تتصاعد الدعوات في الغرب إلى مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية، وهي دعوات بدأت بسبب اضطهاد الإيغور، ولكنها اكتسبت زخماً بعد أن طال الاستبداد الصيني الرياضيين في البلاد، وآخره لاعبة تنس شهيرة يعتقد أنها اختفت لشكواها من اعتداء جنسي.
وبات من الواضح أنه لا أحد ينجو من آلة القمع في الصين، فحتى الملياردير مؤسس شركة Alibaba التي تمثل النظير الصيني لشركة Amazon الأمريكية، اعتبر أنه ارتكب خطيئة كبرى عندما انتقد المنظمين الماليين في بكين باستفاضة وعلناً في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وبعدها بفترة قصيرة، أُلغي طرح أسهم شركة مدفوعات Ant Group المملوكة له، فجأة، واختفى جاك ما لثلاثة أشهر. ثم عاود الظهور في مدرسة ريفية في يناير/كانون الثاني، وأعلن الملياردير الصريح سابقاً: "أنا وزملائي نتعلم ونفكر، وأصبحنا أكثر تصميماً على تكريس أنفسنا للتعليم والرفاهية العامة".
اختفاء نجمة تنس صينية يعزز الدعوات إلى مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية
وتواجه شركة Alibaba، من بين 13 عملاقاً تجارياً، موقفاً حرجاً بسبب رعايتها لأولمبياد بكين الشتوية، المقرر أن تبدأ في فبراير/شباط، وسط قلق الغرب بشأن قضية اختفاء نجمة التنس الصينية بينغ شواي بعد زعمها أنها تعرضت لاعتداء جنسي من مسؤول كبير سابق في الحزب الشيوعي الحاكم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
تقول الصحيفة: "في الصين الاستبدادية والمصابة بجنون العظمة للرئيس شي جين بينغ، فإنَّ اختفاء شخصية بارزة لا ترضي النظام ليس بالأمر الجديد. فقد أُخِذ بعيداً ممثلات وفنانون ورؤساء شركات تأمين ورؤساء من الشرطة من أجل ما يصفه أحد المغتربين البريطانيين السابقين بأدب بأنه (إعادة تأهيل)، وغالباً ما يعودون لتقديم اعتذارات مُذلّة ويواجهون غرامات أو أحكاماً بالسجن".
لكن اختفاء بينغ تسبب في فضيحة تحت هاشتاغ #MeToo التي استحوذت على انتباه الغرب، وذلك قبل أشهر من فعالية كانت بالفعل مصدر خلاف بسبب انتهاكات الصين لحقوق الإنسان والمواقف العدوانية تجاه تايوان.
بايدن يفكر في المقاطعة
لن تكون مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية أول مرة تؤثر الخلافات السياسية على الأولمبيات سواء العادية أو الشتوية .
فمنذ ظهورها عام 1896، مثلت الألعاب الأولمبية وسيلة ضغط واحتجاج لجأت إليها العديد من الدول للتعبير عن غضبها واحتجاجها على قرارات سياسية.
وإضافة لتهديد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالانسحاب من ألعاب برلين عام 1936 وإلغاء الألعاب الأولمبية سنة 1916 و1940 و1944 بسبب الحروب العالمية وطرد كل من ألمانيا واليابان من ألعاب 1948 لدورهما بالحرب العالمية الثانية وحذف مشاركة جنوب إفريقيا لسنوات بسبب سياسة التمييز العنصري، تعرضت الألعاب الأولمبية للمقاطعة ست مرات لأسباب مختلفة منها ما حدث عام 1956 تزامناً مع العدوان الثلاثي وبداية أزمة قناة السويس، حيث اعتذرت مصر والعراق ولبنان عن عدم المشاركة بأولمبياد ملبورن بأستراليا 1956.
ولكن أشهر عمليات المقاطعة حدثت كرد على الاجتياح السوفييتي لأفغانستان أواخر ديسمبر/كانون الأول 1979، قاطعت ما يزيد عن 60 دولة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الألعاب الأولمبية بموسكو سنة 1980.
ومن ضمن الدول المقاطعة، كانت كل من كندا واليابان وإسرائيل والصين وألمانيا الغربية إضافة لأغلب دول العالم الإسلامي، حيث أدت هذه المقاطعة لمشاركة 80 دولة فقط بالألعاب الأولمبية موسكو 1980 وهو العدد الأقل منذ الألعاب الأولمبية ملبورن 1956.
ويُقال إنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، يفكرون في مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية، وإذا حدث ذلك فستكون أول عملية مقاطعة للألعاب الأولمبية منذ أن قادت كوريا الشمالية الدول الشيوعية في رفض حضور أولمبياد سيول بكوريا الجنوبية في عام 1988، حسب الصحيفة البريطانية.
كما يُقال إنَّ ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، تفضل موقفاً متشدداً، بعد أن اتهمت الصين، في تصريح سابق، بارتكاب إبادة جماعية بسبب معاملتها لمسلمي الإيغور. وعلى الرغم من ذلك، ستكون المقاطعة هذه المرة بمثابة تجاهل دبلوماسي بارد، وليس انسحاب الفرق التي شوهدت في مقاطعة الألعاب في السبعينيات والثمانينيات. فهل ستحدث المقاطعة؟ وإذا حدثت، فهل ستترك أي فرق؟
ويوم الثلاثاء الماضي 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أصرت وزارة الخارجية الصينية على أنَّ قضية بينغ "ليست مسألة دبلوماسية" واتهمت "أشخاصاً معينين بالتضليل الخبيث، والتسييس".
الاتحاد العالمي للاعبات التنس يصعد، ولكن ماذا عن اللجنة الأولمبية الدولية؟
وقال رئيس اتحاد لاعبات التنس المحترفات العالميات ستيف سيمون، لشبكة CNN، إنَّ الاتحاد "على مفترق طرق" مع الصين. وأضاف: "على العالم أن يبدأ اتخاذ قرارات مبنية على الصواب والخطأ. نحن بالتأكيد على استعداد لسحب أعمالنا وجميع التعقيدات التي تصاحبها؛ لأنَّ هذا أكبر من علاقات العمل".
قبل ثلاث سنوات، وقَّع اتحاد لاعبات التنس المحترفات صفقة مدتها عشر سنوات مع الصين قيل إنها بقيمة مليار دولار. وتضمنت البطولات التسع التي أقيمت هناك في عام 2019 جوائز تزيد عن 30 مليون دولار؛ وهي أموال طائلة في لعبة تناضل فيها النجمات منذ فترة طويلة من أجل الحصول على أجر مساوٍ للرجال.
ومع ذلك، أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية بياناً، يوم الإثنين الماضي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت فيه إنَّ رئيسها، توماس باخ، تحدث إلى بينغ شواي عبر الفيديو لمدة 30 دقيقة وإنها "بأمان وبصحة جيدة، وتعيش في منزلها في بكين". لكن نشطاء حقوق الإنسان اتهموا اللجنة الأولمبية الدولية بالتواطؤ في حيلة دعائية صينية.
هل تؤدي المقاطعة إلى نتيجة؟
ومع تصاعد الجدل حول فكرة مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية، يظهر أن هناك مدرستين فكريتين في الغرب عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين.
ترى الأولى أنه يجب الوقوف في وجه نظام الرئيس شي جين بينغ في كل فرصة سانحة بشأن سلوكه العدواني تجاه تايوان والتبت وسحقه للمعارضة وإساءة معاملته لمسلمي الإيغور. بينما ترى الأخرى أنَّ علاقة الغرب مع فاعل رئيسي في تغير المناخ والتمويل العالمي يجب أن تحددها سياسة الواقعية.
يقول اللورد كو، عضو اللجنة الأولمبية الدولية، في إذاعة BBC Radio 4 إنَّ المقاطعة الدبلوماسية للصين أو مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية ستكون "بادرة جوفاء"، حسب تعبيره.
وأشار إلى الميداليات الذهبية الأربع لجيسي أوينز في أولمبياد 1936 في ألمانيا النازية، مجادلاً بأنَّ الرياضة يمكن أن تكون "محركاً قوياً للتكامل والتغيير".
يدرك نظام شي جيداً قدرة الرياضة على تشكيل الرأي العام، ولكن صناعة الرياضة العالمية ولاسيما الغربية ضعيفة أيضاً أمام أموال الصين.
فبعد أن أعرب مدير فريق هيوستن روكتس، داريل موري، عبر تويتر عن دعمه للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ، أوقفت الصين بث بعض مباريات الدوري الأمريكي للمحترفين على قنواتها؛ مما تسبب في ضرر مالي "كبير" للدوري (إذ إنَّ كرة السلة هي الرياضة الأكثر شعبية في الصين بحوالي 800 مليون معجب).
الصين لم تعُد تخشى الغرب، فلقد نالت مرادها
من جانبه، قال رئيس تنفيذي أمضى عقوداً في العمل في الصين إنَّ النظام الصيني يميل إلى استعراض عضلاته ضد الشركات الأجنبية من خلال معاقبة المخالفين دون تفسير أو تحذير. وأضاف: "إذا غضبوا عليك توضع في حالة جمود لفترة من الوقت، باستبعادك من صفقة معينة أو تضطر لانتظار موافقة الجهات التنظيمية وستُعاد أسفل قائمة الانتظار. بعبارة أخرى ستواجه عدوانية غير مباشرة".
حتى في الوقت الذي أصبحت فيه حكومة شي أكثر سيطرة، وتهاجم الشركات في مجالات مثل التعليم والتكنولوجيا، فإنَّ عمالقة الاستثمار بالغرب مثل شركتي BlackRock وFidelity تتراكم أعمالها في البلاد، مقتنعة بأنَّ الطبقة الوسطى المزدهرة في الصين هي مفتاح تحقيق الأرباح المستقبلية.
ويقول الخبير الاقتصادي جورج ماغنوس، مؤلف كتاب "Red Flags: Why Xi's China in Jeopardy: – رايات حمراء: لماذا يهدد الخطر صين شي"، إنَّ المزيد والمزيد من الشركات سوف تنجذب إلى فضاء محرج للغاية؛ حيث سيكون عليهم اختيار أي القوانين سيتبعون وأيها سينتهكون.
من بين 13 شركة راعية للأولمبياد مدرجة على موقع اللجنة الأولمبية الدولية، لم يرد 12 راعياً أو رفض التعليق عندما تواصلت معهم صحيفة The Sunday Times، بما في ذلك شركة Visa، التي تخصص جزءاً من عملها لمساعدة النساء في الحصول على التمويل.
وحتى لو حدثت مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية أو بالأحرى مقاطعة دبلوماسية لألعاب فبراير/شباط، يشك الكثيرون في ما إذا كان سيكون لها تأثير خطير. وفي حين أنَّ هذه البادرة ستضايق بلا شك بكين، فإنَّ معظم الأجانب -والمتفرجين بدورهم- ممنوعون من الحضور وفقاً لقواعد "كوفيد-19" الصارمة في الصين.
وفي هذا السياق، يقول مايكل باين، مستشار رياضي كان رئيساً للتسويق في اللجنة الأولمبية الدولية لمدة عقدين من الزمن: "هناك القليل من سوء الفهم؛ لأنَّ الدولة الوحيدة التي ترسل بالفعل وفداً سياسياً رسمياً هي الولايات المتحدة. ووجهة النظر السائدة في عالم الرياضة أنه إذا قرر السياسيون أنهم لا يريدون الحضور، فهذا قرارهم. ولن يكون لذلك أي تأثير على انطلاق الألعاب أو الأداء الرياضي. لطالما ضخّمت الألعاب الأولمبية القضايا المتزامنة معها سواء كانت اجتماعية أو سياسية. تتصاعد المزيد والمزيد من الضجة حتى اللحظة التي تبدأ فيها الألعاب. لكن في اللحظة التي يبدأون فيها، يتحول التركيز إلى الرياضيين".
ويضيف الرئيس التنفيذي ذو الخبرة العميقة في الصين: "لا أعتقد أنَّ التهديد بـ"مقاطعة أولمبياد بكين الشتوية" سيقض مضجعهم. لقد فشل الغرب في فهم مدى ثقة الصين بنفسها. عندما بدأت مسيرتي المهنية وكانت الصين في المراحل الأولى من الانفتاح، أدركت القيادة أنهم بحاجة إلى الغرب لأنهم بحاجة إلى التكنولوجيا والمعرفة ورأس المال. والآن أصبحوا أكثر اكتفاءً ذاتياً، وصار وضع التبعية معكوساً. لذا فإنَّ هذه الفكرة القائلة إنَّ الغرب يستطيع إجبار الصين على التصرف بطريقة مختلفة هي فكرة مغلوطة".