كشفت جماعات حقوقية ومقابلات أجرتها وكالة The Associated Press مع أكثر من 20 عاملاً في معرض إكسبو 2020 الذي تستضيفه الإمارات، عن تعرض عدد كبير من العمال لانتهاكات مست حقوقهم الأساسية، سواء المرتبطة بنظام الكفيل الذي يقيّدهم، أو حتى تلك المتعلقة بظروف العمل والأجر والغذاء، وذلك وفق ما ذكره تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
فقد أنفقت دبي مليارات الدولارات لإقامة معرض إكسبو 2020 الذي تأجل بسبب الجائحة؛ أملاً منها في جذب 25 مليون زائر لفعاليات المعرض الذي انطلق الشهر الماضي، وكانت تستهدف خلق انطباع لا تشوبه شائبة نظراً إلى أنها أول موقع في الشرق الأوسط يستضيف المعرض العالمي، وقد دعّم المعرض العالمي نظامُ العمل الإماراتي المثير للخلاف، الذي طالما جذب اتهامات بسوء معاملة العمال.
الانتهاكات مستمرة
إذ يلوم المدافعون عن حقوق الإنسان على نظام الكفالة المعمول به في الإمارات، الذي يعتمد على سلاسل من مقاولي الباطن الأجانب، وربط إقامة العمال بوظائفهم، ومنح أصحاب العمل سلطة هائلة.
يقول العمال إنهم اضطروا لدفع رسوم باهظة غير قانونية إلى وسطاء التوظيف المحليين كي يعملوا في المعرض العالمي.
وقد صادر أصحاب العمل جوازات سفرهم، ولم تُستوف وعود الأجور، ويعيش العمال في أماكن مزدحمة وغير صحية، ويعانون من سوء مستوى الغذاء أو ارتفاع أسعاره، إضافة إلى أن ساعات العمل الأسبوعية تصل إلى 70 ساعةً أسبوعياً، ويعمل هؤلاء أحياناً في حرارة حارقة.
مصطفى قدري، المدير التنفيذي لشركة Equidem لاستشارات حقوق العمال، التي أبلغت مؤخراً عن سوء معاملة عمال إكسبو خلال الجائحة، يقول بهذا الخصوص: "يمكنك الحصول على أفضل المعايير في العالم، ولكن إن كان لديك انعدام توازن القوى المتأصل هذا، فإن العمال يكونون في موقف يُعرّضون فيه لخطر الاستغلال طوال الوقت".
كيف ترد أبوظبي؟
يُعرف عن دبي أنها شديدة الحساسية تجاه صورتها العامة، وتدرك أن إكسبو يلفت الانتباه إلى ممارسات العمل لديها. وقد ألزمت الشركات التي تعمل على المشروع بمعايير أعلى من المعتاد فيما يتعلق بمعاملة العمال. إذ إن المقاولين يقدمون أجوراً ومزايا أفضل لعمال إكسبو، مقارنة بالعاملين في أي مكان آخر في البلاد، ويقول كثيرون إنهم ممتنون للعمل في هذه الوظائف.
عندما سألت وكالة The Associated Press منظمي إكسبو، أشاروا إلى بيانهم السابق الذي صدر رداً على تقرير شركة Equidem، وقالوا إن إكسبو تأخذ رفاه العمال "على محمل الجدية الشديدة".
اعترف البيان بأن الموضوعات المقلقة التي يثيرها العمال بانتظام، تتضمن "مدفوعات الأجور والغذاء"، بدون الإسهاب في التفاصيل.
فيما لم يجب إكسبو عن أي تساؤلات مرسلة من وكالة The Associated Press فيما يتعلق بسوء معاملة العمال المزعومة، بما في ذلك التقارير التي تشير إلى دفع رسوم توظيف غير قانونية ومصادرة جوازات السفر.
يذكر أن البرلمان الأوروبي نصح بمقاطعة الفعالية، بعد أن ذكر انتهاكات العمل في معرض إكسبو، إضافة إلى المخاوف الحقوقية الأخرى. ووصفت الإمارات القرار بأنه "غير صحيح من حيث الوقائع".
في حين رفضت السلطات الإماراتية الرد على طلبات التعليق المتكررة المرسلة إليها من وكالة The Associated Press.
شهادة حية
يتعلق الأمر بمحمد، وهو عامل يبلغ من العمر 27 عاماً بين عشرات العمال الذين ينظفون أرضية المعرض الشاسعة على مدار 8 ساعات يومياً، إنه حصل على الوظيفة عن طريق وسيط توظيف في بلدته الواقعة جنوب غانا، وعده بالحصول على أكثر من 500 دولار، تشمل الغذاء والمسكن. لكنه اضطر لأن يدفع في البداية 1150 دولاراً، استخدم مدخرات سنوات لسدادها، ومع ذلك طمأنه الوسيط بأنه سوف يستعيد هذا المبلغ بسرعة.
عندما وصل علم محمد أنه سيحصل على 190 دولاراً فقط شهرياً. وبعد 6 أشهر، حقق محمد أقل مما دفعه من أجل الحصول على الوظيفة.
قال محمد، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط خوفاً من الانتقام: "لو عرفت، ما كنت سآتي أبداً". تحدث كثير من العمال مع وكالة The Associated Press بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من فقدان وظائفهم.
الاستغلال والجوع
وثقت شركة Equidem عديداً من حالات الانتهاك في موقع بناء تابع لإكسبو عندما بدأت الجائحة، وصف العمال تعرضهم للجوع لأن أصحاب العمل حجبوا لخمسة أشهر الأجور التي تعهدوا بها وقطعوا مزايا العمل.
حتى إن بعضهم حُرم من وثائقه، وعجز عن تغيير وظيفته أو مغادرة البلاد. عاش كثير من هؤلاء في أماكن إقامة مكتظة، وصلت في إحدى الحالات إلى تشارُك أكثر من 80 شخصاً في حمام واحد.
وصف عمال إكسبو الذين أجروا مقابلات مع وكالة The Associated Press أشكالاً أخرى من الاستغلال، كان عدم وجود طعام كاف الشاغل الأساسي فيها. واشتكى كثيرون من ساعات العمل الطويلة في طقس حار بصورة مهلكة. وقال عدد من العمال القادمين من غرب إفريقيا وباكستان إنهم دفعوا مئات الدولارات إلى وسطاء التوظيف. وادعى آخرون أن أصحاب العمل صادروا جوازات السفر خاصتهم، وكان غياب الحرية شكوى أساسية من نظام يمكن للفرار من أصحاب العمل فيه أن يشكل أساساً للاعتقال والترحيل.
قال الحراس الموجودون عند مدخل معرض إكسبو، الذين يعملون في شركة أركان للبناء التي تتخذ من دبي مقراً لها، إنهم وُعدوا بالحصول على وجبات ساخنة أثناء أوقات الراحة في دوام يمتد لـ8 ساعات. ومع أنهم سألوا المشرفين باستمرار خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن هذه الامتيازات، لم يحصل الحراس على أي شيء مما تركهم جائعين خلال اليوم. ولم ترد شركة أركان على طلبات للتعليق.
يعمل حراس الأمن في معرض إكسبو أطول دوام عملٍ يصل إلى 13 ساعة يومياً، تتضمن راحة غداء لمدة 40 دقيقة. وباستثناء أوقات الراحة القصيرة، يقضي هؤلاء ساعات العمل في طقس حار للغاية. إذ إن درجات الحرارة في دبي تتجاوز 50 درجة مئوية في الصيف.
وقد وصف العمال عمليات المراقبة المستمرة أثناء العمل، حيث يهدد المديرون بالخصم من الرواتب والجزاءات الأخرى إذا غفا العمال أو حصلوا على استراحة أطول من المدة المنصوص عليها.
فيما يقول حارس هندي يعمل مع شركة فيرست سيكيورتي جروب في إكسبو، وهي شركة مستقرة في دبي: "إذا وصلت متأخراً، أو إذا أغلقت عينيك أثناء العمل، أو إذا ذهبت إلى الداخل عدة مرات خلال اليوم، سوف يُخصم من راتبك أجر يوم واحد على الأقل".
"تحتاج فقط أن تبقى على قيد الحياة"
كذلك، صرح ستة أشخاص على الأقل أنهم لم يستطيعوا الإبقاء على جوازات سفرهم في حوزتهم، كما أكد عدد قليل من عمال النظافة أنهم وقعوا على ما يبدو على وثائق موافقة لم يفهموها، وهي وثائق تتيح للشركة مصادرة وثائقهم للحفاظ عليها، وهي ممارسة محظورة لكنها برغم ذلك لا تزال شائعة في الإمارات.
برغم هذه المصاعب، قال أغلب العمال إنهم ممتنون لحصولهم على الرواتب التي تتجاوز بكثير ما كانوا يحصلون عليه في أوطانهم أو حتى ما كانوا يحصلون عليه في وظائف أخرى في دبي. ويشعر كثيرون أنهم يسهمون في جهود محفل عالمي يوحد البلاد والثقافات.
لكن آخرين يجدون مشقةً في قضاء الأيام ذهاباً وإياباً بين أراضي المعرض وأماكن إقامتهم، حيث يتشارك 4 إلى 6 أشخاص في غرفة واحدة.
صرح حارس كيني، يبلغ من العمر 40 عاماً قائلاً: "نعمل، وننام، فنعمل، وننام. ليس هناك حرية. تحتاج فقط أن تحاول البقاء على قيد الحياة من يومٍ لآخر".