"أنت اليوم جزء من أسرة كبيرة ستحميك".. سمع متعاون عراقي هذه الكلمات عندما انضم للعمل مع القوات البريطانية، ولكنه سرعان ما تُرك دون حماية وأصبح يُوصف بالخائن، مثلما يحدث الآن مع المتعاونين مع أمريكا وغيرها من دول الناتو من الأفغان الذين يلقون المصير ذاته بعدما صدّع الغرب العالم بالحديث عن حرصه على حقوق الإنسان الأفغاني.
وبينما كان يُلقى اللوم على إدارة ترامب في هذا التلكؤ في استقبال المتعاونين مع أمريكا سواء من العراق أو أفغانستان، فمن الواضح أن الإدارة الديمقراطية لا تختلف كثيراً رغم الزخم الذي اكتسبته هذه القضية إعلامياً عندما شاهد العالم آلاف المتعاونين الأفغان يحتشدون بمطار كابول في انتظار الإجلاء، لدرجة تعلُّق بعضهم بالطائرات وهي تطير.
وتحدَّث عضو بارز في البرلمان البريطاني مؤخراً عن رسالة مسربة، تشير إلى تورُّط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في إخراج أكثر من 150 كلباً وقطة من أفغانستان، بينما كان آلاف المتعاونين الأفغان ينتظرون الإجلاء.
ورغم أن قضية أفغانستان لم تبرد بعد، والتباكي الغربي على ما سوف يحدث لأفغانستان من قبل طالبان لم يتوقف، ولكن هذا لم يمنع إدارة بايدن من فرض شروط تعجيزية لقبول المتعاونين الأفغان، حسب وصف موقع Axios الإخباري الأمريكي.
وتقول مصادر عديدة بين محامي اللاجئين ومجموعات الدفاع عنهم، إن وكالة خدمات الجنسية والهجرة الأمريكية بدأت في رفض العديد من طلبات الحصول على تلك التأشيرات.
ترامب يسمح بدخول اثنين فقط من المتعاونين العراقيين في 2018!
لفترة ما أغلقت إدارة ترامب الباب عملياً أمام العراقيين الذين عملوا مترجمين للجيش الأمريكي، وأصدرت تأشيرتين أمريكيتين فقط لمترجمين سابقين خلال عام 2018، وفقاً لإحصاءات حكومية حصلت عليها شبكة إن بي سي.
ويقول تقرير لموقع NBC NEWS الأمريكي: "إن عشرات الآلاف من العراقيين الذين عملوا مترجمين فوريين أو في وظائف أخرى للولايات المتحدة، تقدموا بطلبات للقبول في الولايات المتحدة، لكن كثيرين لم يتلقوا قراراً نهائياً، على الرغم من التشريعات المصممة لمساعدتهم على الدخول، وفقاً لمناصري اللاجئين والعديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين".
في السنة المالية 2016، تم قبول 325 عراقياً ممن عمِلوا مترجمين بالولايات المتحدة في عام 2017، وانخفض العدد إلى 196. وبالنسبة للسنة المالية 2018 المنتهية في سبتمبر/أيلول، حصل مترجمان فوريان سابقان فقط من العراق على تأشيرات دخول، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 99%، على مدى ثلاث سنوات، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية والتي حصلت عليها NBC News.
جاء ذلك بسبب سياسات العداء للمهاجرين والمسلمين التي تبناها ترامب، وضمن ذلك قراره منع دخول مواطني ست دول إسلامية من بينها العراق وأفغانستان، علماً بأنه أزال العراق بعد ذلك من القائمة؛ بعد انتقادات لقراره.
قال النائب سيث مولتون (ديمقراطي من ماساتشوستس)، وهو ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية بالعراق والذي ساعد أحد مترجميه على القدوم إلى الولايات المتحدة: "منذ اليوم الأول لإدارة ترامب كانوا يقولون، إنهم يستهدفون الأشخاص الذين لا يشبهون الأمريكيين البيض".
تقدم شاكر جفري، وهو متعاون عراقي، بطلب للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة بينما كان لايزال يعمل لصالح القوات الأمريكية في العراق. ظل عقداً من الزمان ينتظر.
في عام 2015، وبينما كان لا يزال ينتظر الحصول على تأشيرة، فر من العراق وشق طريقه إلى ألمانيا.
أخبره المسؤولون الأمريكيون بأنه سيتم إصدار تأشيرته في أي يوم. لكن في غضون ذلك، قال إنه استُهدف في ألمانيا من قبل مسلحي داعش، الذين اخترقوا حساب بريده الإلكتروني، واقتحموا شقته واعتدوا عليه جسدياً.
قال النائب جيمي راسكين، وهو ديمقراطي من ولاية ماريلاند، والذي ضغط على إدارة ترامب بسبب التأخير في قرارات التأشيرات للمترجمين الفوريين العراقيين والأفغان السابقين: "إنه وضع فاضح، ولم تقدم إدارة ترامب سبباً وجيهاً لذلك.. من سيرغب في العمل معنا بالمستقبل إذا لم نفِ بوعودنا؟".
يتم فحص من يعرفون بـ"المترجمين القتاليين" من قبل الجيش الأمريكي قبل أن تتم الموافقة عليهم على الإطلاق للقيام بدوريات مع القوات الأمريكية. لكن يتعين عليهم البدء من الصفر في عملية تقديم من 14 خطوة حتى يتم قبولهم في الولايات المتحدة.
كجزء من عملهم، غالباً ما يُطلب من المترجمين الاتصال بالمسلحين أو المقاومين أو المخبرين للحصول على معلومات للقوات الأمريكية.
لكن في بعض الحالات، أوقفت السلطات الأمريكية أو رفضت الطلبات المقدمة من مترجمين سابقين عندما سجلت سجلات هواتفهم أرقاماً مرتبطة بالمتطرفين، أو شخصيات مناهضة لأمريكا، وفقاً لمجموعات اللاجئين والمحاربين القدامى.
قالت بيتسي فيشر، مديرة السياسات في المشروع الدولي لمساعدة اللاجئين، الذي يقدم المساعدة القانونية للاجئين: "لقد رأينا حالات تم فيها رفض الأشخاص رغم قيامهم بعملهم [عن طريق الاتصال بهذه الأرقام]".
ولكن في المجمل قبلت إدارة ترامب عدداً أكبر من المتقدمين عموماً من برنامج تأشيرة الهجرة الخاص "البرنامج الذي يدخل عبره المتعاونون مع أمريكا"، أكثر مما قبلته إدارة أوباما في ولايتها الأخيرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
كان الرقم في عهد ترامب 46.941؛ بينما في فترة ولاية أوباما الثانية كان الرقم 31.637، وقد يكون ذلك أن وسعت قبول المتعاقدين مع أمريكا في أفغانستان بعد اقتراب الانسحاب الأمريكي من هناك الذي أبرمته هذه الإدارة مع طالبان.
اغتيال قاسم سليماني نقطة فارقة
إضافة إلى الخوف من داعش، أدى اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إلى تعرض المترجمين العراقيين لمواجهة مع محيطهم الشيعي رغم أن أنشطتهم كانت معروفة للحكومة العراقية، وكانوا يشاركون في الترجمة في عمليات تدريب قوات محسوبة على الحكومة العراقية، وإن كان كثير منها موالياً لإيران.
قالت وزارة الدفاع البريطانية إنه على مدى ست سنوات، ساعدت القوات البريطانية في تدريب أكثر من 120 ألف جندي عراقي وكردي. كان المترجمون يساعدون المستشارين البريطانيين الذين تم نشرهم بإحدى القواعد الرئيسية للتحالف، في توفير التدريب للقوات العراقية الخاصة.
علي (اسم مستعار) انقلبت حياته بعد اغتيال سليماني، فلقد أصبح مرعوباً من أن يستهدفه رجال الميليشيات العراقية هو وأسرته، لأنه عمِل مترجماً لدى الجيش البريطاني، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
عندما بدأوا العمل مع الجيش البريطاني في العراق قبل عامين، قالوا إنه قيل لهم إنهم الآن أعضاء في عائلة واحدة كبيرة. كان ذلك كافياً لهم ليشعروا بالتزام عميق تجاه شركائهم الغربيين.
ولكن بعد اغتيال سليماني بناءً على أوامر ترامب، أصبحت القوات الغربية أهدافاً، والعراقيون الذين عملوا معهم وُصفوا بالخونة.
مع تفشي فيروس كورونا، دخل العراق في حالة إغلاق كامل وأصبح أي شخص يحتاج إلى السفر يجب أن يكون على قائمة تصاريح خاصة صادرة عن الحكومة العراقية، والتي يتم إرسالها إلى جميع نقاط التفتيش في جميع أنحاء العراق.
ويخشى المترجمون أن تكون معلوماتهم الشخصية قد سقطت في أيدي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وبالفعل يقول مُعد تقرير "بي بي سي"، إنه أطلع على قائمة تقاسمتها قوات الأمن العراقية، وتضمنت الأسماء الكاملة والمسميات الوظيفية وأرقام الهوية وتسجيلات السيارات لجميع المترجمين الفوريين الثمانية في "مجموعة علي".
وأُبلغ الثمانية بالبريد الإلكتروني أن هذه القائمة قد أُرسلت إلى نقاط التفتيش العراقية؛ "لتسهيل حركتهم"، لكن بالنسبة لهم كانت أنباء مروعة، لأن نقاط التفتيش تضم مجموعات مسلحة شيعية قوية مناهضة للولايات المتحدة.
هل يغير بايدن سياسات ترامب؟
عندما جاء بايدن للسلطة ورث عن ترامب عشرات الآلاف من مثل هذه القضايا المتراكمة من الحروب في العراق وأفغانستان.
وشملت الأعمال المتأخرة نحو 17 ألف مترجم أفغاني وآخرين ساعدوا القوات الأمريكية أو الدبلوماسيين ويسعون للحصول على تأشيرات خاصة؛ لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة.
مع وجود أفراد الأسرة المباشرين الذين سيأتون أيضاً، فإن هذه الطلبات تمثل ما يقدر بـ70 ألف أفغاني. ويقدر عدد العراقيين بنحو 100 ألف.
وبعد فوز بايدن بالانتخابات وقّع أكثر من 1000 من المتقدمين العراقيين والأفغان للسفر إلى الولايات المتحدة على عريضة إلى الرئيس المنتخب ونائبته كامالا هاريس، طالبوا فيها بتسريع النظر في طلباتهم
قالت جانيس شينواري، المترجمة الأفغانية السابقة التي جاءت إلى الولايات المتحدة بموجب برنامج التأشيرات الخاصة قبل سبع سنوات: "حتى الأشخاص الذين تقدموا بطلبات في نهاية فترة أوباما مازالوا ينتظرون، أو تم رفض تأشيراتهم دون سبب خلال إدارة ترامب"، حسب ما نقلت عنها صحيفة Washington Post.
يقول محامو اللاجئين المحتملين إن الطلبات كثيراً ما تُرفض لأسباب ناجمة عن التأخيرات الممتدة لسنوات بين تقديم الطلبات والمراحل المختلفة للمراجعة، مما يعني معاقبة المتقدمين بسبب إخفاقات النظام.
حسب المفتش العام بوزارة الخارجية الأمريكية، فإن متوسط عدد الأيام التي تستغرقها الحكومة لمعالجة تأشيرة الهجرة الخاصة الأفغانية الناجحة هو 852 يوماً، أو نحو عامين وثلاثة أشهر. لا يشمل ذلك الوقتَ الذي يستغرقه المتقدمون لتقديم الأوراق وإكمال المهام الأخرى لنقل قضاياهم من إحدى درجات السلم البيروقراطي إلى المستوى التالي.
ولكن موقع Axios الإخباري الأمريكي قال إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بدأت في رفض طلبات عديدة من اللاجئين الأفغان الساعين للجوء إلى الولايات المتحدة من خلال تأشيرات الدخول المشروط الإضافية التي يُفترض أنها مُنحت للأفغان لأسباب إنسانية.
يقول محامو قضايا اللجوء ومجموعات الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين، إن المعيار الموضوعي لتعيين التهديد الذي يتعرض له اللاجئ أو المتقدم بطلب الهجرة معيارٌ تعجيزي، بالنظر إلى الظروف السائدة في أفغانستان.
تقول جيل ماري بوسي، مديرة السياسات العامة في منظمة خدمات الهجرة واللجوء اللوثرية الأمريكية، لموقع Axios، إن دليل التعليمات الصادر عن وكالة الجنسية والهجرة الأمريكية لعام 2017، "ينص صراحةً على جواز منح التأشيرات المؤقتة للأفراد الذين يواجهون خوفاً من الأذى في حالات العنف المعمم".
من ثم تنتقد جيل ماري بوسي موقف الوكالة الأمريكية، وتقول: "إنهم يتقاعسون عن استخدام القوة الممنوحة لهم بموجب دليل التعليمات الخاص بهم لحماية الأفغان".
كم قُتل من من المتعاونين مع أمريكا وهم ينتظرون تنفيذ العم سام لوعوده؟
لا تتعقب حكومة الولايات المتحدة الخسائر بين المتقدمين ولكن يزعم قدامى المحاربين والمدافعين عن المتعاونين أن المئات لقوا حتفهم في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
بين عامي 2003 و2008، قُتل 360 مترجماً فورياً عراقياً جنَّدتهم شركة مقاولات خاصة، وجُرح أكثر من 1200، حسبما أفادت ProPublica نقلاً عن سجلات من المقاول.
وتزعم مجموعات متطوعين أمريكيين أن ما لا يقل عن ألف مترجم قد قتلوا أثناء انتظارهم للحصول على تأشيرات لمغادرة أفغانستان والعراق.
وتقول مجموعة "لا أحد يتخلف عن الركب" المعنيةُ بهذا الملف، إنها سجلت أكثر من 300 حالة اغتيال مستهدف للمترجمين الفوريين أو عائلاتهم منذ عام 2014، وكان العديد من الضحايا ينتظرون التأشيرات.