“يمكنك الهجرة لألمانيا عبر بيلاروسيا”.. كيف استغل تجار البشر فيسبوك لتأجيج أزمة الهجرة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/25 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/25 الساعة 19:30 بتوقيت غرينتش
مهاجرون يتجمعون بالقرب من سياج من الأسلاك الشائكة في محاولة لعبور الحدود /رويترز

أزمة المهاجرين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا لاتزال تداعياتها مستمرة، فكيف يمكن أن تساهم الأخبار الزائفة على فيسبوك في إطلاق موجات من الهجرة غير الشرعية.

فلقد كشف تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، كيف اندفع كثير من المهاجرين إلى محاولة الذهاب إلى بيلاروسيا بحثاً عن طريق منها لدول الاتحاد الأوروبي، وكيف تحول موقع التواصل الاجتماعي إلى منصة للشركات والجهات المتورطة في أزمة المهاجرين.

فيلم رعب يتكرر مجدداً

بعد أكثر من أسبوع من النوم في مخيم شديد البرودة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، ومحاولة خائبة لاجتياز الحدود أُفشِلَت برذاذ الفلفل وهراوات الشرطة، استسلم محمد فرج هذا الشهر (نوفمبر/تشرين الثاني)، وعاد إلى فندق دافئ في مينسك، عاصمة بيلاروسيا.

لكن بعد فترة قصيرة، شاهد بدهشة وحماسةٍ مقطع فيديو على فيسبوك يزعم أنَّ بولندا على وشك فتح حدودها ويحث كل الراغبين في دخول الاتحاد الأوروبي على التجمُّع عند محطة وقود قرب المخيم الذي سماه المهاجرون "الغابة".

أسرع فرج، وهو عراقي من العرقية الكردية يبلغ 35 عاماً، بالعودة إلى المخيم البائس الذي كان قد غادره للتو، فسافر 190 ميلاً (306 كيلومترات تقريباً) من مينسك إلى محطة الوقود، ووصل في الوقت المناسب لفتح الحدود مطلع نوفمبر/تشرين الثاني مثلما سمع على فيسبوك.

ظلت الحدود البولندية بطبيعة الحال مغلقة بإحكام، وقضى "فرج" الأيام العشرة التالية مجدداً فيما وصفه بأنَّه "جزء من فيلم رعب"، حسبما ورد في تقرير The New York Times.

أزمة المهاجرين بدأها لوكاشينكو وفاقمها فيسبوك

منذ شهر أغسطس/آب 2021، حاول آلاف المهاجرين الذين ينحدر معظمهم من منطقة الشرق الأوسط عبور الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. 

حمَّل الاتحاد الأوروبي، الذي أعرب عن دعم قوي لموقف بولندا المتشدد في مواجهة المهاجرين، الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، مسؤولية صدمات الأسابيع الأخيرة عند حدوده الشرقية.

بالتأكيد ساهمت السلطات البيلاروسية في إذكاء الأزمة، بتقديمها تأشيرات سياحة سهلة لآلاف العراقيين وتسهيل وصولهم إلى الحدود مع بولندا، حسب التقرير.

أزمة المهاجرين
رئيس وبيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو/رويترز

لكنَّ وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك، منحت لوكاشينكو مساعدة حيوية في تأجيج أزمة المهاجرين، ومثَّلت عاملاً مُسرِّعاً غير مُتوقَّع لآمال وأوهام الأشخاص الذين سقطوا ضحيةً للوعود الفارغة للمستغلين والدجالين على شبكة الإنترنت.

انخرط البعض في الأمر من أجل المال، فوعد بتهريب المهاجرين عبر الحدود مقابل رسوم باهظة، ويبدو أنَّ البعض استمتع بالاهتمام الذي حظوا به باعتبارهم "أشخاصاً مؤثرين" على الإنترنت بسبب نشرهم للمعلومات، وبدا أنَّ آخرين كانت تُحرِّكهم رغبة حقيقية في مساعدة الأشخاص الذين يعانون. ولا توجد أدلة تشير إلى وجود حملة مُنسَّقة من جانب لوكاشينكو لاستهداف المهاجرين بأخبار زائفة على الإنترنت.

ولكن مقاطع فيديو نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحقق منها "عربي بوست"، أظهرت مرافقة عناصر من قوات حرس الحدود البيلاروسية للمهاجرين، وصولاً إلى الحدود البولندية، وهو ما أكدته أيضاً صحيفة The Guardian البريطانية، التي قالت إن القوات البيلاروسية رافقت نحو ألف مهاجر.

وقال فرج إنَّ الأخبار الزائفة على فيسبوك "سكبت الطين على رؤوسنا ودمَّرت حياتنا".

المهربون ينشرون أرقام هواتفهم علناً عليه

بدورها، قالت مونيكا ريشتر، رئيسة البحث والتحليل بشركة Semantic Vision، وهي شركة معلومات تابعت النشاط المتعلِّق بالأزمة على وسائل التواصل الاجتماعي، إنَّ النشاط المرتبط بالهجرة إلى الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا باللغتين العربية والكردية كان "يتزايد بسرعة الصاروخ" منذ يوليو/تموز الماضي.

وقال باحثون إنَّ المهربين نشروا أرقام هواتفهم علناً وروَّجوا خدماتهم على منصة فيسبوك، وضمن ذلك مقطع فيديو لشهادات من أشخاص قالوا إنَّهم نجحوا في للوصول إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا وبولندا. وروَّج أحد المُهرِّبين، في منشور على فيسبوك، وجود "رحلات يومية من مينسك إلى ألمانيا تتخللها مسافة 20 كيلومتراً فقط سيراً على الأقدام". لكنّ كاتباً حذَّر بمنشور آخر نُشِرَ في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من أنَّ الرحلة "ليست مناسبة للأطفال بسبب البرد".

وحديث عن مرشد مجهول يتخطى حرس الحدود البولندي

وعلى الرغم من التجربة المريرة لكثير من الوعود على فيسبوك التي اتضح أنَّها كاذبة، اجتاحت الجمعة 19 أكتوبر/تشرين الأول، موجة من الحماسة الأشخاص اليائسين في المستودع الذي أُودِع فيه فرج ومهاجرون آخرون في بيلاروسيا، بعد ظهور تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأنَّه مايزال ممكناً دخول أوروبا لأي شخص مستعد لدفع 7 آلاف دولار لمرشد ادَّعى أنَّه يعرف طريقاً سهلاً عبر الحدود بين بيلاروسيا وبولندا يتجاوز الجنود وحرس الحدود البولنديين المتجمِّعين على الطرف الآخر من الحدود.

سخر ريكار حامد، وهو مدرس رياضيات سابق في إقليم كردستان العراق كان قد دفع نحو 10 آلاف دولار لوكلاء سفر مقابل "جولة شاملة" كان من المفترض أن يقوم بها هو وزوجته وطفله الصغير إلى أوروبا لكن انتهى بهم الحال محتجزين داخل مستودع، من العرض الأخير باعتباره عملية احتيال أخرى.

وأعرب موسى حماه، وهو كردي آخر من العراق محتجز في المستودع، عن أسفه من أنَّه لا يوجد قدر من التثبُّت من الحقائق سيمنع الناس من التشبث ببصيص الأمل الذي يُقدِّمه فيسبوك. وقال: "الناس يائسون، لذلك يصدقون أي شيء".

سوق للهجرة غير الشرعية بعد قرار مريب اتخذته بيلاروسيا

بدأ أزمة المهاجرين عندما تدافُع المهاجرون إلى بيلاروسيا على أمل دخول الاتحاد الأوروبي في وقتٍ سابق من هذا العام، حين خفَّفت يبلاروسيا، الجمهورية السوفييتية السابقة السلطوية، سياسات التأشيرة المُشدَّدة لبعض الدول، لاسيما العراق. وكان هذا التخفيف في الظاهر محاولة لتعزيز السياحة في وقتٍ كان معظم الغربيين يتجنَّبون فيه بيلاروسيا عقب حملة قمع من جانب لوكاشينكو رداً على انتخاباتٍ رئاسية محل نزاع.

بدأت شركات السفر في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في العراق عملية الترويج لتوافر تأشيرات سفر إلى بيلاروسيا على فيسبوك ومنصات أخرى بعدما شعرت بوجود فرصة عمل مربحة. واستغل المهربون وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لبيلاروسيا باعتبارها بوابة خلفية سهلة لأوروبا.

وحددت شركة Semantic Visions، منذ يوليو/تموز الماضي، عشرات المجموعات (Groups) التي أُنشِئت على منصة فيسبوك لنشر معلومات بشأن طرق الهجرة واستخدمها المهربون لترويج خدماتهم. ووفقاً للشركة، تضخَّم عدد أعضاء إحدى المجموعات الخاصة باسم "Migration of the powerful from Belarus to Europe" من 13 ألف عضو في مطلع سبتمبر/أيلول، إلى قرابة 30 ألف عضو حالياً.

وخلصت الشركة في تقرير حديث لها انتشر بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي، إلى أنَّ "نتائجها تكشف إلى أي مدى استُخدِمَت منصات التواصل الاجتماعي –لاسيما فيسبوك- باعتبارها سوقاً بحكم الأمر الواقع للتهريب إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي تأجيج أزمة المهاجرين".

فيسبوك تقول إنها حظرت المواد التي تروج لتهريب البشر

وقالت شركة فيسبوك، التي باتت تُعرَف بـ"ميتا"، إنَّها حظرت المواد التي تُسهِّل أو تروِّج لتهريب البشر وكرَّست فرقاً لمراقبة واكتشاف المواد المرتبطة بالأزمة. وأضافت أنَّ الشركة تعمل مع وكالات إنفاذ القانون والمنظمات غير الحكومة للتصدي لفيضان الأخبار الزائفة المرتبطة بالهجرة.

وأضافت في بيان عبر البريد الإلكتروني: "نحذف هذا المحتوى بمجرد أن نعلم بوجوده".

لكنَّ الأحداث في بيلاروسيا كشفت كيف أنَّ شركة فيسبوك، حتى بعدما شهدت الشركة إساءة لاستغلال خدماتها خلال أزمة الهجرة في 2015، ماتزال تعاني من أجل إبعاد المواد المحظورة عن منصتها، خصوصاً باللغات غير الإنجليزية.

وليس واضحاً ما إذا كانت شركة فيسبوك اتخذت خطوات للتعامل مع المعلومات المضللة وربما الخطرة.

البعض يستخدمه للضغط على بولندا

يُعَد كروان راوندوزي، وهو شخص مؤثر كردي ألماني، من الشخصيات الشهيرة التي ستصبح من بين المهاجرين إلى أوروبا، لكنَّ مقاطع الفيديو والتقارير الأخرى التي نشرها عبر الإنترنت كثيراً ما تُروِّج قصصاً زائفة، مثل ادعاء أنَّ بولندا ستفتح حدودها في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.

وعند التواصل معه عبر الهاتف في مدينة هامبورغ الألمانية، قال راوندوزي إنَّه يكرر هذه المعلومات للضغط على بولندا كي تفتح الحدود، وهي المعلومات التي قال إنَّ وسائل الإعلام الألمانية نشرتها. وحمَّل المهربين والبلدان، وضمنها بولندا، مسؤولية المعاناة التي يكابدها المهاجرون، وقال إنَّه ببساطة يحاول مساعدة طالبي اللجوء.

وما يزال فرج غاضباً، لأنَّه اتبع نصيحة راوندوزي بالإسراع بالعودة من مينسك إلى الحدود. وقال: "الكل يعرفه والكل يتابعه. لقد خدعنا كروان جميعاً على فيسبوك".

وقال راوندوزي إنَّه "لست أنا مَن يجب أن يشعر بالسوء أو الذنب" حيال الأشخاص الذين يقتنعون بمنشوراته. وأضاف: "يجب أن تشعر الحكومة العراقية والكردية بالسوء على كل الأسباب التي تجعل الناس راغبين في الهرب".

تحميل المزيد