هل يؤدي توصل دول العالم لـ”اتفاقية جوائح” إلى تقوية التضامن فيما بينها ووقف استئثار اللقاحات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/04 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/15 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
منظمة الصحة العالمية/ رويترز

بعد أقل من أسبوع على إبلاغ جنوب إفريقيا منظمة الصحة العالمية (WHO) بمتحور أوميكرون الجديد، التقى قادة العالم يوم الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني خلال الجلسة الخاصة لجمعية الصحة العالمية (WHA)، لمناقشة إبرام اتفاقية دولية جديدة تحسِّن التعامل مع الجوائح، وأطلق عليها بعض مناصريها "اتفاقية الجوائح"، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية. 

ونشوء متحور سريع الانتشار في بلد لم تتلق نسبة كبيرة من سكانه اللقاح يُفترض أن يدعم موقف من يؤيدون هذه الاتفاقية، على الأقل من الناحية النظرية. فمنذ أكثر من عام، نبّه الخبراء إلى أنه "لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان". وظهور متحور جديد خطير في قارة لم يتلقَّ إلا 6% فقط من سكانها جرعاتهم الكاملة من اللقاح هو بالضبط السيناريو الذي حذر الخبراء منه.

ويوم الأربعاء 1 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلنت منظمة الصحة العالمية موافقتها على إطلاق عملية لوضع اتفاق عالمي تاريخي بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، وقالت المنظمة في بيان لها: في قرار توافقي يهدف إلى حماية العالم من أزمات الأمراض المعدية في المستقبل، وافقت جمعية الصحة العالمية اليوم على الشروع في عملية عالمية لصياغة نص اتفاقية أو اتفاق أو صك دولي آخر بموجب دستور منظمة الصحة العالمية (المنظمة)، والتفاوض بشأنه، بغية تعزيز الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها.  

وقال الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظمة، إن القرار الذي اتخذته جمعية الصحة العالمية تاريخي في طبيعته، وحيوي في رسالته، ويمثل فرصة لا تتكرر مرتين في الجيل الواحد لتعزيز الهيكل الصحي العالمي الرامي إلى حماية وتعزيز رفاه جميع الناس. 

وأضاف تيدروس: "لقد سلطت جائحة كوفيد -19 الضوء على العيوب العديدة التي تعتري النظام العالمي لحماية الناس من الجوائح: افتقار أشد الناس ضعفا إلى اللقاحات؛ وافتقار العاملين الصحيين إلى المعدات الضرورية لأداء عملهم المنقذ للحياة؛ والنهُج الأنانية التي تعوق التضامن العالمي اللازم لمواجهة أي تهديد عالمي".  

"عالم متضامن"

واجتمعت جمعية الصحة في دورة استثنائية هي الثانية على الإطلاق منذ تأسيس المنظمة في عام 1948، واعتمدت مقرراً إجرائياً وحيدا بعنوان: "عالم متضامن". وينصّ المقرر الإجرائي للجمعية على إنشاء هيئة تفاوض حكومية دولية (هيئة التفاوض) لصياغة اتفاقية أو اتفاق أو صك دولي آخر بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، والتفاوض بشأنه، بغية اعتماده بموجب المادة 19 من دستور المنظمة، أو أي من أحكام الدستور الأخرى على النحو الذي تراه هيئة التفاوض مناسبا.  

وتخوّل المادة 19 من دستور المنظمة جمعية الصحة العالمية سلطة اعتماد اتفاقيات أو اتفاقات بشأن أي مسألة تدخل ضمن نطاق اختصاص المنظمة. وكان الصك الوحيد الذي أنشئ بموجب المادة 19 حتى الآن هو اتفاقية المنظمة الإطارية بشأن مكافحة التبغ، التي قدمت إسهاما كبيرا وسريعا في حماية الناس من التبغ منذ دخولها حيز النفاذ في عام 2005.  

وبموجب المقرر الإجرائي الذي اعتُمد الأربعاء، ستعقد هيئة التفاوض اجتماعها الأول بحلول 1 آذار/مارس 2022 (للاتفاق على أساليب العمل والأطر الزمنية) واجتماعها الثاني بحلول 1 آب/أغسطس 2022 (لمناقشة التقدم المحرز بشأن مسودة أولية). وستعقد أيضاً جلسات علنية لإثراء مداولاتها؛ وتقدم تقريراً مرحلياً إلى جمعية الصحة العالمية السادسة والسبعين في عام 2023؛ وتقدم وثيقتها الختامية إلى جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين في عام 2024 لكي تنظر فيها. 

وطلبت أيضاً جمعية الصحة العالمية من المدير العام للمنظمة بموجب هذا المقرر الإجرائي أن يتولى توجيه الدعوة إلى عقد اجتماعات هيئة التفاوض وأن يقدم الدعم لأعمالها، بوسائل منها تيسير مشاركة هيئات منظومة الأمم المتحدة الأخرى والجهات الفاعلة غير الدول وأصحاب المصالح المعنيين الآخرين في هذه العملية بالقدر الذي تقرره هيئة التفاوض. 

لماذا العالم بحاجة لاتفاقية جوائح عالمية؟

رغم أن التقييم الكامل للمخاطر التي يشكلها متحور أوميكرون سيستغرق وقتاً، فقد لفتت خطورته بالفعل انتباهاً جديداً إلى المطالبات بتنفيذ إصلاحات جذرية. يقول لورانس غوستن، أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة جورج تاون للصحيفة الأمريكية: "أعتقد أنه سيحمّس المفاوضين للموافقة على اتفاقية عالمية".

وحين ينشأ تهديد لا تفكر الدول في كثير من الأحيان على مستوى عالمي. بل تبحث كل دولة عن نفسها. فمنذ ظهور أوميكرون، سارعت الدول بفرض قيود وحظر مباشر على القادمين من  البلدان التي تضم حالات مؤكدة. واستهدفت جنوب إفريقيا على وجه الخصوص، التي اُكتشف بها المتحور لأول مرة، رغم انتشار الفيروس بالفعل.

تقول إيلين تي هوين، مديرة شركة الأبحاث Medicines Law & Policy: "مرة أخرى، عوضاً من التضامن، نرى اهتمام كل دولة بنفسها وعزلاً لإفريقيا رغم ظهور متحور أوميكرون في مناطق أخرى أيضاً. وهذا يثير السؤال: هل سنشهد من جديد استئثاراً باللقاحات وحماية الدول الغنية لحصرية المعرفة التصنيعية أم أن هذه نقطة التحول التي ستلتقي عندها الدول؟".

وقد أثرت قيود السفر بالفعل على تعاون عالمي محتمل؛ إذ قال الباحث الذي ساعد في اكتشاف المتحور، توليو دي أوليفيرا من مركز الاستجابة الوبائية والابتكار في جنوب إفريقيا، يوم الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني، إنه لا يستطيع الوصول إلى المواد الكيميائية اللازمة لمواصلة دراسة أوميكرون بسبب هذه القيود.

وأدت قيود السفر أيضاً إلى إلغاء اجتماع وزاري لمجلس اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية TRIPS التابع لمنظمة التجارة العالمية لمناقشة تنازل مؤقت عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات فيروس كورونا والعلاجات الأخرى.

وقال المؤيدون لهذا التنازل إنه سيمكّن الشركات المصنعة للأدوية من إنتاج نسخ أرخص من لقاحات فيروس كورونا عالية الكفاءة، على أن أوروبا عارضت هذه الخطوة ويقول منتقدوها إنها ستعيق الابتكار في المستقبل.

ما الذي يمكن تحقيقه من هذه الاتفاقية؟

اتفاقية جوائح قد تكون أكبر بكثير في طموحها من تنازل عن حقوق الملكية الفكرية. فبإمكان اتفاقية دولية أن تعالج مخاوف محددة أثارها متحور أوميكرون، على سبيل المثال، إلزام البلدان بمستوى معين من البنية التحتية لتصنيع اللقاحات أو بنظام مراقبة شبيه بالمطبَّق في جنوب إفريقيا وبوتسوانا الذي ساهم في رصد هذا المتحور.

وهذه الاتفاقية ستتطلب سنوات من المفاوضات، ومن شبه المؤكد أنها ستدخل حيز التنفيذ بعد الجائحة الحالية. لكنها قد تضمن ألا يؤدي تفشي المرض في المستقبل إلى الأخطاء نفسها. تقول إيلين: "العالم يتعلم أن تقييد تبادل اللقاحات وطريقة تصنيعها في خضم أزمة صحية استراتيجية فاشلة. واتفاقية جوائح لا بد أن تضمن آليات تُفعَّل تلقائياً حين تلوح جائحة في الأفق".

والأسبوع الماضي، نشرت المجلة الطبية البريطانية مقالاً أظهر دعم 32 وزيراً للصحة لإبرام هذه الاتفاقية، في حين دعت "اللجنة المستقلة للتأهب لمواجهة الجوائح والاستجابة لها" التي تدعمها الأمم المتحدة، إلى زيادة تمويل منظمة الصحة العالمية. ووفقاً لمنظمة Health Policy Watch، فحتى الولايات المتحدة، التي عادة ما تتعامل مع المعاهدات الدولية بحذر، "تبدو مرحبة" إلى جانب مؤيدين في أوروبا وإفريقيا وأماكن أخرى.

لكن ما يمكن توقع تحقيقه من هذه الاتفاقية قد يكون له حدود. يقول غوستن: "رأينا منذ عامين أن الاستجابة الغالبة للجائحة كانت فعلياً قيود السفر والحظر"، وأشار إلى أن مسألة السفر لم تُذكر بتاتاً في الوثيقة التي صيغت قبل بدء مفاوضات جمعية الصحة العالمية.

ومن عادة بلاد العالم تجاهل الاتفاقيات الدولية حين لا تناسبها، فاللوائح الصحية الدولية القائمة بالفعل منذ عام 2005 التي حددت طريقة جديدة للاستجابة لتفشي الأمراض، وإن كان بقليل من التفصيل أو الإنفاذ، لقيت تجاهلاً غير مرة أثناء الجائحة. ورغم أن أوميكرون قد يكون برهاناً للكثيرين على ضرورة إبرام اتفاقية الجوائح، فرد فعل العالم عليها قد يكون برهاناً أيضاً على عدم نجاحها.

وكان وزير الصحة الغاني كواكو أغِمان مانو قد قال في جمعية الصحة العالمية يوم الإثنين، في إشارة إلى قيود السفر المفروضة على جنوب إفريقيا: "هذه التدابير لا تستند إلى العلم. بل إلى العنصرية وكراهية الأجانب. ولا بد من وقفها فوراً لتتشجع البلدان الأخرى على أن تحذو حذو جنوب إفريقيا".

تحميل المزيد