"أنا لا أكذب أبداً؛ لأنني لا أخاف من أحد.. أنت تكذب فقط عندما تخاف".. قد تظن هذه مقولة قائد أو بطل شجاع، لكن من الممكن أيضاً أن تخرج من زعيم عصابة مثل جون غوتي؛ رجل المافيا الذي عُرف باعتباره أقوى زعيم عصابة في أمريكا خلال فترة الثمانينيات، كما حافظ على مظهر يمنحه الكاريزما أمام الكاميرات ببدلاته الباهظة وكلماته الرنانة، حتى ألقي القبض عليه وحُكم عليه بالسجن بتهمة القتل غير العمد، قبل أن يدان في تهم جنائية تتسبب بسجنه مدى الحياة، حيث توفي بالسرطان.
جون غوتي.. بداية أقوى زعيم عصابة في أمريكا خلال الثمانينيات
جون جوزيف غوتي هو إيطالي الأصل أمريكي المولد، إذ وُلد في نيويورك (عام 1940)، حيث انتقل والداه الإيطاليان المهاجران، كان غوتي هو الخامس بين 13 طفلاً، في عائلة كان دخلها الوحيد من عمل والدهم الذي كان عاملاً باليومية بلا أجر ثابت. وانتقل مع عائلته مراراً حتى استقر مع عائلته في شرق نيويورك، حيث كانت المنطقة معروفة بنشاط العصابات في ذلك الوقت.
في سن الـ12 دخل غوتي في أنشطة هذه العصابات، إذ عمِل "فتى مهمات" في نادٍ بالحي كانت تديره عائلة جامبينو المحلية، وهي إحدى 5 عائلات للجريمة المنظمة عُرفت في مدينة نيويورك بذلك الوقت، حيث تعرَّف على رجل العصابات الأمريكي أنيلو ديلاكروس، الذي أصبح بمثابة أبيه الروحي في الجريمة.
عندما كان في الـ14 من عمره، سُحقت أصابع قدم غوتي في أثناء محاولته سرقة خلاط إسمنت، وكان هذا الحادث سبب تعرُّضه للتنمر المستمر في المدرسة التي ظل فيها لعامين آخرين.
سرعان ما أصبح غوتي زعيماً لعصابة تسمى Fulton-Rockaway boys، وهي مجموعة معروفة بعمليات السرقة المتكررة وسرقة السيارات، قبل أن يصل إلى سن الـ16 أو يترك المدرسة، التي تركها لاحقاً عندما أقر بأنه مُذنب باختطاف شحنات بضائع بالقرب من مطار كينيدي الدولي في نيويورك (كان يُسمى آنذاك مطار Idlewild).
كانت هذه هي المرة الثانية التي يلقى القبض عليه فيها، وبعد شهرين من خروجه بكفالة ارتكب جريمة أدخلته السجن للمرة الثالثة، التي حُكم عليه فيها بالسجن 3 سنوات، بسبب سرقته شحنة سجائر بقيمة 50 ألف دولار من شاحنة.
تجربة الحياة خارج عالم الجرائم والإفلات المستمر من العقاب!
أُطلِق سراح المراهق جون بشكل مشروط، لكنه تابع حياة الجريمة في السنوات اللاحقة؛ بل تفرغ لها تماماً، وشمل سجله الجنائي سرقة السيارات وقتال الشوارع، وبحلول الـ21 من عمره دخل السجن للمرة الخامسة، لكنه قضى فترة قصيرة قبل أن يخرج ليكمل أعماله في عالم الجريمة.
وهو بعمر الـ22 (عام 1962)، تزوج غوتي بفيكتوريا ديجيورجيو البالغة من العمر حينها 17 عاماً، في وقت زواجهما كانت ديجورجيو قد أنجبت طفلتهما الأولى، أنجيلا، ثم حملت في الطفل الثاني بعد فترة وجيزة، لكن حياته الأسرية لم تكن مستقرة مع كثرة شجار الزوجين وانفصالهما المتكرر.
لأجل عائلته، جرَّب غوتي لفترة وجيزة يده في وظائف مشروعة، إذ عمِل "عامل ضغط" في مصنع معاطف، ثم مساعداً لسائق شاحنة، لكن حياته المهنية خارج عالم الجريمة كانت قصيرة، وعاد غوتي إلى الجريمة والسجن، وكان قد سُجن مرتين بحلول الـ26 من عمره.
بعد إطلاق سراحه من السجن بعمر الـ31 عاماً، عُيِّن قائداً مؤقتاً لعصابة "فاتيكو"، وبعد عامين ارتكب جريمة القتل الأولى له عندما قتل أحدَ أعضاء العصابة المنافسة الذي اختطف وقتل أحد أفراد عائلة "جامبينو"، لكنه ترك العديد من الشهود على جريمته في مسرح الجريمة، وبعد عام على الجريمة (1974)، استطاعت السلطات معرفة ارتباطه بجريمة القتل عبر شهادات من المارة. وبعد ثلاث سنوات من استمرار محاكمته، قام بتقديم رشاوى لبعض المسؤولين؛ ليتمكن من تخفيف الحكم عليه ويصبح 4 سنوات.
بينما كان غوتي في السجن توفي كارلو جامبينو (عام 1976) رئيس عائلة "جامبينو"، وخلفه في القيادة صهره بول كاستيلانو، الذي سمح لـ"ديلاكروس"- الأب الروحي لغوتي- بأن يكون له دور قيادي في العائلة، ما منحه السيطرة على 10 من أطقم عائلة "جامبينو" البالغ عددها 23، وبمجرد خروج غوتي من السجن رُقِّي، بفضل أبيه الروحي، إلى "قبطان" بالعصابة، وذلك في عمر الـ37 عاماً.
إحدى الجرائم كانت في الجار الذي قتل ابنه "بالخطأ"
في عام 1980 صدمت سيارةٌ أصغر أبناء غوتي (فرانك) البالغ وقتها 12 عاماً، بعد أن قاد دراجته بالخطأ نحو شارع السيارات الرئيسي، وكان قائد السيارة هو أحد جيران غوتي ويدعى جون فافارا، لتقوم زوجته غوتي (فيكتوريا) بضربه بمضرب بيسبول معدني ليدخل المستشفى، لكن فافارا لم يقدم بلاغاً للشرطة.
وحسب ما نقله موقع History التاريخي، فقد عانى الجار لمدة 4 أشهر من التهديدات بالقتل، حتى لقي حتفه بعدها، إذ عُثر على جثته مقتولاً، متأثراً بالضرب بالهراوات، ثم ألقت بجثته من سيارة، لكن عائلة غوتي قالت إنهم كانوا يقضون إجازة في فلوريدا وقت اختفاء جارهم، غير أن أصابع الاتهام الوحيدة وُجِّهت إلى غوتي الذي لم يكن يعرف التسامح مع أعدائه.
نشاط عائلة جامبينو.. وتزعُّمه إحدى أشهر عصابات نيويورك
بحلول أوائل الثمانينيات، اكتسب غوتي شهرة غير مرغوبة وسط عائلة "جامبينو"، إذ اعتبر رئيس العائلة كاستيلانو أن عادة غوتي بالمقامرة بـ30 ألف دولار في الليلة عبء، في الوقت نفسه انتبه العملاء الفيدراليون إلى أنشطته وبدأوا في مراقبة وكره. وفي عام 1985 جمع مكتب التحقيقات الفيدرالي أدلة كافية لاتهام غوتي وديلاكروس بـ"الابتزاز"، فيما اهتم شركاء آخرون لهما بتهريب الهيروين.
لكن المحاكمة في العام التالي أسفرت عن تبرئة غوتي، طبعاً بعد تقديم الرشاوى، إلى درجة أن رئيس هيئة المحلفين في القضية حُوكم وأُدين لاحقاً بتهمة تلقي رشاوى للتصويت لصالح تبرئة غوتي.
يبدو أن الاتجار بالهيروين كان يتم بعيداً عن زعيم العائلة الإجرامية، فبعد هذا الحادث أقر كاستيلانو قراراً داخلياً بمعاقبة الاتجار بالمخدرات بعقوبة الإعدام، وكان على القبطان غوتي تحمُّل مسؤولية أي تجاوزات من فريقه، وأراد هنا غوتي أن يتحدث نيابةً عن أبيه الروحي ديلاكروس إلى قائد عصابتهم.
لكن قبل التوصل إلى تفاهم مات صديقه ديلاكروس بسبب السرطان، وعندما لم يحضر القائد كاستيلانو جنازته، رأى غوتي أن التصرف غير محترم، وبعد أسبوعين (تحديداً في 16 ديسمبر/كانون الأول 1985)، قُتل كاستيلانو بالرصاص خارج مطعم في مانهاتن، وطبعاً كان دور القيادة قد أتى على غوتي الذي أصبح زعيم عائلة "جامبينو" بعد فترة وجيزة.
جرائمه التي أفلت من العقاب على كثير منها، وخروجه السريع من السجن في كل مرة يُقبض عليه فيها، جعلاه ينال ألقاباً عديدة؛ لقدرته على البقاء حراً وبسبب مظهره اللامع وبدلاته باهظة الثمن، أبرزها "تفلون دون"، كما أشار موقع Biography المهتم بصنع سير ذاتية عن الشخصيات والأحداث التاريخية.
نهاية قائد الجريمة الذي لم يعرف الرحمة
لكن التحقيقات التي استغرقت سنوات طويلة في المحاكم، أفضت إلى حكم في النهاية، خصوصاً مع ضغط مكتب التحقيقات الفيدرالي على قادة بالعصابة للشهادة ضد غوتي. وفي عام 1992 صدر حكم بالسجن على غوتي؛ لإدانته في 13 تهمة، بينها القتل والابتزاز.
لكن بحلول ذلك الوقت كان غوتي أكسب عائلة "جامبينو" أكثر من 500 مليون دولار من العائدات من الأنشطة غير القانونية مثل المقامرة وتهريب المخدرات والابتزاز والاحتيال في الأسهم، وذلك خلال فترة إدارته لها كزعيم.
بينما ترك غوتي ابنه الأكبر جون جونيور غوتي ليترأس العائلة بالإنابة قبل أن يلحق بأبيه في السجن، وهناك مات غوتي الأب في مستشفى السجن الفيدرالي، بسبب مضاعفات سرطان الرأس والعنق، وذلك في عام 2002، أي بعد 10 سنوات ظل فيها بالسجن، وهي المرة الأطول التي يقضيها بالسجن.
نمط الحياة المتباهي صاحَب غوتي حياً وميتاً، إذ سار بجثته موكب من 75 سيارة ليموزين؛ لدفنه بجوار ابنه فرانك، وأصبح حديث الصحف مرة ثانية بعدما كانت اختياراته في الألوان الزاهية والبدل غالية الثمن، وحصده ملايين الدولارات من الأنشطة الإجرامية، وإفلاته المتكرر من العقاب تلفت نظر الصحف في حياته.
بالمناسبة، أطلق فيلم Gotti في عام 2018، ليحكي قصة حياة رجل العصابات غوتي.
قد يهمك أيضاً: يهاجم منازل معارفه، يقتل الرجال ثم يغتصب زوجاتهم.. القاتل المتسلسل الذي أرعب ولاية مونتانا الأمريكية