لا تزال المشاحنات السياسية في لبنان مستمرة، منذ رفع حزب الله وحركة أمل من مطالب تتعلق بعزل قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، مروراً بأزمة لبنان مع دول الخليج، بعد تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، والتي كادت تطيح بحكومة نجيب ميقاتي، لولا تدخل أمريكي-فرنسي، مدعوماً برغبة مصرية وقطرية؛ للحفاظ على الحكومة والتي شهدت ولادتها مخاضاً عسيراً.
في الأروقة السياسية اللبنانية يستمر الحديث عن تسوية ومقايضة لإعادة الحياة للحكومة بدأت، وفقاً لمصدر حكومي أكد لـ"عربي بوست" أنه، وخلال اجتماع بين الرؤساء الثلاثة (عون وبري وميقاتي) عشية عيد الإستقلال في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جرت مناقشة بنود المبادرة، بالمقابل فإن حزب الله يسعى لحل الأزمة بين حليفيه، أي التيار الوطني الحر وحركة أمل؛ حيث يقوم بحل جملة مسائل يسعى الطرفان إلى معالجتها والتي سينعكس حلها على ترتيب الأجواء السياسية في البلاد.
يؤكد المصدر أن رئيس البرلمان نبيه بري يريد إحالة التحقيق مع الرؤساء والنواب والوزراء في جريمة المرفأ إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء التابع للبرلمان بدلاً من القضاء العدلي، فيما التيار الوطني الحر يريد مقابل تمرير هذا الموضوع تأمين تأجيل الانتخابات حتى مايو/أيار المقبل بعد تقريبها إلى آذار من العام المقبل، وضمان عدم تصويت المغتربين اللبنانيين لـ 128 نائباً، وحصر تصويتهم بستة نواب، كي يحصر تأثيرهم على المجلس النيابي؛ لأن تصويت المغتربين والذين بلغ عدد المسجلين منهم للانتخابات ربع مليون لبناني في الاغتراب، يتخوّف التيار الوطني الحر وحزب الله من أن تصويت المغتربين لن يكون لصالحهما؛ نظراً إلى أعداد المسجلين للتصويت وأماكن وجودهم.
جهوزية الحزب للتنازل؟
يقول المصدر إنه، وفي إطار الحراك الجاري محلياً وخارجياً لحل الأزمة الحكومية فإن حزب الله وحركة أمل أبلغا ميقاتي استعدادهما للقبول بحل وسط، يبقى بموجبه القاضي طارق البيطار في مكانه كمحقق عدلي في قضية المرفأ، ولكن على قاعدة أن يُنزَع منه ملف الادّعاء على الرئيس حسان دياب وبعض الوزراء السابقين- نهاد المشنوق ويوسف فينيانوس وعلي حسن خليل-، لتتمّ إحالته الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء احتراماً لصلاحيات مجلس النواب ودوره.
وبذلك يكون الطرف المؤيّد للبيطار- رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر- قد ربح عدم عزله ومعاقبته، والطرف المعترض على سلوكه يكون قد فاز بضبط اندفاعته وعودته إلى حجمه الطبيعي.
لأنه، ووفق المصدر، فإن الثنائي الشيعي لا يريد أن تنتهي الأمور إلى تطيير الحكومة التي شاركا في تشكيلها وصوغ خطتها السياسية، وبالتالي هما حريصان على تفادي قطع الخيط الرفيع الذي يفصل بين الضغط على الحكومة وبين إسقاطها.
الفرنسيون على خط الأزمة.. الأزمة سعودية- أمريكية
بالمقابل، يشير مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"عربي بوست" إلى أن الإدارة الفرنسية تقود حراكاً لوقف التحركات السعودية تجاه لبنان، وذلك قبيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دول الخليج (السعودية وقطر والإمارات) الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول.
ويؤكد المصدر أن وفداً يضم مستشار ماكرون، إيمانويل بون، ورئيس المخابرات الخارجية برنار ايمييه، حطت رحاله في الرياض منتصف الأسبوع الماضي، وأن الوفد التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ورئيس المخابرات خالد الحميدان، وخلال اللقاء تعهدت الإدارة الفرنسية بالضغط على المسؤولين في بيروت في أن يبادر وزير الإعلام جورج قرداحي إلى تقديم استقالته بعد اجتماع الحكومة اللبنانية مباشرة؛ حيث ستُعتبر هذه الخطوة تجميداً للإجراءات السعودية والخليجية، وهذا المخرج السياسي ناقشته باريس مع الدوحة التي بدورها حثت بيروت على الالتزام به بشكل واضح للسير بمبادرة قطرية لمعالجة تبعات الأزمة.
مقايضة ملف تحقيق المرفأ باستقالة قرداحي
وبحسب المصدر، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أبلغ الرئيسين ميشال عون ونبيه بري بهذه المبادرة والتي تعني مقايضة ملف التحقيق بجريمة المرفأ باستقالة قرداحي، لكن ووفقاً للمصدر فإن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل رفض هذه التسوية، مشترطاً أن تضم التسوية تأجيل الانتخابات إلى مايو/أيار القادم بدلاً من مارس/آذار، بالإضافة لإقرار تعديل على قانون الانتخاب يقضي بأن ينتخب اللبنانيون في الخارج 6 نواب بدلاً من 128 نائباً، الأمر الذي رفضه بري؛ حيث عادت الأمور إلى نقطة الصفر.
ويؤكد المصدر أن ميقاتي بدأ في تكثيف اتصالاته مع قرداحي لدفعه إلى الاستقالة بعد إبلاغه موقفاً صارماً من الإدارة الفرنسية، فالفرنسيون يضغطون لاستقالة قرداحي ليكون بين أيديهم ورقة للحوار مع السعوديين وهم أبلغوه أن عدم الاستقالة قبل الرابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي يعني أن لبنان لن يكون على جدول أعمال لقاءات ماكرون في الرياض.
كما أن ميقاتي بدأ يتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ومع حزب الله والوزير السابق سليمان فرنجية، ومع قرداحي الذي يبدو أنه لا يزال عند رأيه في ما يتعلق بأمر استقالته؛ إذ لا يزال يرفض القيام بالخطوة ما دام أنه ليس هناك ضمانات بأن تكون استقالته باباً للحل، خصوصاً أن كل تصريحات المسؤولين السعوديين سابقاً أكدت أن الأزمة تخطّت تصريحات وزير الإعلام، وأن المشكلة هي في "سيطرة حزب الله على لبنان".