مفارقة كبيرة تحملها صفقة الرافال الإماراتية، وهي أن أبوظبي رفضت قبل أكثر من 10 سنوات عرضاً فرنسياً لشراء الرافال، ورأت فيها عيوباً جعلتها تبحث عن بديل، ولكن اليوم أبرمت الإمارات صفقة تاريخية، مع باريس لشراء 80 طائرة رافال، فما الذي تغير: الطائرة رافال، أم ظروف الإمارات وأهدافها؟
فيوم الجمعة 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان، أن الإمارات وقعت اتفاقاً مع فرنسا لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال، حيث جاء توقيع الاتفاقية خلال لقاء جمع ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارة الأخير لمعرض "إكسبو 2020 دبي".
داسو تصف صفقة الرافال الإماراتية بأنها غير مسبوقة
وصفت شركة داسو صفقة الرافال الإماراتية بأنها "أكبر صفقة تحصل عليها صناعة الطيران القتالي الفرنسية على الإطلاق".
وتبلغ القيمة الإجمالية لصفقة الرافال الإماراتية 16 مليار دولار، تتضمن أسلحة مضافة للطائرات.
وتضاف إليها صفقات أخرى من بينها شراء الإمارات 12 مروحية نقل عسكرية من طراز Airbus H225M Caracal، ليصل مجمل قيمة هذه الصفقات إلى 19 مليار دولار، حسبما ورد في تقرير لموقع the Drive.
وكان إبرام هذا العقد الدفاعي الكبير لبيع "رافال" إلى الإمارات العربية المتحدة متوقعاً بالفعل. لكن صار العدد المحدد معلوماً الآن- وهو 80 طائرة رافال- بعد إعلان الإليزيه يوم الجمعة. وهذا هو أكبر طلب شراء دولي للطائرة المقاتلة الفرنسية منذ دخولها الخدمة في عام 2004، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Le Parisien الفرنسية.
ووقّع الاتفاقية إريك ترابير، الرئيس التنفيذي لشركة Dassault Aviation الفرنسية، وطارق عبد الرحيم الحوسني الرئيس التنفيذي لمجلس التوازن الاقتصادي المسؤول عن مشتريات الأمن والدفاع.
وجاءت زيارة إيمانويل ماكرون، لدبي في مطلع جولة تستغرق يومين إلى ثلاث دول خليجية.
والإمارات العربية هي أحد أكبر عملاء صناعة الدفاع الفرنسية، واحتلت المرتبة الخامسة بين أكبر عملاء صناعة الدفاع الفرنسية بقيمة 4.7 مليار يورو في الفترة من 2011 إلى 2020، وفقاً لتقرير برلماني فرنسي، كما أن الإمارات سبق أن اشترت طائرات ميراج 5 وميراج 2000 الفرنسيتين وكانت المشتري الأجنبي الوحيد للدبابة الفرنسية لوكلير.
ويهدف طلب الشراء الأخير إلى استبدال 60 طائرة "ميراج 2000-9" التي حصلت عليها الإمارات في عام 1998. وستسلم فرنسا الطائرات اعتباراً من عام 2027 وفقاً لمعيار F4، وهو برنامج قيد التطوير بمبلغ يقرب من ملياري يورو وسيُسلَّم في عام 2024 ويُقدَم على أنه "قفزة تكنولوجية وصناعية وإستراتيجية". وستكون الطائرة قادرة بالأخص على حمل صواريخ A2SM زنة طن واحد.
وستصبح القوات الجوية الإماراتية أول متلقٍّ خارجي لنسخة رافال F4 بعد أن تعاقد عليها الجيش الفرنسي بالفعل.
لماذا رفضت الإمارات الطائرة قبل أكثر من 10 سنوات؟
تأتي الصفقة بعد عشر سنوات من مفاوضات عقيمة دعمها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي.
وفي عام 2011، رفضت أبوظبي علانيةً عرض فرنسا لتزويدها بـ60 طائرة رافال، معتبرة إياها "غير تنافسية وغير عملية". ومع ذلك، وافقت شركة Dassault Aviation على وضع محرك أقوى صنعته شركة Snecma، ورادار أقوى من شركة Thales الفرنسيتين.
وكان الإماراتيون هم أول زبائن مرشحين للرافال منذ بداية إنتاجها، خاصة في ظل علاقتهم العسكرية والسياسية الوثيقة مع باريس.
ولكن يبدو أن الإماراتيين كانوا يريدون معالجة بعض نقاط الضعف في الطائرة مثل ضعف المحرك، ولكن فرنسا طلبت في عام 2010 من الإمارات دفع 2.6 مليار دولار أمريكي من إجمالي التكلفة اللازمة لترقية رافال، فرفضت الإمارات وبدأت في استكشاف شراء يوروفايتر تايفون الأوروبية أو إف /إيه -18 سوبر هورنت الأمريكية، وانتهى بها الأمر للاتجاه للتعاقد على الإف 35 الأمريكية في واحدة من المنافسات البارزة بين الرافال والإف 35.
كان نقص الأموال وتكنولوجيا المحركات القوية مشكلة بارزة على ما يبدو بالنسبة للرافال خاصة في ظل استخدام المحرك Snecma M88-4e turbofans الذي كان أقل قوة بشكل لافت من المحرك المدمج في منافستها الأبرز الأوروبية يورو فايتر تايفون.
وواجهت الرافال صعوبات في التسويق لسنوات بعد طرحها بسبب تكلفتها العالية، وانخفاض تكامل الأسلحة وضعف محركها، وقصر مدى رادارها رغم تقدمه.
ولكن اليوم مع تزايد زبائن الرافال، التي بيعت لمصر وقطر والهند، وأخيراً، اليونان، وكرواتيا، فإن فرنسا عازمة على ما يبدو على تطويرها بشكل جذري.
في مقابل العيوب المشار إليها للرافال، فإنها ينظر إليها على أنها واحدة من أفضل طائرات الجيل الرابع والنصف في مجال القصف الجوي من حيث طول المدى وكبر حمولة الأسلحة، وأيضاً تتسم بالجودة وقلة الأعطال مقارنة بالمقاتلة الأوروبية "يورو فايتر تايفون" التي تعد أشهر منافستها، كما أن الرافال لديها نظام للحرب الإلكترونية متقدم للغاية يدعى سبكترا.
ما المختلف في الرافال F4 عن الطائرة القياسية؟
أبرز ما في صفقة الرافال الإماراتية ليس ضخامتها فقط، بل أيضاً أنها تتضمن أحدث إصدار من الرافال المعروف باسم Rafale F4، الذي يقال إن مصر ستحصل عليه أيضاً ضمن الصفقة الجديدة التي أبرمتها مؤخراً لشراء 30 طائرة رافال تضاف للأربع والعشرين وحدة التي تمتلكها بالفعل.
وهذا الإصدار جزء من عملية مستمرة لتحسين المقاتلة.
ويفترض أن النسخة الجديدة من الطائرة ستزود بأنظمة تخفٍّ محسّنة وأنظمة حرب إلكترونية قوية وأسلحة جديدة، حيث أضيفت لها روابط بيانات جديدة عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى خادم اتصالات وراديو محدد بالبرمجيات. وترقيات للرادار والنظام الكهروضوئي وشاشة مثبتة على خوذة. كما سيتم أيضاً دمج أسلحة جديدة، بما في ذلك صاروخ Mica NG جو-جو الجددي ونسخة تزن 2200 رطل من سلاح جو-أرض المعياري AASM.
كما ستعمل الترقيات المخطط لها على أن تحمل الطائرة صاروخ ASMP-A المحمول جواً وصاروخ كروز Scalp.
وسيتضمن إصدار رافال F4 نظاماً جديداً لتشخيص الأعطال يقدم إمكانات الصيانة التنبئية، اعتماداً على الحلول القائمة على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. أخيراً، سيتم تجهيز رافال بوحدة تحكم جديدة في المحرك، ولكن هناك غموض فيما يتعلق هل يعني ذلك زيادة قدرة محرك الطائرة أم لا؟
وسيتم تعزيز نظام سبكترا للحرب الإلكترونية الذي تشتهر به الرافال بتزويده بأجهزة تشويش أكثر قوة للحفاظ على قدرتها على صد التهديدات الناشئة حسبما ود في تقرير لموقع Eurasian Times.
سيحسن الإصدار F4 بشكل كبير قدرات التخفي للمقاتلة التي تنتمي للجيل 4.5، وعلى الرغم من توفر بعض هذه القدرات في الأجيال السابقة من الرافال، إلا أنها لم تكن قادرة على التنافس مع الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس.
مع تطوير مآخذ الهواء إلى شكل حرف S، والحواف المسننة، وتقنية تبريد عادم القناة التي تهدف إلى تقليل توقيع الأشعة تحت الحمراء تعتبر من بين ميزات التخفي الأخرى في رافال. تسمح هذه الميزات لطائرة رافال بالحصول على مقطع عرضي للرادار (RCS) بمساحة متر مربع تقريباً، على غرار الطائرات المقاتلة Super Hornet و Typhoon.
وتعتبر باريس إصدار F4 مهمة كخطوة نحو نظام القتال الجوي القتالي المستقبلي، وهي أول تقنية تسمح للمقاتلة الفرنسية بالطيران بواسطة شبكة بيانات إلى أن تطير مقاتلة الجيل التالي المخطط لها في وقت ما بعد عام 2035.
ووصف موقع sldinfo هذه الترقية بأنها بمثابة انتصار للبراغماتية على الصورة النمطية الثقافية للشخصية الفرنسية التي يقال إنها تفضل الفلسفة.
هل الرافال بديل للإف 35 بالنسبة لأبوظبي؟
تكتسب صفقة الرافال الإماراتية أهمية خاصة لأبوظبي؛ لأنها تأتي على خلفية بعض التراجع في العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة. حتى مع سعي هذه الدول للحصول على مزيد من الأسلحة من واشنطن، فقد أبدت مؤخراً اهتماماً كبيراً بموردين آخرين مثل فرنسا.
قد يكون التركيز الأمريكي على منطقة المحيطين الهندي والهادئ السبب وراء المخاوف العربية. يقال إن بعض الاختلافات ظهرت بين الولايات المتحدة والدول العربية حول قضايا حقوق الإنسان، على سبيل المثال، النقد القاطع للسعودية بسبب الصحفي جمال خاشقجي، وكذلك النقد للإمارات والسعودية على السواء بسبب حرب اليمن، وكذلك استمرار الإمارات في علاقات مع شركة هواوي الصينية التي عاقبتها واشنطن، ولذا أصبحت الأمور مثيرة للقلق بين واشنطن وأبوظبي، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
ستحل رافال محل أسطول ميراج 2000، لكن من غير المرجح أن تحل محل طائرة F-35 الأمريكية الصنع، وفقاً لمصادر دفاعية.
وقالت وزارة الدفاع الإماراتية إن شراءها مقاتلات رافال الفرنسية المزمع عقدها سيتكامل مع اتفاقها المبدئي لشراء طائرات حربية أمريكية من طراز إف -35 الشبحية، وهي الصفقة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في نهاية مدته، ومضت إدارة بايدن قدماً فيها ولكنها تباطأت بسبب مخاوف واشنطن بشأن علاقة أبوظبي بالصين.
ومع ذلك، يمكن تفسير الاتفاقية على أنها علامة على نفاد الصبر بينما ينظر الكونغرس الأمريكي فيما إذا كان سيوافق على شراء الإمارات لطائرات إف 36 أم لا، بسبب مخاوف بشأن علاقة الإمارات بالصين، حسب موقع Eurasian Times.
مكافأة محتملة للرئيس الفرنسي قبل الانتخابات
قد تكون صفقة الرافال الإماراتية وسيلة لتحقيق أهداف إماراتية متعددة، منها أن النسخة الجديدة المقدمة في الصفقة قد شهدت تطوراً ملموساً بالفعل، رغم أنه من ليس من الواضح هل تجاوبت فرنسا مع طلب أبوظبي السابق بزيادة قوة المحرك أم لا وهي أكبر عيوب هذه الطائرة تقليدياً.
وقد تكون صفقة الرافال الإماراتية أيضاً مكافأة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يخوض انتخابات رئاسية العام القادم 2022، بعد أن انحاز تماماً إلى صف الإمارات في صراعات الشرق الأوسط، حتى إنه حاول تنصيب تركيا غريماً لباريس إرضاء لأبوظبي والقاهرة والرياض، كما انضم لروسيا والإمارات ومصر في دعم أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، رغم ما في ذلك من مخاطر على مصالح أوروبا بعد أن ساعد حفتر في إيجاد موطأ قدم غير مسبوق لموسكو في ليبيا، إضافة إلى تحول موقفه من الإسلام في بلاده من تلقي الدعم من المنظمات الإسلامية في الانتخابات الماضية إلى محاربتها قبيل الانتخابات القادمة.
كما أن الصفقة يمكن أن تكون بديلاً لطائرات ميراج 2000 الفرنسية المملوكة للإمارات والتي تقادمت، وقد تكون الصفقة أيضاً وسيلة للضغط على أمريكا لإتمام صفقة الإف 35 التي تواجه اعتراضات من داخل الحزب الديمقراطي تحديداً.
شراكة تتجاهل أي قلق بشأن حقوق الإنسان أو الحروب
بالإضافة إلى وجود ثلاث قواعد عسكرية فرنسية على الأراضي الإماراتية، تعكس صفقة الرافال الإماراتية هذه الثقة المتبادلة بين البلدين.
ورحبت الرئاسة الفرنسية، في بيان، بهذه الصفقة معتبرة إياها "إنجازاً كبيراً للشراكة الاستراتيجية بين البلدين".
وفي السنوات الأخيرة، تعرضت باريس لانتقادات بسبب استخدام بعض هذه الأسلحة في الصراع في اليمن، حيث يُشتبه في ارتكاب السعودية وحلفائها جرائم حرب ضد السكان. ومرة أخرى يوم الجمعة، قدرت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية أنَّ "مبيعات الأسلحة والحفاظ على شراكات عسكرية مشبوهة باسم مكافحة الإرهاب وعلى حساب حقوق الإنسان ستظل وصمة عار في السجل الدبلوماسي لإيمانويل ماكرون".
ولكن باريس تعد أقل الدول الغربية إيلاء للاهتمام لمسألة حقوق الإنسان، حيث رفضت فرض أي قيود على مبيعات الأسلحة المرتبطة بحرب اليمن، كما كانت أول دولة غربية تبيع أسلحة لمصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، وبعد أن أوقفت واشنطن المعونة العسكرية للقاهرة.
قفزة في أسهم الشركة الفرنسية
ولدى مجموعة داسو لصناعة الطيران بالفعل خمسة عملاء أجانب؛ هم: قطر (بواقع 36 طائرة) والهند (بواقع 36 طائرة) ومصر (30 طائرة جديدة بالإضافة إلى 24 سابقة) واليونان وكرواتيا.
ومنذ الإعلان عن صفقة الإمارات، قفزت أسهم Dassault Aviation، في سوق الأسهم شبه الثابت، بنحو 8%، ثم وصلت لأعلى مستوى لها عند 10% بحلول منتصف الصباح، حسب تقرير صحيفة Le Parisien.
وفي هذا السياق، أشادت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي بـ"الصفقة التاريخية التي تعزز الشراكة الاستراتيجية (مع الإمارات) أقوى من أي وقت مضى، وتسهم مباشرةً في الاستقرار الإقليمي".