عاد ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يلوح في الأفق مع الزيارة المرتقبة بين رئيس هيئة شؤون الطاقة الدولية ورئيس الوفد الأمريكي الجديد في هذا الملف آموس هوكشتاين، الذي يحمل معه خطة تتجاوز الخطوط البحرية التي شكّلت موضع خلاف بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، لتركّز على مبدأ الحقول التي تستفيد منها الأطراف كافّة.
تفادي العقوبات
يسرع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الخطى بصحبة فريقة السياسي، "التيار الوطني الحرّ"، لإنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية عبر المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي. والحماسة التي يبديها عون وفريقه مفادها الابتعاد عن العقوبات، لأنه يعلم أنّه في حال انفجرت، كما حدث مع صهره النائب جبران باسيل، فلا عودة هذه المرّة، خصوصاً أن المصادر تضع بقوةٍ احتمالية ليِّ ذراع الحكومة من باب العقوبات.
كما تشير أوساط عون إلى أن زيارة هوكشتاين لبيروت ضرورية في هذا التوقيت؛ وذلك من أجل التباحث في تفاصيل الملف ورؤية ما يحمله من خطّة جديدة قد تساعد على التفاوض. ووفق المحلّل السياسي خلدون الشريف، فإن الاتفاق على الترسيم قد يضع لبنان في مرحلة سياسية-اقتصادية جديدة تساعده على الخروج من الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخه، فبدء عملية التنقيب عن النفط والغاز تصبّ في مصلحة الدولة اللبنانية، إذ باستطاعتها أن تحقق مردوداً يساعد على تعافي الجسم الاقتصادي.
خطة هوكشتاين
عيَّنت الإدارة الأمريكية رئيساً جديداً للوفد الأمريكي الذي يعمل وسيطاً بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، إلا أن الخبراء يعتقدون أن مهمته ورؤيته مختلفة عن رئيس الوفد السابق جون ديروشيه، فيشرح العميد المتقاعد أنطون مراد لـ"عربي بوست"، أن هوكشتاين سيحمل معه رؤية مختلفة تتعاطى مع مبدأ الخطوط لتطال الثروات وتقاسمها بين الدولتين، عبر شركة قد تعيّنها الإدارة الأمريكية.
ويرى مراد أن الهدف الأساسي للبنان هو الثروة في البحر، ولكن لا يجب التغاضي عن الخطوط، لأننا مجبرون على السير بهما بشكل متساوٍ. كما يشدّد مراد على أن الكرة أصبحت اليوم في ملعب الحكومة اللبنانية، إما أن تتحدَّى حزب الله المعارض لهذه الخطوة وتعدّل المرسوم، وإما أن يبقى كل شيء على ما هو عليه وعدم استئناف المفاوضات الى أجل غير مسمّى.
ومن وجهة نظر خبيرة النفط والغاز لوري هيتيان، فإن هوكشتاين لديه خبرة واسعة في ملف الطاقة بالمنطقة؛ لكونه كان جزءاً من عمله السابق، وأنه سيحاول أن يلعب دوراً إيجابياً في المنطقة عبر رؤيته التي ترى ضرورة تجاوز الحدود واقتسام الثروة، ووضع النزاعات جانباً والتركيز على أن تكون الطاقة مشروع منطقة واحدة ومشتركة.
المسألة إقليمية
تعديل المرسوم 6433، الذي يقضي بتوسيع حق لبنان من المساحة البحرية من 860 كم مربع إلى ما يتعدى 2000 كم مربّع والذي يشكّل عائقاً أمام التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، ليس بمسألة داخلية أو محلية، فهو يتعدّى الحدود اللبنانية ليصل الى طهران، العاصمة الإيرانية، كما يرى الجنرال خالد حمادة.
يعتبر حمادة أن إيران تستخدم هذا المرسوم، عبر ذراعها في لبنان "حزب الله"، إمّا لتعزيز وجودها ووزنها الإقليمي، وإما للمساومة على حدود نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن استمرارية ورقة الضغط هذه لن تجدي نفعاً وستزيد الطين بلّة.
موقف حزب الله
أما من ناحية حزب الله، فالحزب يكتفي بالاعتراض على التفاوض ولا يكترث للعقوبات الواقعة عليه، ولكنه وبحسب مصادر مقربة منه، يسعى للتفاوض تحت الطاولة، محاولاً فرض شروطه؛ لكونه يعتبر نفسه اللاعب الأقوى في هذا الملف.
وتشير المصادر أيضاً إلى أن حماسة "حزب الله" سببها التغيّرات الإقليمية التي قد يُحدثها ترسيم الحدود البحرية التي تمتد إلى سوريا. فبحسب المحلل السياسي منير الربيع، فطريق المفاوضات حول الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية في فيينا متوازية مع المفاوضات في الجنوب اللبناني، وتحمل هذه المفاوضات انعكاساً بارزاً على السياسة الإقليمية.
حمادة يعتبر أن سيطرة حزب الله على القرار اللبناني ووقوف عون خلفه يعنيان أن الوصول إلى برّ التفاوض بعيد المنال، ودلالة على أن لبنان يُستخدم كساحة للصراعات الإيرانية-الأمريكية. ومع اختيار احتضان القرار الإيراني عبر هيمنة سلاح حزب الله، فبرأي حمادة، لا مجال للبحث عن الإيجابيات في هذا الملف.
وأما عن إيجابيات هذا التفاوض، فهو لن ينحصر على التعافي الاقتصادي؛ بل سيشمل أيضاً تهدئة على الساحة السورية التي تتلقَّى ضربات إسرائيلية متكرّرة على القواعد الإيرانية، وفي حال اتخذت الأمور منعطفاً سلبياً فستبادله شراسة أمريكية قد تتخطّى العقوبات وتضع المنطقة في حالة من الغليان غير مرغوب فيها.
إسرائيل والحرص على الاتفاق
يؤكد مصدر دبلوماسي غربي لـ"عربي بوست"، أن إسرائيل تبدي استعجالها للاتفاق على ترسيم الحدود؛ ذلك لأن شركة "إنرجين" التي تعمل في حقل كاريش سترسل في شهر مارس/آذار المقبل، سفينة للإنتاج تُعرَف باسم FPSO، وهو استحقاق بالغ الأهمية بالنسبة للإسرائيليين، لأن الشركات العاملة في هذا المجال تتجنّب عادةً العمل بمناطق متنازع عليها أو غير مستقرة أمنيّاً. ولهذا تحرص إسرائيل على إنجاز الاتفاق قبل الربيع المقبل؛ لكي تكون سفينة الإنتاج في مياهها الإقليمية بلا أي مخاطر معرقلة.
ثمّة حديث عن اتفاق محتمل قبل شهر مارس/آذار المقبل، ولذلك يمكن أن يكون هوكشتاين في بيروت خلال أسابيع قليلة، إضافة إلى بعض المؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية باتت تميل إلى حل يقبله مختلف الأطراف اللبنانية بعدما أصبحت واثقة بأن الخط 23 لا يلقى إجماعاً من جانب القوى اللبنانية.
الحكومة الجديدة غائبة
ومن جهة الحكومة، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية ستعارض هذا الخيار؛ لكون الشركات التي ستأتي لتستثمر ومن ضمنها شركة توتال الفرنسية، ستسهم في نهضة واستقرار الاقتصاد اللبناني، لاسيما أن الإدارة الأمريكية ستسمح بتوطيد العلاقات مع إيران وجلب المازوت والمحروقات منها، ولن تعارض استمرار علاقته مع النظام السوري.
وبصورة أشمل ستتجه المنطقة إلى نوع من الاستقرار الاقتصادي سينعكس على الدول المحيطة، خاصةً مصر والأردن وسوريا.