أصبحت حياة العديد من اللاجئين السوريين بالدنمارك مجمدة، بسبب عزم السلطات ترحيل بعضهم، رغم أنهم يواجهون خطراً في بلدانهم إذا ما أُعيدوا إليها، في وقت تصّر فيه سلطات البلد الأوروبي على موقفها المتشدد رغم الانتقادات الواسعة التي تتعرض لها.
عائلة بلال القلعي، بين مئات اللاجئين السوريين في الدنمارك العالقين في وضع قانوني مُزرٍ، إذ سحبت السلطات إقامتهم المؤقتة لكن لا يمكن ترحيلهم، وباتوا حالياً محرومين من جميع الحقوق، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
اكتشف القلعي، الذي كان يدير شركة نقل صغيرة خاصة به في الدنمارك، في مارس/آذار 2021، أنه لن يُسمح له بالبقاء في البلد الاسكندنافي، حيث أقام كلاجئ منذ عام 2014، إذ باتت كوبنهاغن حالياً تعتبر أن دمشق آمنة ويمكن بالتالي العودة إليها.
يشمل القرار الذي اتّخذته السلطات الدنماركية أيضاً زوجته وأطفاله الأربعة، وتم تثبيت الحكم في محكمة الاستئناف أواخر سبتمبر/أيلول 2021 (على غرار 40% من نحو 200 قضية أخرى تم النظر فيها حتى الآن)، صدر أمر للقلعي وعائلته بالمغادرة.
تم إبلاغ العائلة بأنه إن لم يغادروا طوعاً فسيتم نقلهم إلى مركز احتجاز، فيما ترفض العائلة المغادرة.
في الأحوال الطبيعية كان من المفترض أن تكون العائلة رُحلت، لكن بما أن كوبنهاغن لا تقيم علاقات دبلوماسية مع دمشق لم يكن ذلك ممكناً، وبالتالي عليهم الانتظار، لكن في هذه الأثناء جُرّدت العائلة من حقوقها في الدنمارك.
لم يعد بإمكان القلعي النوم فيما ينظر مرة تلو الأخرى إلى هاتفه ويتفقد رسائله، ويتساءل الوالد البالغ 51 عاماً "ماذا سيحل بي الآن؟".
يقول إن "كل شيء توقف، لم يعد الأولاد يرتادون المدرسة ولم يعد لدي عمل"، فيما يبدو اليأس جلياً على وجهه المتعب، بينما يجلس في منزل فرشه بنفسه في قرية لوندبي الصغيرة، التي تبعد ساعة ونصف الساعة عن كوبنهاغن بالسيارة.
أضاف القلعي أن "الهدف من كل ذلك إزعاج الناس بما يكفي لدفعهم لمغادرة الدنمارك".
"مطلوب في سوريا"
بالنسبة إلى القلعي، فإن العودة إلى سوريا تعني الموت الحتمي، وقال في تصريح للوكالة الفرنسية: "لا يمكنني العودة، أنا مطلوب"، مع ذلك لا طريقة لديه لكسب العيش في الدنمارك.
يشير محاميه نيلز-إريك هانسن، الذي تقدّم بطلب لمنح العائلة إقامات جديدة: "كأجنبي مقيم بشكل غير قانوني في الدنمارك، فإن حقوقك محدودة للغاية".
في منتصف العام 2020، باتت الدنمارك أول بلد في الاتحاد الأوروبي يعيد النظر في ملفات نحو 500 سوري من دمشق، الخاضعة لسلطة نظام بشار الأسد، قائلة إن "الوضع الحالي في دمشق لم يعد يبرر منح تأشيرة إقامة أو تمديدها"، وتم لاحقاً توسيع نطاق القرار ليشمل محافظة ريف دمشق أيضاً.
رغم موجة الانتقادات الواسعة التي تعرّضت لها سواء من الداخل أو دولياً، فإن الحكومة الاشتراكية الديمقراطية بالدنمارك، التي اتّبعت سياسة هجرة تعد بين الأكثر تشدداً في أوروبا رفضت التراجع.
حالياً تفكر عائلة القلعي في المغادرة إلى بلد أوروبي آخر، حتى وإن كان ذلك يحمل خطر إعادتها إلى الدنمارك.
كانت الابنة الأكبر للعائلة تبلغ فوق 18 عاماً عندما وصلت إلى الدنمارك، وبالتالي لديها إقامتها الخاصة بها والتي تخضع حالياً لإعادة نظر.
من بين الأبناء الثلاثة الآخرين، تبدو روان (10 سنوات)، الأصغر سناً، أنها تعيش حياتها ببساطة من دون الاكتراث لما يدور حولها، في المقابل يؤكد شقيقها ماجد (14 عاماً) أنه "محبط"، فيما يشير سعيد (17 عاماً)، الذي كان يستعد لدخول مدرسة للطهاة المحترفين إلى أن المستقبل ضبابي تماماً بالنسبة إليه.
لم تنقل السلطات إلا حفنة من السوريين إلى مراكز الاحتجاز حتى الآن، والتي تتعرض إلى انتقادات لظروفها الصحية السيّئة.
احتجاز كالرهائن
كانت أسماء الناطور وزوجها عمر من بين هؤلاء، ويقيم الزوجان في مخيم سيالمارك الذي كان ثكنة للجيش تحيط بها الأسلاك الشائكة وتشرف عليها إدارة السجون، منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021.
تقول الناطور إن "على هذا المركز أن يختفي، إنه غير مناسب للبشر ولا حتى الحيوانات. هناك جرذان حتى".
وصل الزوجان ولديهما ابنان يبلغان من العمر 21 و25 عاماً، إلى الدنمارك عام 2014.
أشارت الناطور إلى أنها وزوجها افتتحا "متجراً لبيع المنتجات العربية وكانت الأمور تسير بشكل جيد. ثم قررت استئناف دراستي، لكن كل شيء توقف الآن"، مشيرة إلى أن كل ما تريده هو "استعادة حياتها".
أكدت الناطور أن "العودة إلى سوريا تعني السجن أو حتى الموت، بما أننا معارضان لبشار الأسد"، وأضافت: "إنه مجرم".
يشير نيلز-أريك هانسن، الذي يمثل الزوجين أيضاً، إلى أن "السلطات الدنماركية تحتجز (موكليه) كرهائن"، ويوضح أن الحكومة تحاول "نشر رسالة مفادها أنه في الدنمارك، نرحّل إلى سوريا".
كانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت مؤخراً استخدام قوات الأمن التابعة للنظام للعنف، بحق عشرات اللاجئين الذين عادوا إلى بلدهم، إلا أن السلطات الدنماركية تشدد على أن الوضع مناسب لعودة السوريين بشكل آمن، بحسب تعبيرها.
المتحدث باسم الحكومة بشأن الهجرة راسموس ستوكلوند، قال للوكالة الفرنسية، إنه "إن لم تكن ملاحقاً شخصياً، لا توجد أعمال مرتبطة بالحرب في دمشق منذ سنوات الآن. ولهذا السبب يمكن للبعض العودة".
يُذكر أنه يعيش حوالي 35500 سوري في الدنمارك حالياً، وصل أكثر من نصفهم عام 2015، وفق الاحصائيات الرسمية.