قال إن مشكلة العناني بدأت قبل عامين تقريباً، بعد أن أصدر الرئيس المصري أكثر من قرار يطلق يد القوات المسلحة في الحصول على الأراضي التي تريدها في مناطق سياحية مهمة، وهو ما أثار مخاوف شركات السياحة خصوصاً الكبرى منها على مستقبل عملها في هذا المجال، في ظل عدم التكافؤ بينها وبين الشركات التابعة للجيش التي لا تخضع للضرائب والتعقيدات الحكومية والبيروقراطية التي تعرقل عمل الشركات المدنية وتؤثر على أرباحها.
وكان السيسي قد أصدر في 5 أغسطس/آب من عام 2019 القرار (رقم 380) الذي قضى بتخصيص 47 جزيرة من الأراضي المملوكة للدولة المصريّة لصالح القوّات المسلّحة المصريّة، كأراضٍ "استراتيجيّة ذات أهميّة عسكريّة"، رغم أن هذه الجزر التي يقع أغلبها في البحر الأحمر هي جزر سياحيّة في الأساس، وتستخدم في الغطس أو إقامة رحلات السفاري، وكانت ملكيّتها قبل صدور قرار السيسي مقسمة بين وزارتَي البيئة والسياحة.
وفي نفس الشهر أصدر السيسي قراراً آخر يحمل رقم (378) بتخصيص عشرات الآلاف من الأفدنة في مناطق سياحية للقوات المسلحة بعدما كانت ملكيتها تعود إلى الوزارات المدنية، منها قطعة أرض سياحية في جنوب مدينة الزعفرانة، وهي مدينة سياحية تطل على البحر الأحمر، بمساحة 16 ألف فدان، ومنطقة أخرى أيضاً مساحتها 14 ألف فدان في خليج جمشة أيضاً، كل ذلك تمّ سحبه من الوزارات والهيئات المدنية وتخصيصه لصالح الجيش.
وفي يوليو/تموز من ذلك العام، منح السيسي القوات المسلحة سلطة تحديد أيّ من الأراضي التي ترى أنها تحتاج لضمها من المدنيين لصالحها، إضافة إلى تخصيص أرض الميناء وما يحيط بها من مناطق سكنية كلها لصالحها.
انقلاب نقابة الصحفيين "المتأخر" على مستشارة الوزير بداية نهاية خالد العناني
الطريف، كما قال عضو بمجلس نقابة الصحفيين لـ "عربي بوست"، أن خالد العناني ظل منذ اختياره وزيراً للآثار عام 2016، ثم وزيراً للسياحة والآثار في الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 2019، أي قبل عامين تقريباً، غير قابل للمساس أو الانتقاد في أي وسيلة إعلامية، مدللاً على ذلك بواقعة إهانته للصحفيين المصريين من كافة الصحف القومية والمستقلة قبل عام كامل وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، حيث تعمد إهانة الصحفيين المعتمدين لتغطية نشاط الوزارة خلال افتتاح أحد الاكتشافات في منطقة سقارة بالهرم، حين اعترض الصحفيون على تمييز المراسلين الأجانب عليهم في أماكن الجلوس داخل المؤتمر الصحفي، فما كان من الوزير سوى الانفعال عليهم وتوبيخهم وتوجيه سيل من السباب للصحفيين واتهامهم بتلقي رشاوى من الوزارة.
ويضيف العضو أن ما حدث بعد ذلك يكشف قوة الوزير، إذ لم يتمكن نقيب الصحفيين ضياء رشوان من اتخاذ موقف تجاه العناني أو دفعه للاعتذار للصحفيين عن إساءاته، بل وحتى تقاعس النقيب ومجلسه عن مساءلة المستشار الإعلامي لوزير السياحة، الصحفية نيفين العارف وهي في نفس الوقت صحفية بجريدة الأهرام ويكلي الصادرة باللغة الإنجليزية عن مؤسسة الأهرام وعضوة نقابة الصحفيين، أي أن مساءلتها وعقابها حق أصيل وبسيط لمجلس النقابة، كما تجاهلت كل جهات الدولة الرسمية شكاوى الصحفيين ومطالبهم بالتحقيق في الواقعة بداية من مجلس الوزراء وصولاً إلى النائب العام المصري الذي لم يحرك الدعاوى المتتالية التي أقامها عدد من الصحفيين المعنيين بتغطية نشاط وزارة الآثار والسياحة ضد الوزير.
لكن -والكلام لا يزال لعضو مجلس نقابة الصحفيين- تغيرت الأمور في أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي 2021 حينما تجاسر ضياء رشوان ومجلسه وقام بتحويل نيفين العارف إلى لجنة تأديب نقابية بسبب تجاوزاتها ضد زملائها في الواقعة المشار إليها والتي حدثت قبل 10 شهور، وكان ذلك التصرف من مجلس النقابة الذي لا يترك أغلب أعضائه فرصة لإظهار ولائهم للدولة وأجهزتها السيادية، دليلاً على أن هناك تعليمات جديدة من الأجهزة السيادية بالسماح بانتقاد الوزير و"قصقصة" أجنحته متمثلة في مستشاره الإعلامي التي كانت تمثل يده اليمنى.