خلال سنوات قليلة تحولت المقاتلة الفرنسية الرافال من طائرة توصف بالملعونة، لا تجد من يشتريها؛ لدرجة جعلت باريس تفكر في وقف إنتاجها، إلى مقاتلة تتهافت عليها جيوش عدة بدرجة تزحم جدول أعمال صانعها الفرنسي شركة "داسو".
وكانت هناك أوقات اضطر فيها رؤساء فرنسا إلى الدخول في حوار ومفاوضات مكثفة ومحرجة، للحصول على أمر تصدير واحد للرافال، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasiantimes.
فلماذا تحولت الرافال فجأة من طائرة ملعونة إلى محبوبة الجيوش، وواحدة من أكثر الطائرات المقاتلة طلباً خاصة بعد الصفقة الأخيرة مع الإمارات لشراء 80 رافال التي عززت سمعة ومصداقية الطائرات الفرنسية.
الرافال ظلت لسنوات طائرة بلا مشترين
خسرت الرافال منافسات ضد طائرات من دول أخرى خاصة الولايات المتحدة وبصورة أقل ابنة عمها الأوروبية الشهيرة يورو فايتر التي فازت بصفقة تاريخية كبيرة مع السعودية كانت الرافال هي المرشحة التالية فيها.
وفي عدة منافسات، خرجت الرافال من المراحل الأخيرة للاختبارات في مواجهة منافسيها مسببة إحراجاً وغضباً في باريس.
يتساءل موقع Eurasiantimes كيف تمكَّنت طائرات رافال داسو من "الإنبعاث من الرماد" وأنقذت الكبرياء الفرنسي.
عانت الرافال من انتكاسات في البرازيل وليبيا والمغرب وسويسرا بعد فشل رافال في التفوق على منافسيها. وتفاقم الوضع لدرجة أنه في عام 2011، قال وزير الدفاع الفرنسي إنه إذا لم يظهر مشترون أجانب، فقد يتوقف إنتاج الرافال.
أشهر نكسات الرافال
اختارت كوريا الجنوية الطائرة الأمريكية F-15K Slam Eagle بدلاً من منافسيها مثل Dassault في عام 2002. وكان السبب هو المخاوف بشأن التوافق مع الطائرات الأمريكية الموجود لدى سيول.
كما توقف التفاوض مع وزارة الدفاع الكندية في 2005. وفي نفس العام بعد سباق محدود، اختارت سنغافورة إف -15 إس جي سترايك إيجل بدلاً من الرافال.
في صفقة محتملة مع المغرب في عام 2007 انتهى التنافس لصالح الأمريكية F-16C / D. وفي عام 2011، اختارت سويسرا طائرة غريبين السويدية، بينما طلبت عُمان 12 طائرة تايفون الأوروبية في عام 2012.
واختارت البرازيل غريبن في عام 2013 بعد عملية اختيار استمرت خمس سنوات. تم اعتبار كل ذلك بمثابة خيبة أمل كبيرة لفرنسا، حيث كانت الدولة تختار بين طائرات F-15K Slam Eagle و F-15SG Strike Eagle و F-16C / D و Gripen و Typhoon فوق رافال.
وقبل ذلك في عام 2011، رفضت أبوظبي علانيةً عرض فرنسا لتزويدها بـ60 طائرة رافال، معتبرة إياها "غير تنافسية وغير عملية". ومع ذلك، وافقت شركة Dassault Aviation على وضع محرك أقوى صنعته شركة Snecma، ورادار أقوى من شركة Thales الفرنسيتين.
وكان الإماراتيون هم أول زبائن مرشحين للرافال منذ بداية إنتاجها، خاصة في ظل علاقتهم العسكرية والسياسية الوثيقة مع باريس.
ولكن يبدو أن الإماراتيين كانوا يريدون معالجة بعض نقاط الضعف في الطائرة مثل ضعف المحرك، ولكن فرنسا طلبت في عام 2010 من الإمارات دفع 2.6 مليار دولار أمريكي من إجمالي التكلفة اللازمة لترقية رافال، فرفضت الإمارات وبدأت في استكشاف شراء يوروفايتر تايفون الأوروبية أو إف /إيه -18 سوبر هورنت الأمريكية، وانتهى بها الأمر للاتجاه للتعاقد على الإف 35 الأمريكية في واحدة من المنافسات البارزة بين الرافال والإف 35.
لماذا فشلت فرنسا في بيع هذه الطائرة لسنوات؟
كانت طائرات ميراج التابعة لشركة داسو المنتجة للرافال مشهورة في السبعينيات، لكن رافال لم تحرز نفس النجاح. كانت حقيقة أنها كانت أغلى من منافسيها الأمريكيين عقبة رئيسية أمام آفاق التصدير.
وفقاً لورقة نشرتها جامعة تولون الفرنسية في عام 2011، بلغت القيمة السوقية للرافال حوالي 100 مليون يورو، مما يجعلها من بين أغلى الطائرات المقاتلة في العالم، منافساتها مثل جريبن السويدية، والطائرات الأمريكية، التي تباع عادة بأقل من 100 مليون يورو، وبطبيعة الحال منافساتها الروسيات والصينيات تباع بأثمان أقل بكثير.
ولكن ما هي أسباب ارتفاع سعر الطائرة؟
يقال إن فرنسا أنفقت أكثر من 50 مليار دولار على تطوير رافال، وهو مبلغ كبير لبلد ينفق ما يقرب من 60 مليار دولار على الدفاع كل عام. لقد أصبحت هذه قضية رئيسية خلال فترة حكم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي حينها حيث كانت البلاد تواجه صعوبات اقتصادية.
كان نقص الأموال وتكنولوجيا المحركات القوية مشكلة بارزة على ما يبدو بالنسبة للرافال خاصة في ظل استخدام المحرك Snecma M88-4e turbofans الذي كان أقل قوة بشكل لافت من المحرك المدمج في منافستها الأبرز الأوروبية يورو فايتر تايفون.
كما واجهت الرافال صعوبات في التسويق لسنوات بعد طرحها بسبب تكلفتها العالية، وانخفاض تكامل الأسلحة وضعف محركها، وقصر مدى رادارها رغم تقدمه.
لماذا تغير حظ الرافال؟
منذ عام 2006، كانت فرنسا تستخدم مقاتلات رافال في الحروب التي شارك بها، ولقد أثبتت قدراتها القتالية في أفغانستان وليبيا ومالي.
في المقابل، كان أداء أشهر منافسيها يورو فايتون التايفون الأوروبية أقل عملانية في ذات المعارك، فلقد تأخرت التايفون كثيراً في إدماج أسلحة الهجوم الأرضي وظلت بريطانيا تعتمد على التورنادو العتيقة للقيام بهذه المهام.
كما أن التايفون، التي خطفت كثيراً من الصفقات من الرافال، تبين مع الوقت أنها طائرة باهظة التكلفة في الصيانة.
وعندما تأهلت الطائرتان إلى المرحلة قبل النهائية في مناقصة الهند الضخمة لشراء 126 طائرة المعروفة اختصاراً بـ" MMRCA "، كان قرار الهند باختيار الرافال نابعاً من أن تكلفة صيانة التايفون تعادل ضعف الرافال.
كما ظهرت شكاوى من قصر عمر بدن التايفون التي بدا واضحاً أنها مقاتلة دولة ثرية مثل دول أوروبا الغربية ودول الخليج.
كما أنه حتى مميزات التايفون الرئيسية على الرافال، بدا تدريجياً أنها لا تمثل أهمية في الواقع مثلما هي على الورق، مثل فارق السرعة الكبير والتسارع لصالح التايفون، لأن المقاتلات يندر أن تستخدم هذه السرعة كثيراً، في مقابلة ميزات مثبتة للرافال، في المناورات القريبة والقصف الجوي.
وفي مقابل العيوب المشار إليها للرافال، فإنها ينظر إليها على أنها واحدة من أفضل طائرات الجيل الرابع والنصف في مجال القصف الجوي خاصة نظراً لطول مدى الطائرة وكبر حمولة الأسلحة بها، وأيضاً الرافال تتسم بالجودة وقلة الأعطال مقارنة بالمقاتلة الأوروبية "يورو فايتر تايفون"، كما أن الرافال لديها نظام للحرب الإلكترونية متقدم للغاية يدعى سبكترا.
لماذا تتفوق الرافال على الطائرات الأمريكية؟
وبالنسبة للطائرات الأمريكية، فإنها قد تظل لديها نقاط تفوق كبيرة على الرافال، ولكن المقاتلات الأمريكية لديها عيب سياسي كبير، يتعلق بالقيود التي تفرضها واشنطن على استخدام أسلحتها ومسارعتها دوماً لفرض عقوبات وحظر على تصدير قطع الغيار لأسباب سياسية سواء عن حق أو باطل.
وهو أمر واجهته مصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف عام 2013، حينما فرضت واشنطن عقوبات على القاهرة لأنها اعتبرت ما حدث انقلاباً.
في المقابل، فرنسا لا تفرض عقوبات إلا فيما ندر، ففي السنوات الأخيرة، تعرضت باريس لانتقادات بسبب استخدام بعض أسلحتها في حرب اليمن، وقدرت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية أنَّ "مبيعات الأسلحة والحفاظ على شراكات عسكرية مشبوهة باسم مكافحة الإرهاب وعلى حساب حقوق الإنسان ستظل وصمة عار في السجل الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
ولكن باريس تعد أقل الدول الغربية إيلاء للاهتمام لمسألة حقوق الإنسان، حيث رفضت فرض أي قيود على مبيعات الأسلحة المرتبطة بحرب اليمن، كما كانت أول دولة غربية تبيع أسلحة لمصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، وبعد أن أوقفت واشنطن المعونة العسكرية للقاهرة.
مصر منقذ الرافال وسمعة فرنسا في آن واحد
في عام 2015، ضمنت فرنسا أخيراً مشترياً لطائرتها المقاتلة رافال بعد سنوات من البحث والتسويق، إذ طلبت مصر 24 طائرة أعلن عنها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في صفقة قيمتها 5.2 مليار يورو (5.9 مليار دولار).
وفي مايو/أيار 2021، اشترت القاهرة 30 طائرة أخرى من فرنسا، مما رفع العدد الإجمالي لطائرات رافال مع القوات الجوية المصرية إلى 54.
كان قرار مصر في الأغلب بشراء الرافال قراراً سياسياً مرتبطاً بمصالح النظام،
إلا أنه أيضاً له بعض الوجاهة الفنية والعسكرية والاستراتيجية.
فهناك دوافع سياسية وأمنية وحتى دوافع دعائية، بدت واضحة في حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن تحلّق الطائرة الرافال في افتتاح مشروع ما يُعرف بقناة السويس الجديدة عام 2015، حتى لو كان الطيارون المصريون لم يكونوا قد تدربوا عليها بعدُ، وقادها طيارون فرنسيون كما قيل في ذلك الوقت.
ولفهم أعمق لدوافع شراء مصر للرافال، يمكن فهم الظروف العسكرية والسياسية لمصر وقت إبرام الصفقة.
حتى قبل إبرام صفقة الرافال وإلى اليوم، فإن القوة الرئيسية للقوات الجوية المصرية عبارة عن أسطول يزيد على مئتي طائرة "إف 16" الأمريكية، وهو ما يجعل مصر رابع مالك لهذه الطائرة بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا على التوالي.
وهي طائرة ذات قدرات جيدة للغاية، وتكلفة تشغيلها محدودة، والقوات الجوية المصرية تعودت عليها، إضافة إلى أن سعرها تنافسي، وإن كانت معظم الطائرات التي حصلت عليها مصر جاءت كجزء من المعونة العسكرية الأمريكية المرتبطة باتفاق السلام مع إسرائيل.
والنسخ الأكثر تقدماً من الـ"إف 16″ قد تضاهي الرافال في العديد من النواحي وتتفوق عليها في بعضها، خاصة في ظل أنها أسرع ونسبة القوة إلى الوزن لديها أعلى من الرافال، كما أن الطائرة الأمريكية أرخص من الفرنسية بشكل لافت.
ولكن الأسطول المصري من الـ"إف 16″ ظل يعاني من كون أغلبه من أجيال قديمة، وسط تلكُّؤ أمريكي في تحديثها، والأهم التلكُّؤ الأمريكي في تزويدها بذخائر وصواريخ متطورة، مراعاة لإسرائيل في وقت كانت القاهرة تعتبر تل أبيب عدوها الأول رغم السلام البارد بينهما، ولكن هذا السلام بات أقل برودة بعد 30 يونيو/حزيران 2013.
الرافال بطاقة نيل الاعتراف الدولي
وبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف عام 2013، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على تصدير المعدات العسكرية إلى القاهرة، باعتبار ما حدث انقلاباً وكانت واشنطن الأكثر وضوحاً من بين الدول الغربية في انتقاد ما جرى بمصر.
ومن هنا تأتي أهمية صفقة الرافال لمصر من جهتين؛ كانت الرافال أول محاولة جدية منذ عقود، لكسر الاحتكار الأمريكي لتصدير السلاح إلى مصر، لا سيما الطائرات، وهو الاحتكار الذي ظهرت خطورته بعد القيود الأمريكية على تصدير المعدات العسكرية للقاهرة التي فرضت في 2013.
من ناحية أخرى، كانت الرافال وسيلة لكسر العزلة السياسية التي تعرضت لها القاهرة بعد الإطاحة بمرسي، وبدلاً من واشنطن التي يبدو أنها تكترث- ولو شكلياً- بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن النظام الجديد توجه لباريس التي يبدو أنها لا تكترث إطلاقاً بهذا الأمر، وقرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حتى قبل أن يصبح رئيساً، الرهان على قدرة فرنسا على فتح ثغرة في الجدار الغربي الرافض لما حدث في مصر، وظهر ذلك واضحاً في زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لمصر؛ حيث كان الزعيم الغربي الوحيد الذي شارك في افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة الذي اعتبره السيسي أيقونته التي تحقق له الهيبة والشرعية.
وكان كل ذلك جزءاً من عملية تعزيز لافتة للعلاقات بين الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا، في إطار التحالف ضد الربيع العربي والإسلاميين ثم تركيا.
ولكن بعيداً عن مصالح النظام فيمكن القول إن الرافال لها ميزة كبيرة للمصالح الاستراتيجية والوطنية المصرية.
فصفقة الرافال يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة لمصر في أزمة سد النهضة، فرغم أن الخيار العسكري يظل احتماله ضئيلاً بالنسبة للقاهرة، لكن لا يمكن استبعاده أو على الأقل، من الضروري بالنسبة للمخطط المصري أن يُلوَِح به.
وهنا تأتي ميزات عدة تظهر للرافال، وأبرزها أنها مشهورة بقدراتها كمقاتلة قاذفة ذات حمولة ذخائر ومدى أكبر بشكل لافت من الإف 16 الأمريكية التي تمتلكها مصر والتي لا تستطيع أغلبها الوصول لسد النهضة من المطارات المصرية.
كما أن الرافال قادرة على حمل صواريخ كروز سكالب، وهي أول صواريخ جو/أرض لدى مصر قادرة على قصف سد النهضة.
كما يُعتقد أن نظام إسبكترا الإلكتروني يستطيع القيام بعمليات تشويش ضد الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي الإثيوبية.
كما أن هناك ميزة مهمة أخرى للرافال، وهي قدرتها على أن تعمل كطائرة صهريج وقود صغيرة تُزود رفيقاتها بالوقود حتى لو بكميات ليست كبيرة، وهي ميزة تعالج مشكلة التزود بالوقود التقليدية لدى القوات الجوية المصرية.
بعد الصفقة المصرية.. داسو تنطلق في سلسلة من الصفقات بدأت بقطر
بدأ برنامج تحديث القوات الجوية القطرية في عام 2015. ووافقت الدوحة على شراء 24 طائرة رافال متعددة المهام من شركة داسو للطيران مقابل 6 مليارات دولار. في عام 2018، طلبت قطر 12 طائرة رافال أخرى، وبذلك يصل إجمالي عدد طائرات رافال القطرية إلى 36. كما أن لدى قطر خيار شراء 36 طائرة رافال أخرى.
جاءت الصفقة القطرية التي كانت أول صفقة بهذا الحجم للدولة الخليجية منذ عقود، في وقت بدأت فيه علاقات الدوحة توتر مع السعودية والإمارات، ثم جاءت الصفقة التكميلية بعد تعرض البلاد للحصار من السعودية والإمارات والبحرين عام 2017، وكان واضحاً أن صفقة الرافال القطرية، التي ستعقبها صفقتان لشراء مقاتلات غربية أخرى؛ إحداهما مع بريطانيا والثانية مع الولايات المتحدة، تجمع بين الرغبة في تقوية العلاقات مع الدول الغربية وتعزيز قدرات البلاد في الدفاع عن نفسها مع تغير البيئة الأمنية في منطقة الخليج في ذلك الوقت.
وأصبحت اليونان أول مشترٍ أوروبي لطائرات رافال الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2021، عندما أبرمت صفقة بقيمة 2.8 مليار دولار لشراء 18 طائرة مقاتلة. ستشتري اليونان 12 طائرة مستعملة من مخزون القوات الجوية الفرنسية و6 طائرات جديدة بحلول نهاية عام 2022 بموجب شروط الترتيب، الصفقة ذات طابع سياسي واضح بالنظر للتحالف بين باريس وأثينا ضد تركيا.
ووقَّعت فرنسا وكرواتيا أيضاً صفقة لشراء 12 مقاتلة رافال مقابل ما يقرب من مليار يورو، تشمل الصفقة نقل 12 طائرة مقاتلة ومكوناتها من القوات الجوية الفرنسية، بالإضافة إلى تدريب القوات الجوية الكرواتية.
رافال تخسر صفقة القرن الهندية، ولكن تتلقى بعض التعويض
في عام 2015، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن صفقة دفاع مع شركة داسو للطيران لشراء 36 طائرة مقاتلة من طراز رافال.
جاءت هذه الصفقة بعد إلغاء مناقصة صفقة القرن الهندية التي تنافست بها ست طائرات من خمس دول فازت بها الرافال.
إذ كانت الرافال قد فازت بالفعل بصفقة توريد 126 طائرة مقاتلة في الصفقة الهندية الضخمة "MMRCA" لأنها كانت من أفضل عروض الأسعار وقيل أيضاً إن صيانتها سهلة.
وبعد أن بدأ الجانب الهندي وشركة داسو المناقشات في عام 2012، حول إتمام الصفقة التاريخية إثر فوز رافال بها، قررت نيودلهي تخفيض العدد إلى 36 في وقت لاحق من 126 طائرة، مع إلغاء خطط إنتاج الطائرة محلياً في الهند.
ومع ذلك ما زالت الرافال منافساً في النسخة الجديدة من المناقصة "MMRCA 2.0" حيث تتواجه مرة أخرى مع نفس المنافسين ويتم الترويج لها على أنها المفضلة لدى سلاح الجو الهندي.
وحتى البحرية الهندية التي تبحث أيضاً عن طائرات مقاتلة متعددة المهام، وتتنافس في هذه الصفقة النسخة البحرية من رافال في مواجهة إف -18 سوبر هورنت الأمريكية.
لا يمكن استبعاد الأسباب السياسية وراء فوز الرافال بالصفقة الهندية، فنيودلهي رغم تقاربها مع واشنطن، فإنها مازالت لا تثق بها بما الكفاية لربط سلاح طيرانها بأهواء وتقلبات واشنطن، كما أنها تعتمد بشكل كبير على الطائرات الروسية حالياً ولا تريد تعميق هذا الاعتماد.
ومقارنة بالسويد التي تقدمت بطائرتها "غريبين" والدول الأوروبية الأربع ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا التي تقدمت بالتايفون، فإن فرنسا أقلهم مراساً في الشروط السياسية وقضايا حقوق الإنسان، حتى أن باريس تكاد الدولة الغربية الرئيسية الوحيدة التي لم تفرض على الهند وباكستان عقوبات عقب إجرائهما تجارب نووية في التسعينيات، وظلت تبيع الأسلحة للبلدين.
تبدو فرنسا بالنسبة للهند تاجر أسلحة محترف بلا مبادئ، وهذا أمر مناسب لها تماماً.
لماذا تمثل صفقة الإمارات العربية نقلة للطائرة؟
سيكون سلاح الجو لدولة الإمارات العربية المتحدة أول متلقٍّ للتصدير لطائرة رافال F4 القياسية. وتعد نسخة F4 الحالية من Rafale جزءاً من عملية تحسين مستمرة، وهي مصممة للقتال الشبكي، مع روابط بيانات جديدة عبر الأقمار الصناعية وداخل الرحلة، بالإضافة إلى خادم اتصالات وراديو محدد بالبرمجيات.
ويعد العقد مع الإمارات نعمة لصناعة الطيران الفرنسية، ولا سيما شركة داسو.
قبل الصفقة الإماراتية، كانت شركة داسو عالقة في حلقة مفرغة بشأن تكاليف الطائرة، وكانت بحاجة إلى المزيد من الطلبات قبل أن تسمح وفورات الحجم ببيعها بسعر أقل، لكن الدول المرشحة للشراء كانت مترددة في الالتزام بسبب تكلفة الطائرة العالية.
مع طلب الإمارات العربية المتحدة المكون من 80 طائرة، ستكون شركة داسو للطيران قادرة على تقديم عروض أكثر جاذبية للمشترين المحتملين الآخرين، حسب موقع Eurasian Times.
إندونيسيا.. عميل محتمل جديد لرافال
عميل محتمل آخر تم الحديث عنه مؤخراً هو إندونيسيا.
على الرغم من أن فرنسا ليس لديها تقليد طويل في عمليات بيع الأسلحة الكبيرة إلى إندونيسيا، إلا أن باريس أحرزت تقدماً في السنوات الأخيرة في هذا السوق، بما في ذلك تسليم ثماني طائرات هليكوبتر من طراز Airbus H225M للبحث والإنقاذ إلى القوات الجوية الإندونيسية في عام 2019.
تريد إندونيسيا تعزيز قوتها الجوية في ظل علاقتها المتقلبة مع الصين، وجاكرتا تفكر في طائرات أمريكية، ولكن لديها تجربة سيئة مع واشنطن عندما منعت عنها الأخيرة قطع غيار الطائرات الأمريكية في التسعينيات بسبب مزاعم عن انتهاكات لحقوق الإنسان، مما أدى إلى مشكلة كبيرة للجيش الإندونيسي الذي لم يكن قادراً على نقل قواته بين جزر الكثيرة بسبب هذه الأزمة.
كما قيل إن الولايات المتحدة ضغطت على جاكرتا للتخلي عن اتفاق موسكو لتعزيز أسطولها من الطائرات الروسية الصنع من طراز سوخوي، مهددة بفرض عقوبات على أي صفقة مع موسكو، في ظل هذا الوضع قد تصبح الرافال الاختيار الأمثل سياسياً لإندونيسيا.
رافال لا تواجه أي عقبة أمريكية وتستفيد من تزمت واشنطن
عامل الجذب الرئيسي لطائرة رافال هو أنها تتجنَّب أي حصار أمريكي محتمل، كما أن الضغوط الأمريكية ضد الأسلحة الروسية والصينية في صالحها.
تبيع الولايات المتحدة الأسلحة بشروط صارمة للغاية، بما في ذلك كيفية ومكان استخدامها. حقيقة أن الفرنسيين غالباً ما يكونون مستقلين بشكل كبير مقارنة ببعض الدول الكبرى قد تقدم لمستخدم رافال ميزة كبيرة.
على الرغم من حقيقة أن مصنعي الأسلحة الآخرين، ولا سيما الشركات المصنعة الأمريكية، قد سعوا إلى خفض التكاليف وزيادة الانفتاح السياسي من خلال فتح المجال للتجميع المحلي للطائرات لبعض الزبائن مثل الهند، فإن احتفاظ فرنسا بقاعدتها الصناعية العسكرية مستقلة وعدم فرض شروط سياسة يعطيها ميزة كبيرة.
بالطبع يدفع دافع الضرائب الفرنسي المزيد نتيجة لحرص فرنسا على عدم الاعتماد على مكونات خارجية كثيرة في صناعاتها العسكرية، لكن القوى الجوية حول العالم قد تعتبر ذلك بمثابة فائدة: بدلاً من القلق بشأن الحفاظ على الاتصالات مع عدد من الدول، يتم الحصول على جميع مكونات الرافال تقريباً من داخل فرنسا، مما يسهل الخدمات اللوجستية.
فعلى سبيل المثال، الطائرة المنافسة الأشهر للرافال وهي يوروفايتر هي جهد تعاوني يشمل أربعة خطوط إنتاج مختلفة في أربع دول أوروبية. قد ينتج عن هذا الكثير من التعقيدات؛ خاصة أن ألمانيا لديها مواقف صارمة في مسألة حقوق الإنسان، بينما فرنسا لا تأبه بها تقريباً.
كما أن الدور الفرنسي المساعد للمستبدين العرب، ساهم على ما يبدو في بيع الرافال، ولا يمكن استبعاد بعد سياسي آخر للصفقة الإماراتية الأخيرة، وهو رغبة أبوظبي في الضغط على واشنطن لتسريع صفقة الإف 35، وحتى واشنطن نفسها قد تكون قد سهَّلت الصفقة الإماراتية لإرضاء فرنسا بعد الصفعة التي وجَّهتها لها في صفقة الغواصات الأسترالية.
فعلى ما يبدو فرغم كل مميزات الرافال التقنية، فإن السياسة تظل أكبر مميزات هذه الطائرة الفرنسية.